المكلا ( حضارم اليوم ) متابعات :
عندما وقعت مصر اتفاقية مع روسيا قبل ثلاث سنوات بهدف إنشاء أول محطة نووية لتوليد الطاقة الكهربائية كان ينظر المراقبون السياسيون إلى الخطوة على أنها مرحلة جديدة ستشهدها البلاد في أعقاب إنهاء حكم الإسلام السياسي، الذي لم يدم طويلا، ولكن بالنظر إلى التحديات التي تواجه المنطقة بسبب التوترات الإقليمية، هل يبدو المصريون في حاجة لأن يكون بلدهم قوة نووية في الشرق الأوسط.
القاهرة – تكشف العديد من المؤشرات على أن مصر تسير بثبات نحو الانضمام إلى النادي النووي، إلى جانب الإمارات التي دخل أول مفاعلين لديها في محطة براكة للطاقة النووية حيز التشغيل، حيث أن العمل الذي تقوم به القاهرة هو تتويج للاتفاقيات التي أبرمتها مع روسيا قبل خمس سنوات.
وحاز المشروع النووي المصري على أهمية استراتيجية من قبل الحكومة، مما أدى إلى تصوره وتنفيذه بطريقة من أعلى إلى أسفل ويستثني هذا النهج إلى حد كبير رأي الشعب، لكن السلطات تؤكد أن سلمية المشروع نابعة من التزامات القاهرة بالمعاهدات الدولية.
وقال الرئيس عبدالفتاح السيسي خلال زيارته إلى موسكو في 2015 إن “توقيع الاتفاقيات رسالة أمل وعمل وسلام لنا في مصر وللعالم كله وأنه حلم طال انتظاره ليكون لدى مصر مفاعل نووي سلمي”.
وكان البلدان قد وقعا اتفاقية تبني بمقتضاه روسيا محطة الطاقة النووية وتقدّم قرضا لمصر لتغطية تكلفة تشييدها وسيشرف على المشروع كل من هيئة الرقابة النووية والإشعاعية المصرية والجهاز الفيدرالي للرقابة البيئية والتكنولوجية والنووية الروسية.
وفي تأكيد على إصرار المصريين على إتمام هذا المشروع، أعلن المسؤولون مؤخرا أن بناء أول محطة للطاقة النووية في البلاد في منطقة الضبعة على ساحل البحر الأحمر سيمضي كما هو مخطط له، بالرغم من أن فايروس كورونا تسبب في تأخير مشاريع أخرى.
ويقول محللون في معهد جنوب أفريقيا للشؤون الدولية إن الهدف المعلن من محطة توليد الكهرباء هو تحقيق الاكتفاء الذاتي من الطاقة وسط طلب متزايد من عدد السكان المتزايد يقدر بنحو 100 مليون شخص، لكنه في المقابل يثير حفيظة البعض.
مشروع استراتيجي
بدأت مصر في مطلع ثمانينات القرن الماضي إجراءات لإقامة محطة نووية لإنتاج الكهرباء في منطقة الضبعة، لكنها علّقت العمل فيها بعد كارثة محطة تشرنوبيل النووية في أوكرانيا في عام 1986.
ومنذ ذلك الحين لم تقم القاهرة بأي مشروع في مجال الاستخدام السلمي للطاقة النووية، لكن في عام 2008 عادت وقررت إحياء مشروع المحطة النووية لإنتاج الكهرباء حيث كانت موسكو تتنافس مع دول أخرى للفوز به، إلا أن المشروع لم يجد طريقه إلى التنفيذ.
وفي عام 2015، وقعت مصر اتفاقية مع روسيا لبناء محطة للطاقة النووية، وهو مشروع استراتيجي لمصر، بالإضافة إلى بناء 4 مفاعلات في الضبعة، ستقوم شركة الطاقة الذرية الروسية “روساتوم” بتزويد المحطة بالوقود النووي طوال عمرها.
وستشارك روساتوم في تشغيل وصيانة المحطة، بالإضافة إلى تدريب الموظفين المصريين خلال السنوات العشر الأولى من التشغيل. كما ستساعد الشركة مصر في التخلص من الوقود النووي المستهلك، وسيتم تمويل حوالي 85 في المئة من تكلفة محطة كهرباء الضبعة بقرض روسي بقيمة 25 مليار دولار أميركي.
وستبدأ مصر سداد القرض في أكتوبر 2029 على أساس نصف سنوي على مدار 22 عاما بفائدة ثلاثة في المئة. وستقوم الحكومة المصرية برفع النسبة المتبقية البالغة 15 في المئة من تكلفة المحطة، لكن ليس من الواضح ما إذا كان ذلك سيأتي من القطاع العام أو الخاص.
المشروع تأجل مرارا منذ ثمانينات القرن الماضي، لكن القاهرة اليوم ترى أن الوقت مناسب لبنائه بسبب التحديات
ولا يزال المشروع مثيرا للجدل لعدة أسباب، ويرى محللو معهد جنوب أفريقيا للشؤون الدولية أنه في حين لا يوجد لوبي منظم معروف ضاغط للطاقة النووية في مصر، أبدت الجماعات البيئية والمنظمات الحقوقية تحفظات على محطة الطاقة.
وتتعلق هذه التحفظات باستهلاك المحطات للمياه وهو مورد نادر في مصر بسبب قلة هطول الأمطار، فضلا عن مشكلة سد النهضة مع إثيوبيا، الذي قد يكون أحد العوامل المؤثرة في تشغيل المحطة النووية واحتمال وقوع حوادث تنطوي على نفايات سامة، والتكاليف الكبيرة المرتبطة بالمشروع.
ويشير محللو الطاقة إلى أن طموحات مصر النووية توفر حلا لمشكلة غير موجودة، بسبب الاكتشافات الغازية الكبيرة التي تمت في البحر المتوسط، والتي نتج عنها فائض في الطاقة.
ومع ذلك هناك خيارات للطاقة غير النووية من قبيل محاولتها الاستثمار في الطاقة المتجددة، حيث تقوم الحكومة ببناء منشأة للطاقة الشمسية في أسوان، والتي لديها القدرة على إنتاج نفس كمية الطاقة مثل الضبعة. ومع ذلك، من المتوقع أن تكلف 10 مليارات دولار، أي ثلث محطة الطاقة النووية، ولا تحمل نفس المخاطر البيئية المدمرة المحتملة.
وثمة مخاوف بشأن انعدام الشفافية والمعلومات حول المشروع النووي رغم أن العمل جار بحزم، إلا أن العديد من التفاصيل وشروط الاتفاقيات المختلفة لا تزال غامضة.
ولطالما دافعت القاهرة بوجه المشككين في تقييم العطاءات واختيار روسيا كشريك نووي لها، فهناك من يريد إثارة المشكلة من باب أن تفاصيل العروض الأخرى لم تكن علنية، وكذلك المقارنة والتحليل حول ما إذا كانت الصفقة الروسية تمثل جزءا من الأمن القومي أم لا.
جدل عقيم
معهد جنوب أفريقيا للشؤون الدولية يؤكد وجود تحفظات على محطة الضبعة
الجدل الدائر حول أحقيّة مصر في امتلاك محطات نووية تسمح لها بإنتاج الطاقة لأغراض سلمية، لم يتوقف منذ تمّ الإعلان عن هذا الطموح المصري أول مرّة في ستينات القرن الماضي وإلى غاية اليوم رغم تعطل تنفيذ المشروع.
وفي حين تشكك أصوات عدّة في حسن نوايا القاهرة ملمّحة إلى وجود غايات عسكرية تكمن وراء هذا المشروع، تمضي مصر في سعيها إلى امتلاك مفاعلات نووية تسمح لها بإنهاء أزمتها الطاقية المتفاقمة، وهو ما بدا يتجسد بالفعل بعد إمضاء اتفاقية للغرض مع الجانب الروسي.
ومع أن الشق السياسي والأمني، لا يزال يحتل أهمية كبرى في تحليلات بعض الدوائر الغربية، تجاه مستقبل العلاقة بين مصر وروسيا، غير أن الشق النووي أخذ مساحة مهمة في النقاشات الخفية، لدى بعض الدوائر الإقليمية والدولية. ولذلك ليس من المستغرب أن يظل يثير المشروع ردود أفعال متباينة.
ويعتقد البعض أن هناك غموضا يحيط بالمؤسسات والجهات التي تدير المشروع، حيث انتقد محللون مستقلون غموض هيئة الرقابة النووية والإشعاعية المصرية، التي أُنشئت في عام 2010 لمراقبة جميع المنشآت والأنشطة والممارسات النووية والإشعاعية.
ورغم كونها هيئة مستقلة من الناحية الفنية، وتقدم تقاريرها مباشرة إلى رئيس الوزراء، إلا أن المعلومات العامة قليلة حول هيكلها المؤسسي ومجلس إدارتها وقدرتها العلمية وخبراتها. وفي الواقع، لا يتم الإفصاح عن أموال المؤسسات والأنشطة النووية بشكل عام في مصر، باستثناء هيئة محطات الطاقة النووية، التي تخضع ميزانيتها للرقابة البرلمانية.
