الانكسارات العسكرية الخطيرة التي تتعرض لها قوات السلطة اليمنية المعترف بها “الشرعية” – في مأرب اضطرت السعودية الى إحياء تحالفها مع شريكها الرئيس بالتحالف، (الإمارات) وبثُّ الروحُ فيه من جديد بعد فتور اعترى مفاصل هذا التحالف المتيبسة وشلَّ مِــن فاعليته على المسارين العسكري والسياسي، خصوصاً بعد أن غادرت أبوظبي مُــغاضبة مسرح العمليات العسكرية قبل قرابة عامين جرّاء تصادم سياستها مع الطرف السعودي بشأن التعامل مع حزب الإصلاح” إخوان اليمن” الذي يشكّــل الكتلة المهيمنة على الشرعية والتي يرى الإماراتيون أن دعم التحالف العسكري والمالي والسياسي للحزب (المُــصنّــف إماراتيا -وكذا سعوديا- بأنه إرهابيا عطفاً على تصنفيهما لحركة الإخوان الدولية)، هو دعما يضرُّ بالتحالف ويصيبه بمقتل، كما أنه يسمّـن عضلات شريك هو بالأصل خصما لدودا للبلدين ويجاهر بخصومته وبعلاقته مع معسكر الأعداء الإقليميَــين :” قطر- تركيا، وإلى حدٍ ما إيران” – بحسب التخوفات والادعاءات الإماراتية – قبل أن يكون شريكاً.
فالغارات الجوية المكثفة التي تعرضت لها صنعاء ليلة السبت الأحد، تحمَلُ بصماتِ الطيران العسكري الإماراتي، وتشير بأن ثمّـــة عودة عسكرية إماراتية الى مسرح العمليات وبالذات الجوية، بعد يومين من لقاء جمَعَ قائد القوات المشتركة للتحالف باليمن العميد السعودي مطلق الأزيمع بنائبهِ الإماراتي قائد القوات البرية الإماراتية العميد صالح العامري، المُعيّنُ هو الآخر حديثا.
فبرغم أن هذه العودة العسكرية الإماراتية التي أتت بعد تفاهمات بين الجانبين السعودي والإماراتي لتدارك الأوضاع الخطيرة في مأرب وبعد إقالة قائدَيّ القوات المشتركة السابقين باليمن لم يتم سبر أغوارها بعد، إلّا أننا دون شك سنرى انعكاساتها السياسية على الأرض ،مثلما شاهدنا صورها العسكرية في سماء ليل صنعاء البهيم.
فالسعودية ترى أن الوضع اليمني قد أثقل كاهلها وضاعف من الأعباء المالية والمادية وأضر كثيرا بسمعتها الأخلاقية أمام العالم على وقع التقارير الحقوقية الدولية المزعجة منذ أن تركتها الإمارات وحيدة تواجه مصيرها في رمال اليمن المتحركة العميقة، وباتت أي السعودية اليوم اكثر حاجة للعضد الإماراتي لشد أزرها، وأكثر استعدادا وتقبُّلا للانحناءة أمام ضغوطات وابتزازات هذا الشريك وتمكينه من بعض أو كل مطالبه واشتراطاته السابقة، مما سيعني ذلك بالضرورة أننا أمام إعادة تشكيل التحالف وشركائه المحليين بقالب شراكة جديد، سيكون خصوم الإمارات ومنهم بالتأكيد حزب الإصلاح كباش فداء على مذبح هذه التفاهمات وهذا الشكل الجديد من الشراكة الخليجية باليمن. لا نقول أن هذا يعني الاستغناء الكُــلي عن الحزب ورجمه خلف الشمس، فهو ما يزال القوة الأكثر حضورا على الصُــعد: الجماهيرية والعسكرية والسياسية والاجتماعية والقبيلة -وحتى الدينية- وما يزال التحالف بمسيس الحاجة له بهذا الوقت العصيب الذي يعاني التحالف من قسوته وتعقيداته المتعبة، يصعب عليه أن يشطب الحزب وقواعده ومقاتليه وكوادره من الخارطة أو يتجاوزه الى سواه من القوى، حتى وأن أمعن بأسلوب الحذلقة والتخاذل بوجه التحالف ، ولكن بالمقابل من المؤكد أن شمسه الحزبية والسياسية سيدركها الكسوف بعض الشيء، لمصلحة قوى مناهضة له إقليميا أبرزها دون شك الإمارات، ومحليا يمتثل بـــ:
قوى الجنوب وبالمقام الأول المجلس الانتقالي الجنوبي وغيره من القوى الفاعلة الأخرى المتحالفة مع أبوظبي، وستسهم هذه العودة الإماراتية إيجابا في تخفيف احتقان الوضع العسكري بالجنوب مما سيعطي قوات وحتى الجنوبيون المنضوين تحت راية الجيش الوطني اليمني التقاط الأنفاس تطييب الجراح الغائرة، كما قد تكون هذه العودة عامل ضغط على الأطراف الطرف المُـــعرقل تنفيذ اتفاق الرياض، كما أنه سيمثل عودة لنفوذ إماراتي أكثر تمددا، و في الجنوب بالذات، برغم حالة السخط التي يجابهها من قِبل قوى داخل سلطة الرئيس هادي وحزب الإصلاح في عدة محافظات وبالذات في محافظتَــي: سقطرى وشبوة.
وقوى الشمال ستصب هذه العودة بمصلحة حزب المؤتمر الشعبي العام وسواه من القوى المختلفة التي تحظى بالرضاء والدعم الإماراتيين. فالإشكالية العصية عن الحل في الشمال ما تزال قائمة أمام التحالف، وأعني فشل هذا الأخير بإيجاد قوى سياسية وحزبية وقبَـلية وعسكرية موالية له تكون محل ثقة ويمكن الرهان عليها سياسيا وعسكريا واجتماعيا في قادم الأيام ،وأن تتفوق أو توازي قوى الحركة الحوثية وشريكها المؤتمر الشعبي العام “فرع الداخل” وتحل محلهما في حال أن تم هزيمة هذا المحور عسكريا ودحره من مواقعه – أقلها من صنعاء- وهو الأمر الذي يبدو مستحيلاً من الوجهة العسكرية، على الأقل بالمدى المنظور – أو حتى في حال التوصل الى تسوية سياسية يمنية شاملة. فالشمال ظل منذ بداية الحرب بالنسبة للتحالف عصياً على أي تطويع أو اختراق حقيقي. ونتيجة ذلك ظلت الإمارات وكذا السعودية تتهيبان من أن تصير الأمور هناك الى يد حزب الإصلاح، في كِلا الحالتين: حسما عسكريا أو تسوية سياسية، برغم محاولات إيجاد قوى موالية.
لهذا نرى هذا التحالف يبدو متدليا ومشقلبا رأسا على عقب بين فكيّ أشواك الفخ الذي نُـصبَ له، أو بالأحرى الذي نصبه لنفسه دون أن يعلم، نتيجة لسوء تقديره لحقيقة قاعدة البيانات المعلوماتية الاستخباراتية المغلوطة والمُضلِلِة التي أعتمد عليها في اتخاذ قرار تدخله العسكري باليمن في نهاية آذار مارس2015م، ونتيجة الخلافات التي تفترسه بقسوة يسعى اليوم للإفلات من شباك هذا الفخ ومن أشواكه من خلال إعادة بث روح ثقة التعاون والثقة المفقودة من جديد، وترميم ما صدعته هزات السنين الخوالي.
إذن ما نراه اليوم من مراجعة سعودية وتقييمها لمآلات الحالة المتعثرة كان أمرا متوقع الحدوث، فالرياض أدركتْ أن الاستمرار بالتفرد بمعالجة هكذا أوضاع مريعة ومعقدة لن يفضي إلّا الى مزيدا من الفشل والتورط والكُــلفة الباهظة وانسداد افق التسوية السياسية المنتظرة(ولو أن صحيفة الشرق الأوسط السعودية قالت يوم الأحد أن المبعوث الأممي الى اليمن مارتن غريفيث سيتوجه إلى العاصمة السعودية الرياض هذا الأسبوع للقاء ممثلي الحكومة اليمنية ، وبحث “المسودة الأخيرة” للإعلان المشترك لوقف إطلاق النار الشامل، وبدء المشاورات السياسية لحل النزاع الدائر منذ ست سنوات)، وأن النزول من علو الشجرة التي ارتقت إليها ذات يوم هو القرار الأسلم لها، ورأت أن هذا النزول لن يتأتى إلا بسُــلّــم إماراتي متين، خصوصا أن الإمارات منذ إعلان تطبيعها المثير للجدل مع إسرائيل سيكون لها في قادم الأيام في نظر الرياض شنّــة ورنّــة بالساحة الدولية بعد أن نالت من بوابة التطبيع ودّ ورضاء شُــرطييّ العالم وفتوتَـيهِ : ترامب ونتنياهو- وبينهما يقف حليفهما المشترك مهندس صفقة القرن وعرّاب عملية التطبيع المريبة مع دولة الاحتلال الإسرائيلي” كوشنر” .
الرئيسية / أراء وكتاب / كيف ولماذا عادت الإمارات إلى مسرح العمليات العسكرية باليمن ؟.بقلم: صلاح السقلدي
شاهد أيضاً
تحرير وادي وصحراء حضرموت مطلب حضرمي لا يقبل التأجيل أو التسويف… مقال لـ محمد الشعيبي
المكلا (حضارم اليوم) كتبه: محمد ناصر الشعيبي مطالب أبناء حضرموت والجنوب تحرير وادي وصحراء حضرموت …