الوقائع السياسية التاريخية، خلال القرن العشرين، تقص حكايات إستقلال معظم الدول العربية ودول كثيرة حول العالم، قبل وبعد الحربين العالميتين، ويمكن تسمية القرن العشرين بقرن الإنقلابات السياسية التي ظهرت في الخمسينيات والستينيات وكذلك تحكي الوقائع عن تأسيس جميع الأحزاب والتجمعات السياسية في الوطن العربي، والتي شهد عدد كبير منها الظهور والإستمرار والرسوخ، وتراجع بعضها حتى تلاشى نهائيا.
في القرن الواحد والعشرين، لم تحظ الكيانات السياسية الناشئة بأي حضور، فلم تشهد مثلا حركة استقلال كتالونيا عن إسبانيا، لتقرير مصير الإقليم في اكتوبر 2017 بالقيمة السياسية العالمية اللازمة لحصول الإقليم على الإستقلال، وكذلك الأمر بالنسبة للاكراد في شمال سوريا، حيث يضع أردوغان كل ثقله لمنع الإدارة الذاتية التي يطالب بها الأكراد منذ زمن بعيد، مع أنهم في المرحلة الحالية يوافقون العودة إلى حضن الدولة السورية شريطة دعم الإدارة الذاتية والإعتراف بقضيتهم عالميا.
في المقابل، ومنذ دعوة اللواء عيدروس الزبيدي القوى السياسية في سبتمبر 2016 لتشكيل هيئة سياسية تعيد حلم “جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية” التي انخرطت في وحدة فاشلة مع شمال اليمن في مايو 1990، التف حول هذه الدعوى معظم قيادات وأفراد محافظات جنوب وشرق اليمن، وتكلل ذلك بما يسمى بـ “إعلان عدن التاريخي” في 4 مايو 2017 لإنشاء مجلس سياسي جنوبي، وتشكيل الهيئة الرئاسية لـ “المجلس الانتقالي الجنوبي” برئاسة اللواء عيدروس الزبيدي، وتوج ذلك الإجماع والإستفتاء بفعالية 21 مايو في عدن التي حضرها حوالي مليون شخص من كافة محافظات الجنوب العربي لتأييد المجلس الإنتقالي، وتفويض قيادته تفويضا شاملا لتمثيل الجنوب.
في قراءة لنجاح المجلس الإنتقالي الجنوبي، خلال القرن الواحد والعشرين، للتقدم بخطوات واثقة في مراحل عديدة، في خضم عدد كبير من التحديات أبرزها رفض كل من ميليشيا الحوثي المدعومة من إيران وجماعة الإخوان المسلمين المدعومة من تركيا وقطر لهذا الكيان، ومواجهة هذه التحديات يعود لأسباب كثيرة منها أن هذا المجلس الإنتقالي قد أثبت قولا وفعلا أنه الحليف الموثوق المؤتمن للتحالف العربي، سواء بنجاحاته في دحر الحوثية دون تلكؤ أو مماطلة عن محافظات الجنوب كافة، أو في الإصغاء إلى توجيهات التحالف العربي خلال فترة التفاوض في حوار جدة وصولا إلى إتفاق الرياض، وجلوس ممثلي المجلس الإنتقالي، على طاولة الملوك.
لا شك أن التنظيم الجيد والإطار السياسي المحكم للمجلس الإنتقالي الجنوبي قد ساهم بشكل فعّال في إستمراره وصموده في وجه الإعصار الذي حاول إقتلاعه مرات عديدة كان آخرها التغيير المفاجىء للقوات الإخوانية التي كانت على الجبهات تقاتل الحوثية فانسحبت وحشدت لمقاتلة الجنوب، وكذلك ما يمكن للباحث والمحلل ملاحظته بسهولة من إلتفاف جميع الفئات الجنوبية ودعمها وتأييدها المطلق للمجلس وقيادته والذي ساهم أيضا في استمراريته وتحقيقه النتائج المرجوة، بكل ثبات.
بالطبع، فإن تفهم القيادات السياسية في دول التحالف العربي بقيادة السعودية، والرؤية وبعد النظر الشاملة والدقيقة في هذا الحليف الإستراتيجي، كان له الدور الأبرز الذي مكّن قيادة الجنوبي، مؤخرا، في استقبال ممثلي الهيئات الديبلوماسية والعالمية في رحاب الملوك.