( حضارم اليوم ) متابعات :
شعب أشجع من قيادته
حجم العملية العسكرية التركية الجارية في عمق الأراضي العراقية، وإصرار أنقرة على مواصلتها رغم الرفض العراقي والاحتجاج العربي يؤشّران إلى تجاوز أنقرة للهدف الآني المعلن والمتمثّل في ملاحقة عناصر حزب العمّال الكردستاني، إلى خلق أوضاع ملائمة لتدخّل عسكري تركي دائم في العراق يحاكي ما قامت به تركيا في شمال سوريا وشرقها تحت ذريعة الدفاع عن الأمن القومي داخل أراضي الجيران.
السليمانية (العراق) – تشهد مناطق بإقليم كردستان العراق حالة من الغضب والتململ بسبب تحوّل العملية العسكرية التركية الهادفة، حسب رواية أنقرة، لملاحقة عناصر حزب العمّال الكردستاني في عمق الأراضي العراقية إلى عملية استعراض للقوّة لا يستبعد مراقبون أن تكون مقدّمة لاجتياح برّي يتمّ من خلاله فرض واقع جديد داخل المناطق العراقية المحاذية للأراضي التركية مطابق للواقع الذي فرضته تركيا في شمال وشرق سوريا بذريعة “الحق” في الدفاع عن الأمن القومي داخل أراضي الجيران.
وتظاهر أهالي مدينة السليمانية شرقي إقليم كردستان احتجاجا على عمليتي “مخلب النسر” و”مخلب النمر” التركيتين المتواصلتين منذ الرابع عشر من الشهر الجاري، في وقت تتّجه فيه الاتّهامات صوب قيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة آل البارزاني المهيمنين على أهمّ مفاصل الحكم في الإقليم، بالتواطؤ مع حكومة رجب طيب أردوغان لتسهيل اقتحام القوات التركية للأراضي العراقية وتمكينها من إقامة قواعد عسكرية داخل تلك الأراضي دون علم الحكومة المركزية العراقية.
ومن شأن هذا التواطؤ أن يعصف بعلاقات أربيل ومصالحها الواسعة مع البلدان العربية الممتعضة من تزايد التدخّلات التركية في بلدان الإقليم، وآخرها العراق حيث أدانت كل من الإمارات والسعودية والكويت انتهاك القوات التركية لأراضيه.
وتزايد غضب أهالي السليمانية مع ارتفاع ضحايا القصف التركي لقرى مناطق في إقليم كردستان إلى أربع مدنيين إضافة إلى عدد كبير من المصابين لم يتم تحديده لصعوبة الوصول إلى بعض المناطق المستهدفة بالقصف التركي.
وبالتوازي مع عمليتها العسكرية، بدأت تركيا في اللّعب على وتر الخلافات بين أكراد العراق لإضعاف جبهتهم الداخلية تمهيدا للسيطرة على إقليمهم الذي لم تنفكّ تركيا تنظر إليه من زاوية تطرّفها القومي وعدائها التاريخي لأكراد المنطقة بما في ذلك هؤلاء المنضوين تحت راية الدولة التركية.
تركيا تستغل حالة الضعف التي وصل إليها العراق وتدرك عدم قدرته على أي ردّ فعل عملي على انتهاكاتها
وتخشى أنقرة أن تتحوّل محافظة السليمانية إلى مركز لمعارضة سياستها نيابة عن أكراد سوريا الواقعين تحت ضغط تركي شديد وعن أكراد أربيل الذين تمكّنت حكومة أردوغان من اختراق قيادتهم وتطويعها لخدمة مشاريعها التوسّعية.
واتّهم وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو السليمانية بالوقوع تحت تأثير حزب العمال الكردستاني، متّهما دولا إقليمية بتحويل المحافظة إلى مركز لتمويل الحزب.
وتستثمر أنقرة في انتهاكها لسيادة العراق حالة الضعف الشديد الذي آل إليه البلد بعد 17 سنة من حكم الأحزاب الشيعية التي حوّلت أراضيه إلى ساحة صراع إقليمي ودولي على النفوذ داخله بعد أنّ شرّعت لإيران التدخّل في أدق شؤونه الداخلية والهيمنة على قراره السياسي، بل ضمنت لها حضورا عسكريا بالوكالة عن طريق العشرات من الميليشيات التي تدين بالولاء لطهران.
وعلى هذه الخلفية لم تعر تركيا اهتماما لاحتجاج الحكومة العراقية على العملية العسكرية التركية وواصلت تنفيذها بشكل استعراضي هادف إلى فرض التدخّل في الأراضي العراقية كأمر واقع.
واستدعت الخارجية العراقية السفير التركي في العراق مرتين خلال الأسبوع الجاري، وسلّمته مذكرة احتجاج شديدة اللهجة داعية بلاده إلى “الكف عن مثل هذه الأفعال الاستفزازية”.
وعبرت الوزارة عن استنكارها “بأشد العبارات معاودة القوات التركية انتهاك حرمة البلاد وسيادتها بقصف ومهاجمة أهداف داخل حدودنا الدولية”.
وأكدت رفضها “القاطع لهذه الانتهاكات التي تخالف المواثيق والقوانين الدولية”، مشددة على “ضرورة التزام الجانب التركي بإيقاف القصف وسحب قواته المعتدية من الأراضي العراقية التي توغلت فيها ومن أماكن تواجدها في معسكر بعشيقة وغيرها”.
ورغم شدّة الخطاب الدبلوماسي العراقي، فإن أنقرة تدرك قلّة ما يمتلكه العراق من أوراق لوقف تدخلّها العسكري في أراضيه، كما تدرك تماما المشاكل السياسية والاقتصادية والأمنية الداخلية المعقّدة التي يعيشها والتي تضعف من قدرته على أي ردّ فعل عملي ومؤثّر.
ونشرت وزارة الدفاع التركية، الجمعة، مقطع فيديو وثّق تنفيذ قوات خاصة لعملية اقتحام لمنطقة هفتانين شمالي العراق. وجاء ذلك عن طريق حساب الوزارة في تويتر حيث نشرت أيضا تغريدة أشارت فيها إلى تواصل عملية “مخلب النمر بنجاح”.
وانطلقت العملية المذكورة الأربعاء الماضي لتكون الثانية بعد العملية التي أطلقت عليها تركيا اسم “مخلب النسر” وانطلقت الاثنين الماضي داخل الأجواء والأراضي العراقية.
كذلك زار وزير الدفاع التركي خلوصي أكار مركز إدارة عمليات مخلب النمر على الشريط الحدودي بولاية شرناق مرفوقا برئيس الأركان يشار غولر وقائد القوات البرية أوميت دوندار وقائد القوات الجوية حسن كوجوك آق يوز بالإضافة إلى قائد القوات البحرية عدنان أوزبال.
وترصد الأوساط السياسية والعسكرية العراقية بقلق تحوّل الخطاب التركي من الحديث عن مجرّد عمليات ملاحقة خاطفة لعناصر حزب العمال الكردستاني، إلى التلويح بإقامة قواعد عسكرية على الأراضي العراقية.
وقال مسؤول تركي بارز إنّ بلاده تعتزم إقامة المزيد من القواعد العسكرية المؤقتة في شمال العراق، معتبرا أن هذه الخطوات تصبّ في ضمان أمن الحدود.
ونقلت وكالة رويترز عن المسؤول الذي طلب عدم نشر اسمه القول إنّ خطّة بلاده تتمثّل في إقامة “قواعد مؤقتة في المنطقة لمنع استخدام المناطق المطهرة (من حزب العمّال) للغرض نفسه مرة أخرى”، مضيفا “هناك بالفعل أكثر من عشر قواعد مؤقتة. وستقام قواعد جديدة”.
وتؤكّد مصادر عراقية أنّ الحديث التركي عن “قواعد مؤقتة” هو مجرّد غطاء لوجود عسكري دائم، وتستدلّ على ذلك برفض أنقرة إزالة قاعدتها العسكرية التي أقامتها قبل سنوات في بعشيقة قرب الموصل وترفض بشكل قطعي إزالتها رغم المطالبات العراقية المتكررّة بذلك.