عانت فلسطين من الاحتلال والبطش ما عانته على مدى أكثر من 70 عاماً، والآن تواجه خطراً جديداً مع الخطط الإسرائيلية لضم أراض فلسطينية تجعل إقامة دولة فلسطينية حقيقية شبهَ مستحيل. وبينما تواجه فلسطين هذا التهديد والعالم منشغل بجائحة كورونا والإدارة الأميركية الحالية، باتت مصادقة على ما تقوم به تل أبيب من دون حتى بيان عتب، هناك حاجة ملحة إلى الوقوف عند ما يمكن فعله عملياً لدعم فلسطين ومنع وقوع هذه الكارثة.
هذا يعني النظر إلى الواقع السياسي الحالي، بدلاً من التمنيات. فبقدر ما عانت فلسطين من الاحتلال، عانت من ظلم من استغل قضيتها، ومن المزايدة والمتاجرة التي تستمر على حسابها. فعلى سبيل المثال، وبعد الضربة الموجعة التي تلقاها الحرس الثوري الإيراني بمقتل قائد «فيلق القدس» قاسم سليماني بداية العام، ومع تفاقم الأزمات الداخلية من جراء السياسات الإيرانية والضائقة الاقتصادية في البلاد، تسعى طهران لإظهار نفسها الحامي الأول للقضية الفلسطينية. وقد نشر الحرس الثوري وروَّج لرسومات لا علاقة لها بالواقع والمنطق، تصور قائد «فيلق القدس» سليماني ومعه الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله، وعدد من رجالات طهران في المنطقة مثل زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي وغيره وهم يصلون في القدس المحتلة وأمام المسجد الأقصى. وكما أن هذه الصور هي من نسج الخيال ولا علاقة لها بالواقع، هي أيضاً تنال من مكانة وتضحيات الفلسطينيين، الذين هم يدفعون ثمن الاحتلال، والذين لا يوافقون على قتل العرب والأبرياء باسم «فيلق القدس».
الصور الكارتونية والشعارات الفارغة تستفز الفلسطينيين والعرب المخلصين، بينما تؤجج مشاعر من يشعر بأنه بات لا حيلة ولا قوة له. المطلوب مساهمات ملموسة لمساعدة الفلسطينيين، بغض النظر عن تقبل واقع وجود إسرائيل، على الرغم من مرارته، من عدمه والنظر إلى المستقبل. الحاجة اليوم هي إلى تكاتف جهود من يحرص على فلسطين، وتقديم الدعم لشعبها والتركيز على كيفية منع خسارة المزيد من أراضيها. ومن الضروري أيضاً عدم الانجرار وراء أخبار زائفة أو مغلوطة، مع التدقيق فيما يتم تداوله من قبل إسرائيل، ومن يريد استغلال القضية الفلسطينية لمصلحته.
تحاول إسرائيل أن تسرب أخباراً تفيد بأن هناك دولاً عربية توافقها على سياساتها، وتلمح إلى أنها تتقدم في «التطبيع». في الوقت الذي لا يمكن فيه نفي أن أولويات المنطقة برمتها قد تغيرت، إلا أن القضية الفلسطينية ما زالت تهم الغالبية من العرب ومصير فلسطين ضروري، ليس فقط لأسباب مبدئية وعاطفية، وإنما أيضاً لضمان أي فرص لتهدئة المنطقة واستقرارها.
هناك خطورة في تبسيط الأمور والانخراط في مهاترات تفيد المحتل أولاً، فعلى سبيل المثال، انشغل البعض بأخبار مساعدات دولة الإمارات العربية المتحدة الأخيرة لفلسطين، لكن كالعادة كانت بعض هذه الأخبار من وسائل لا تلتزم بالدقة. فاستجابة لخطة الأمم المتحدة الإنسانية لفلسطين، نسقت دولة الإمارات مباشرة مع مكتب «المنسق الخاص للأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط» نيكولاي ملادنوف لتقديم المساعدات. أرسلت دولة الإمارات 16.2 طن من المستلزمات والمعدات الطبية إلى فلسطين، ولمتطلبات لوجيستية عبر مطار «بن غوريون». ولا شك أن ذلك أثار انتباه الكثيرين، لكن تم ذلك بالتنسيق مع مكتب الأمم المتحدة في فلسطين الذي تسلّم المساعدة لتوزيعها حسب تقييمه للاحتياجات في المناطق الفلسطينية.
ورحب ملادنوف بدعم الإمارات، في تغريدة قائلاً «سنضمن وصول كل شيء إلى الفلسطينيين الأكثر عرضة (للمرض)». بالطبع، من حاول بث الفتنة لم ينقل هذه التفاصيل ولا شكر المنسق الأممي. لكن «التضامن في وقت الحاجة» هو ما تستحقه فلسطين، وقد عبرت دولة الإمارات عن ذلك في الوقت المناسب.
وابتداءً من يوليو (تموز)، تتسلم دولة الإمارات رئاسة اللجنة الاستشارية لوكالة الأونروا، بعد أن كانت من بين أربع دول خليجية حلت الأزمة الاقتصادية للأونروا، والتي هددت وجود الوكالة من أساسها. ويذكر أن الإمارات، التي تعد من أكبر الجهات المانحة للأونروا، قد ساهمت بأكثر من 828.2 مليون دولار أميركي في الفترة من عام 2013 وحتى أبريل (نيسان) 2020، لتمويل مختلف القطاعات في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
تسعى بعض الجهات الإسرائيلية إلى التلميح بأن هناك موافقة ضمنية من قبل بعض الدول العربية للمخططات الإسرائيلية لضم المزيد من الأراض العربية. لكن في الخفاء والعلن هناك إجماع عربي على أن هذه الخطوة ستكون كارثية على المنطقة، وتكون الخطوة الأخيرة لإنهاء حل الدولتين.
وقد عبر الشيخ عبد الله بن زايد، وزير الخارجية والتعاون الدولي الإماراتي، عن «بالغ قلقه ورفضه ما تضمنه برنامج الحكومة الإسرائيلية الجديدة من خطط وإجراءات لضم أراض فلسطينية في الضفة الغربية وفرض السيادة الإسرائيلية عليها». ورفض في بيان نشرته وكالة الأنباء الإماراتية الرسمية في 10 مايو (أيار) الماضي «تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والتي أشار فيها إلى قبول عربي ضمني بهذه الخطوات، معتبراً أنها تجافي الواقع وتنافي حقيقة الموقف العربي؛ فالإجماع العربي معلن وثابت في القرارات الصادرة عن جامعة الدول العربية، وتم التأكيد عليه في الكثير من الاجتماعات الوزارية العربية». وبالطبع، قد عبّرت المملكة العربية السعودية والأردن عن رفضهما أيضاً التصرفات الإسرائيلية، بالإضافة إلى جهود الجامعة العربية بهذا الشأن.
يأتي ذلك بينما تسعى الحكومة الإسرائيلية إلى فرض حلول أحادية الجانب قبل الانتخابات الأميركية في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل والتي قد تنهي حقبة دونالد ترمب، والذي قدم كل ما تريده إسرائيل لها.
وعلى الرغم من أن المنافس الديمقراطي على الرئاسة، جو بايدن، قد أعلن سلفاً عزمه إبقاء السفارة الأميركية في القدس المحتلة، لكن غالبية الديمقراطيين خلف الكواليس لا يريدون ضم المزيد من الأراضي الفلسطينية إلى إسرائيل، ويعلمون أن هذه الخطوة ستجعل من السلام شبه مستحيل.
المطلوب اليوم بناء التحالفات مع أطراف عربية ودولية مؤثرة وعقلانية، للخروج بحلول ملموسة والوقوف بوجه توجهات الحكومة الإسرائيلية الخطيرة قبل فوات الأوان.
المصدر : الشرق الأوسط