كتب / محمد علي رشيد النعماني
مع حلول ذكرى الثلاثين من نوفمبر، اليوم الذي نال فيه الجنوب إستقلاله عن الإستعمار البريطاني عام 1967، تعود إلى الأذهان تلك اللحظة التاريخية التي شكلت نهاية 129 عاماً من الهيمنة الإستعمارية وبداية لعصر جديد من السيادة والحرية. هذا اليوم ليس مجرد مناسبة وطنية، بل محطة لإعادة تقييم الماضي والنظر إلى المستقبل في ظل الظروف الراهنة التي يعيشها الجنوب، حيث تتجدد تطلعات شعبه لإستعادة دولتهم التي فقدوها بعد الوحدة اليمنية في عام 1990. الوحدة التي كانت حلماً قومياً تحولت في نظر الكثير من أبناء الجنوب إلى تجربة مريرة إتسمت بالتهميش والإقصاء، مما دفع الجنوبيين إلى المطالبة بإستعادة دولتهم كحق مشروع لإستعادة هويتهم الوطنية والسياسية .
اليوم، ورغم الزخم الشعبي والسياسي الذي يشهده الجنوب، إلّا أن تحقيق هدف استعادة الدولة يواجه العديد من التحديات المحلية والإقليمية والدولية .
داخلياً، يُعتبر التوافق بين المكونات الجنوبية هو الركيزة الأساسية للنجاح فالمجلس الإنتقالي الجنوبي يحتاج إلى تكثيف جهوده لتوحيد الصف الجنوبي، وجمع كافة القوى الجنوبية دون إستثناء تحت مظلة واحدة تعبر عن تطلعات الشعب وبعيداً عن الخلافات أو النزاعات الداخلية التي قد تعرقل هذا المشروع يجب أن تتبنى القيادة الجنوبية خطاباً جامعاً وشاملاً يضمن مشاركة جميع الأطراف الجنوبية في صياغة رؤية مستقبلية موحدة للدولة المنشودة، مع التركيز على العدالة والشراكة في اتخاذ القرار .
إقليمياً، يحتاج المجلس الإنتقالي إلى تعزيز علاقاته مع دول التحالف العربي، وخاصة السعودية والإمارات، عبر تقديم ضمانات تؤكد أن استعادة الدولة الجنوبية سيحقق الاستقرار الإقليمي ويحافظ على المصالح الإستراتيجية لهذه الدول ومن المهم أن يتحرك الإنتقالي بحذر ومرونة، مع إبراز أن إستعادة الدولة لا تعني تحقيق الإستقرار في جنوب شبه الجزيرة العربية فحسب، بل هي ضرورة لضمان إستقرار المنطقة برمتها. أما دولياً، فعلى المجلس أن يقدم مشروعاً سياسياً واضحاً يُظهر أن الجنوب قادر على إدارة نفسه كدولة مستقلة تحترم القانون الدولي وتضمن حقوق الإنسان، مع الالتزام بمحاربة الإرهاب وتأمين خطوط الملاحة الدولية في البحر العربي وخليج عدن.
ولتحقيق ذلك، يمكن للمجلس الإنتقالي الجنوبي إتباع عدد من الخطوات كتعزيز المؤسسات المدنية في الجنوب وبناء نموذج ناجح للإدارة المحلية يعكس قدرة الجنوبيين على إدارة دولتهم والتركيز على القضايا الإقتصادية وتحسين الظروف المعيشية للمواطنين في الجنوب، لأن النجاح في هذا الجانب سيعزز الثقة الشعبية ويدعم المشروع السياسي لإستعادة الدولة وأخيراً الاستمرار في بناء التحالفات مع القوى الإقليمية والدولية، مع التركيز على الدبلوماسية الفعالة التي تروج للقضية الجنوبية كحل واقعي للأزمة اليمنية.
ذكرى الثلاثين من نوفمبر ليست فقط مناسبة للإحتفاء بالماضي، بل هي فرصة للتأكيد على أن استعادة الدولة الجنوبية تتطلب عملاً متواصلاً ورؤية واضحة تجمع بين الإرادة الشعبية والحكمة السياسية. إن الجنوب الذي إستطاع إنتزاع إستقلاله من أقوى الإمبراطوريات في العالم قادر اليوم على تحقيق تطلعاته شريطة أن يتم العمل بروح الوحدة الوطنية والشراكة لتحقيق حلم الأجيال القادمة .
هذه المناسبة تذكّر الجميع بأن التضحيات التي قدمها أبناء الجنوب في الماضي يجب أن تكون منارة يستلهم منها الحاضر طموحه نحو مستقبل مستقل مشرق ومزدهر .