حضارم اليوم / الاتحاد
في السادس والعشرين من يونيو2003، كان الشاب السعودي، علي عبدالرحمن الفقعسي، وقد بلغ حينها الثلاثين من عمره، في طريقه لتسليم نفسه للأمن السعودي.
«الفقعسي» كان رئيس المجلس العسكري لتنظيم «القاعدة» الذي شن آنذاك حرب تفجيرات في مناطق السعودية، مستهدفاً الأجانب أولاً، ثم المقرات الأمنية، ثم رجال الأمن، فالمنشآت الحكومية، حتى وصل به اليأس مع التضييق عليه، إلى استهداف المواطنين السعوديين!
كان الفقعسي أهم المطلوبين أمنياً، وحسب المتابعين لتاريخ عمليات الإرهاب في السعودية، فهو العقل المدبر لمعظم العمليات، والصلة بين التنظيم في السعودية، وبين زعيمه أسامة بن لادن الذي كان يختبئ حينها. بأحد كهوف تورا بورا بأفغانستان.
بالأمس، استضاف الأستاذ عبدالله المديفر، في برنامجه الحواري اليومي على قناة «روتانا خليجية»، المطلوب الأمني، في مكان احتجازه، بعد أن قضى فيه 16 عاماً من محكوميته التي بلغت 45 عاماً!
بدا واضحاً من شكل «الفقعسي»، تغيره، ولعل النضوج، والتأمل أوصله إلى أن الإسلام لا يمكن أن يأمر بقتل الناس وتفجيرهم، غير أن ما لفتني في المقابلة، أمرين: أولهما: إشارته إلى أن التحريض في تقديم الدين بصورة متشددة وإقصائية هو الذي قاده إلى السجن، ولو كان الإسلام قبل 20 عاماً يقدم بوسطيته كما حرص ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان على أن يقدم ثورة قدمت الإسلام ببساطته وسماحته، لكان «الفقعسي» اليوم في بيته ويعمل في وظيفته.
الأمر اللافت الثاني: وهو ما كان ينكره البعض، هو تأكيد رئيس المجلس العسكري في «القاعدة» بالسعودية، سابقاً، أن كل تيارات العنف والتطرف خرجت من رحم جماعة «الإخوان المسلمين»، واستفادت من تأصيلاتها، فـ«الإخوان» يرددون: سبيلنا الجهاد، وأمنيتنا الشهادة. يضيف «الفقعسي»: الحاكمية وطرحها والإصرار عليها من أين أتى؟ من جماعة «الإخوان»، فهي التي فرخت هذه الجماعات المتطرفة.
والحاكمية، هي مفهوم آخر نظّر له، أبو الأعلى المودودي، مؤسس الجماعة الدينية في باكستان (1903-1979)، إذ قال: «الحاكمية بكل معنى من معانيها لله تعالى وحده، فإنه هو الحاكم الحقيقي في واقع الأمر، ولا يستحق أن يكون الحاكم الأصلي إلا هو وحده». (تدوين الدستور الإسلامي ص18-19). وهي عبارة لا يعترض عليها مسلم، لكن جماعة «الإخوان المسلمين»، خصوصاً سيد قطب، طاروا بها، دون تفصيل، ليستخدموا المفهوم في تكفير الحكومات العربية، ووصف المجتمعات العربية بالجاهلية، كما أسس لذلك محمد قطب في كتابه (جاهلية القرن العشرين)، وإذا كان النبي بعث ليخرج الناس من الجاهلية للإسلام، فطرحهم تكفير واضح للمجتمعات المسلمة.
يقول أيمن الظواهري، زعيم «القاعدة»، وعقلها المدبر، بكتابه: (فرسان تحت راية النبي): «لقد أكد سيد قطب مدى أهمية قضية التوحيد في الإسلام، وأن المعركة بين الإسلام وأعدائه هي في الأصل معركة عقائدية حول قضية التوحيد أو حول لمن يكون الحكم والسلطان، لمنهج الله ولشرعه أم للمناهج الأرضية والمبادئ المادية». وهو يتحدث عن الحاكمية هنا.
وعلى أساس الحاكمية، فاصل «الإخوان» بين المسلمين والدول الإسلامية وبينهم، وهيئوا البيئة، ففرخوا جماعات «الجهاد»، و«القاعدة»، وغيرها، مع أن الخط العسكري في «الإخوان» ارتكب جرائم إرهابية، منها اغتيال وزير الأوقاف المصري الشيخ الذهبي، مثالاً لا حصراً.
نعود لسيد قطب، مفكر «الإخوان»، ومنظرهم إذ يقول في كتابه (معالم في الطريق): «وجود الأمة المسلمة يعتبر قد انقطع منذ قرون كثيرة، فالأمة المسلمة ليست أرضاً كان يعيش فيها الإسلام، وليست قوماً كان أجدادهم في عصر من عصور التاريخ يعيشون بالنظام الإسلامي، إنما الأمة المسلمة جماعة من البشر تنبثق حياتهم وتصوراتهم وأوضاعهم وأنظمتهم وقيمهم وموازينهم كلها من المنهج الإسلامي، وهذه الأمة بهذه المواصفات قد انقطع وجودها منذ انقطاع الحكم بشريعة الله من فوق ظهر الأرض جميعاً. ولا بد من إعادة وجود هذه الأمة لكي يؤدي الإسلام دوره المرتقب في قيادة البشرية مرة أخرى».
ولأن سيد قطب يعتبر الإسلام الحقيقي انقطع عن المسلمين اليوم، وهو ما يبني عليه تنظيم «القاعدة» «وداعش» أفكارهما، قال زعيم «القاعدة» في السعودية، «الفقعسي» أمس: «إن القاعدة والإخوان، متفقون في الأهداف وربما اختلفوا في التكتيك».