المكلا(حضارم اليوم)متابعات
تراجع الاهتمام الأميركي والأوروبي مؤخرا في تحقيق تسوية سياسية في اليمن، في ظل قناعة غربية بدأت تترسخ بعدم استعداد المتمردين الحوثيين لتقديم أي تنازلات على ضوء الوضع الميداني الراهن، وحالة الانقسام التي تعصف بأجنحة السلطة الشرعية في اليمن مع تعثر جهود تنفيذ اتفاق الرياض.
وكانت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن أظهرت رغبة في تحقيق اختراق في الأزمة اليمنية المتفجرة منذ العام 2014، وأوفدت على مدار الأشهر الماضية العديد من المسؤولين للمنطقة لتهيئة الأجواء لعودة المحادثات، كان آخرهم زيارة المبعوث الأميركي لليمن تيموثي ليندركينج إلى العاصمة المؤقتة عدن منذ نحو ثلاثة أسابيع.
ولقي الجهد الأميركي حماسة أوروبية حيث تحرك مسؤولو الاتحاد الأوروبي بدورهم للمساهمة في حلحلة الوضع، ونشط المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن هانس غروندبرغ الذي عقد سلسلة مباحثات مع مكونات محلية وعربية ودولية.
غير أن التحركات الغربية والأممية قوبلت بتعنت حوثي ترجم في اقتحام السفارة الأميركية في صنعاء وإصرار المتمردين على السير قدما في الخيار العسكري، عبر محاولة بسط السيطرة على آخر معاقل الحكومة في شمال اليمن، الأمر الذي أثبط عزيمة واشنطن والمجتمع الدولي.
وأطلق الحوثيون المدعومون من إيران في فبراير الماضي عملية عسكرية ضخمة للسيطرة على محافظة مأرب الغنية بالنفط والغاز، وسجلوا تقدما بارزا على مدار الأشهر الأخيرة حيث استحوذوا على معظم مديريات المحافظة، الأمر الذي دفع بالتحالف العربي بقيادة السعودية إلى إعادة النظر في خططه العسكرية ورفد جبهات القتال في مأرب بالمزيد من المقاتلين.
وتزامن ذلك مع إطلاق قوات موالية للحكومة اليمنية معركة في الساحل الغربي بعد إعادة انتشار سريع ومباغت، حققت من خلالها تلك القوات تقدما لافتا بالسيطرة على مناطق وجبال استراتيجية لاسيما على تخوم تعز.
وأعادت التحويرات الدفاعية من جانب الشرعية والقوى الداعمة لها تصويب الوضع الميداني نسبيا في مأرب الواقعة في وسط اليمن، عبر فرملة تقدم المتمردين نحو وادي مأرب، ومركز المدينة.
ويرى مراقبون أن واشنطن كما الأوروبيين قرروا على ما يبدو التريث في الدفع بخطط السلام قدما إلى حين أن يهدأ غبار المعارك، مع منح المملكة العربية السعودية على ما يبدو ضوءا أخضر للتحرك وشن ضربات على “أهداف معادية” في العاصمة صنعاء، في محاولة للضغط على المتمردين لإجبارهم على التنازل والقبول بفكرة الجلوس على طاولة التفاوض.
وكانت سياسة الرئيس الأميركي المتراخية حيال الحوثيين أثارت انتقاد أعضاء في الكونغرس الأميركي خصوصا بعد اقتحام الميليشيات الحوثية مبنى السفارة الأميركية مؤخرا.
واعتبر النائب الجمهوري دان كرينشو أن اقتحام السفارة الأميركية لايقل عن الاستيلاء على السفارة الأميركية في طهران عام 1979.
وذكّر كرينشو الرئيس بايدن بالهجوم المميت على مبنى القنصلية الأميركية في بنغازي عام 2012، والذي راح ضحيته السفير كريستوفر ستيفنز، وعدد من العاملين الأميركيين. وتساءل النائب الجمهوري عن الدور الأميركي المنتظر في اليمن الذي يشهد حربا طاحنة.
تصاعد الضربات الجوية ضد أهداف للحوثيين في صنعاء لم يكن ليتم دون موافقة غربية وهو رسالة للمتمردين بأنه لا يمكن القبول باستمرار رهانهم على الحل العسكري
وأعلن التحالف العربي في اليمن فجر الثلاثاء عن استهداف “موقع سري” لخبراء الحرس الثوري الإيراني داخل العاصمة صنعاء، التي يسيطر عليها الحوثيون منذ العام 2014.
وأوضح التحالف، في بيان، أنه “دمر موقعا لتجميع وتخزين الصواريخ الباليستية” داخل العاصمة صنعاء، كما “دمر ورشا لتجميع الصواريخ الباليستية” بقاعدة الديلمي، المرتبطة بمطار صنعاء. وأكد التحالف أنه اتخذ إجراءات وقائية لتجنيب المدنيين والمنشآت المدنية الأضرار الجانبية.
وكان التحالف أعلن مساء الأحد عن “استهدافه بضربات جوية منصات إطلاق صواريخ باليستية، ومرافق تجميع طائرات مسيرة للحوثيين في صنعاء”.
وأضاف في بيان أن “هذه المنصات والمرافق مقرها تحت الأرض ومرتبطة بمطار صنعاء الدولي”. وللمرة الأولى يعلن التحالف بأن “مطار صنعاء بات قاعدة عسكرية لخبراء الحرس الثوري (الإيراني) وحزب الله الإرهابي (اللبناني)”.
وهدد التحالف بطريقة غير معهودة، قائلا “سنتخذ إجراءات قانونية لإسقاط الحصانة (عن مطار صنعاء) إذا لزم الأمر لحماية المدنيين”، في إشارة إلى إسقاط حصانة استهداف المطار المدني الأكبر باليمن.
وبدأ التحالف العربي حظر الحركة الملاحية بذلك المطار في التاسع من أغسطس 2016، مع إبقاء الرحلات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة ومنظمات أخرى مثل “أطباء بلا حدود”، واللجنة الدولية للصليب الأحمر، وذلك إثر اتهامه الحوثيين بأنهم يستخدمونه لأغراض عسكرية وتهريب أسلحة ومستشارين.
رهان خاسر
ويرى مراقبون أن تصاعد الضربات الجوية ضد أهداف للحوثيين في صنعاء بما يشمل المطار لم يكن ليتم دون موافقة غربية، وهو رسالة للمتمردين بأنه لا يمكن القبول باستمرار رهانهم على الحل العسكري، الذي سيكون مكلفا بالنسبة إليهم وقد يقودهم إلى خسارة ما تحقق لهم على مدى السنوات الماضية.
ويشير المراقبون إلى أن تراجع الاهتمام الغربي بجلب أطراف النزاع في اليمن إلى طاولة المفاوضات، يرتبط أيضا بتغير الأولويات حيث ينصب التركيز الأميركي والأوروبي الآن على المفاوضات الجارية في فيينا بشأن الملف النووي الإيراني.
وتبدي إدارة بايدن اهتماما كبيرا بالعودة إلى الاتفاق النووي الذي كانت انسحبت منه بشكل أحادي في العام 2018 في عهد الرئيس الجمهوري دونالد ترامب، وفي المقابل ماتزال طهران تماطل الأمر الذي يجعل من الصعب التكهن بنتيجة المحادثات.
ويقول المراقبون إن إنجاز الاتفاق النووي قد يعيد إنعاش التحركات الغربية صوب الملف اليمني، لكن الأمر يحتاج إلى جانب الضغط على الحوثيين، توحيد أجنحة الشرعية المتصارعة، عبر العودة إلى اتفاق الرياض واستكمال إنجاز باقي بنوده المتعثرة لاسيما على مستوى توحيد المؤسسة العسكرية.
ويرى متابعون للشأن اليمني أن المشكلة في هذا البلد تبدو متشعبة بشكل كبير في ظل كثرة المتدخلين الإقليميين وتضارب مصالحهم، فإلى جانب إيران الحليف الثابت للحوثيين هناك قطر التي تسعى من خلال حزب الإصلاح الإخواني الممثل في السلطة لفرض حضورها، وهذا أمر يخلق أزمات في أكثر من منطقة ومحافظة يمنية على غرار ما يحصل اليوم من توترات في شبوة وتعز.