المكلا ( حضارم اليوم ) العرب
يتحرك الأميركيون تجاه السعودية في منطقة رمادية، فمن ناحية هم يظهرون تفهما لموقفها في اليمن، ومن ناحية ثانية يدفعون نحو حل سياسي لا يراعي مصالحها ولا أمنها القومي، وهذا ما يفسر إصرار مسؤولين أميركيين بارزين على التأكيد أنهم يقفون مع السعودية ضد هجمات الحوثيين المرتبطين بإيران، لكن الأمر لا يتجاوز مجرد التصريحات.
يأتي هذا في وقت تدعو فيه أصوات داخل الولايات المتحدة إلى تبني مقاربة مختلفة لحل النزاع في اليمن تقوم على الاعتراف بسيطرة الحوثيين في الشمال كأمر واقع، وأن على السعوديين التعامل مع هذا الواقع من أجل تسهيل التسوية في اليمن.
وقالت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) إن وزير الدفاع لويد أوستن تحدث إلى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الأربعاء وأكد له التزام الولايات المتحدة بمساعدة المملكة في الدفاع عن أراضيها وشعبها.
وذكر المتحدث باسم البنتاغون جون كيربي في بيان أن أوستن والأمير محمد بن سلمان بحثا الأمن الإقليمي لاسيما الجهود الرامية إلى إنهاء الحرب في اليمن و”الجهود الثنائية الجارية لتحسين الدفاعات السعودية”.
وكتبت مجلة “فورين بوليسي” واسعة الانتشار في أوساط صنع القرار الأميركي أن الحوثيين ربحوا الحرب ولهذا لا يمكن فرض الشروط عليهم، وأن التنازلات يجب أن تأتي من السعودية، وأن عهد الدعم المطلق في زمن الرئيس السابق دونالد ترامب قد انتهى.
ويرى متابعون لمسار حرب اليمن أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن واقعة تحت تأثير لوبيات موالية لإيران تروّج لفكرة أن الحوثيين قد انتصروا، وأن على واشنطن أن تتعامل معهم كحقيقة ثابتة على الأرض، وأن تتحمل تشددهم في رفض مفاوضات السلام بزعم أن من حق المنتصر أن يحقق أكثر ما يمكن من مطالبه.
ويعتبر الحوثيون أنهم لم يتمكنوا من السيطرة على معظم شمال البلاد فقط بل ورثوا بقايا ما تركه الرئيس الراحل علي عبدالله صالح بعد أن قتلوه، وأنهم القوة الطاغية بلا منازع في مناطقهم، فضلا عن امتلاكهم مصدر دعم قوي هو إيران التي تخفي وقوفها وراءهم وتمكينهم من أسلحة قادرة على تغيير المعادلة على الأرض مثل صواريخ كروز والمسيرات.
ويسعى المتمردون لإقناع الأميركيين بأن قرار مجلس الأمن 2216 الذي يطلب منهم التراجع عن مكاسبهم على الأرض لا يعكس الواقع الآن على الأرض، في حين يجادل الأميركيون بأن القبول بالقرار يعني تبني شقه السياسي الذي يشير إلى إعادة الحياة لعملية انتقال برعاية الأمم المتحدة
ويقول المتابعون إن واشنطن لا تريد أن تنساق وراء تفاصيل الحرب وأسبابها ومن هو على حق، وأن ما يهمها هو وضع ترتيبات تحافظ على توازن القوى الحالي بالرغم من أنه يغضب السعوديين الذين تعاملوا مع الحرب خلال السنوات الماضية بحذر شديد لمنع أي اصطدام مع واشنطن وفوتوا على أنفسهم فرصة الحسم العسكري بقوة السلاح في ظل انتقادات غربية متعددة ضد أدائهم، فيما اختفى بشكل شبه كامل النقد الموجه لأداء المتمردين خاصة في مسألة استهداف المدنيين.
وتسعى واشنطن إلى إقناع السعوديين بفكرة التعامل مع مكاسب الحوثيين كأمر واقع، وهي تغطي على ذلك بتصريحات فضفاضة تظهر تفهما لأمن المملكة وحقها في التصدي للهجمات التي تستهدفها، مثلما جاء في التصريحات المنقولة عن وزير الدفاع الأميركي.
وتعتقد أوساط خليجية أن اتصالات الأميركيين بالمسؤولين السعوديين رفع عتب، وهو أسلوب مناور تعتمده إدارة الرئيس بايدن لرفع الحرج عن نفسها تجاه شركات السلاح الأميركية التي تمتلك مصالح كبيرة في المملكة، أكثر من كونها تعاطفا مع حليف إستراتيجي.
وتشير هذه الأوساط إلى أن لا شيء قد تغير في سياسات إدارة بايدن منذ قرارها وقف بيع “الأسلحة الهجومية” إلى الرياض، والضغط لدفع السعوديين إلى القبول بحل سياسي للملف اليمني في أقرب وقت دون مراعاة مصالح الرياض وأمنها الإقليمي، وخاصة دون أي خطوة عملية للضغط على الحوثيين ومن ورائهم إيران.
وتساءل مصدر سياسي سعودي عما إذا كانت واشنطن تريد من السعودية أن تظل مهمتها الوحيدة هي انتظار الصواريخ والمسيرات الحوثية لتفجيرها في الهواء قبل أن تصيب مواقع حساسة في البلاد.
وقال المصدر في تصريح لـ”العرب” مفضلا عدم ذكر اسمه إن “أي دولة في العالم لن تقبل بالاستمرار على هذه الحال”، وتوقّع أن تمر السعودية بعد وقت ليس ببعيد إلى توجيه ضربات نوعية لمخازن الأسلحة الإيرانية في اليمن، وأن ما يعيقها عن ذلك هو إعطاء الفرصة لجهود المبعوث الأميركي إلى اليمن تيم ليندركينغ وإقامة الحجة على أن المتمردين لا يريدون سوى الحرب.
ولم يلتفت الحوثيون إلى تهديدات المبعوث الأميركي بشأن وقف العمليات الحربية خاصة في مأرب، وهم يستثمرون رخاوة موقف واشنطن لتحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب العسكرية على الأرض على أكثر من جبهة، أهمها الاستمرار في إطلاق الصواريخ والمسيرات على مواقع سعودية بشكل يومي وعلى مرأى ومسمع من المسؤولين الأميركيين، ما يجعل وعودهم للسعودية حبرا على ورق.
وقال كيربي إن أوستن “أشار إلى النجاحات التي حققتها السعودية مؤخرا في التصدي لهجمات الحوثيين على المملكة” ووجه الشكر لولي العهد على التعاون مع المبعوث الأميركي لإنهاء الحرب في اليمن.
وسبق أن عبرت وزارة الخارجية الأميركية عن الانزعاج من مواصلة الحوثيين هجماتهم ضد المنشآت المدنية في السعودية، وحثتهم على “وقفها فورا”، و”الامتناع عن القيام بأعمال عسكرية جديدة داخل اليمن، والتي بدورها لا تؤدي إلا إلى المزيد من معاناة الشعب اليمني”.
وفي الشهر الماضي، انتقد ليندركينغ الحوثيين على عدم مشاركتهم بجدية في الجهود المتوقفة حاليا والتي استهدفت التوصل إلى وقف لإطلاق النار، كما حث التحالف على رفع القيود المفروضة على جميع الموانئ والمطارات اليمنية.
ويرى مراقبون أن لا أحد يصدق التهديدات الأميركية تجاه الحوثيين بمن في ذلك المسؤولون السعوديون الذين يراهنون على إمكانياتهم الذاتية من أجل التوصل إلى حل يراعي أمن بلادهم القومي، وهو ما يعطي دفعا لتوجه المملكة نحو خيار تنويع الشركاء على قاعدة المصالح المتبادلة مع مختلف الدول.
ويشير هؤلاء المراقبون إلى أن في وقف تزويد السعوديين بالأسلحة، التي يحتاجونها في اليمن بزعم أنها هجومية، تأكيدا على أن واشنطن لا تنظر إلى مصالح حلفائها إلا في ارتباطها بما تحققه هي من مكاسب مباشرة وآنية، لافتين إلى أن السعودية تدافع عن نفسها في اليمن وتحمي أمنها القومي كما تحمي مصالح الأميركيين أنفسهم، وأي أسلحة تحصل عليها تندرج في إطار الدفاع عن النفس.
كما أن التفريق بين الأسلحة الدفاعية لا معنى له في الحروب سوى أنه ورقة ضغط غير مدروسة، وكثيرا ما تحتاج الدول في الدفاع عن أمنها إلى مهاجمة خصومها وأعدائها في مواقعهم، وهو ما تقوم به الولايات المتّحدة نفسها التي تدافع عن مصالحها في مناطق بعيدة جدّا عن مجالها الجغرافي، وتصنّف ما تقوم به في تلك المناطق أعمالا دفاعية.
وهذه حقيقة وقف عليها فرانك ماكينزي، القائد الأعلى للقوات الأميركية في منطقة الشرق الأوسط، خلال زيارته الأخيرة للرياض حين قال إنه اكتشف أن القادة السعوديين قلقون للغاية بشأن المراجعة الجارية للوضع العسكري الأميركي، حيث تتعرض المملكة لقصف شبه يومي من المتمردين الحوثيين بمجموعة متنوعة من الصواريخ الباليستية وصواريخ كروز والطائرات المسيرة.
ويعتقد مراقبون أن القلق سيمتد إلى دوائر الضغط التي تقف وراء شركات السلاح التي لن ترضى بمنعها من السوق السعودية، وربما يتوسع الأمر إلى السوق الخليجية ككل، ما يجعلها تنصرف إلى مصنعين من بلدان أخرى بحثا عن تلبية حاجيات بلدانها الدفاعية.