الرئيسية / أراء وكتاب / مواجهة التهديدات الكبرى بقلم: عبدالله السيد الهاشمي

مواجهة التهديدات الكبرى بقلم: عبدالله السيد الهاشمي

خلال ثلاث مراحل زمنية متقاربة، بدأت بأفول الإمبراطورية العثمانية في الفترة بين 1828 ولغاية 1908، ثم الحرب العالمية الأولى، وسقوط الدولة العثمانية واستقلال معظم الدول العربية، ثم الدخول في المواجهة المباشرة في حربي عام 1948 و1967 مع «إسرائيل»، ثم تحول معظم الدول العربية إلى دول وطنية قومية، وانطلاق مسيرات التقدم بسرعات مختلفة في دول الخليج العربي، وسرعة أقل بكثير في باقي الدول العربية، لم تواجه الأمة، خلال تلك المراحل تهديدات عميقة، تنخر في مفاصلها، مثل تهديد الجماعات الإرهابية، وعلى رأسها جماعة «الإخوان المسلمين» وتنظيمات إرهابية أخرى مثل «القاعدة» و«داعش»، وغيرها من حركات الإسلام السياسي المتشدد.

لا يمكننا القول إن الدول العربية، تمكنت من مواجهة التهديد الأول خلال مرحلة أفول الدولة العثمانية، فانسحاب الأخيرة البطيء ثم السقوط المفاجئ على إيقاع الحرب العالمية الأولى، لم يُمَكّن المجتمعات العربية من التخلص الكلي من سياسات المستعمر العثماني، كالسرقة والتجهيل ونشر الأمية والتقسيم الديموغرافي، وهدم المدن وقتل القيادات وإسقاط الدولة السعودية الأولى، واتهام كل من يقاومهم، بالتآمر مع الغرب. وخلال المرحلة الثانية، نجح العرب إلى حد بعيد وفاعل في التخلص من الاستعمار الأجنبي، والسعي للاستقلال، بالجهود الوطنية لكل دولة، أما مواجهة التهديد القومي الثالث، بعد احتلال فلسطين، فهي مستمرة؛ حيث يراوح بين التعنت «الإسرائيلي» ومبادرات السلام العربية، بشرط عودة الحقوق الفلسطينية وحل الدولتين على حدود عام 1967.

في نظرة واسعة موضوعية ليست متحيزة، ولا تتضمن جلد الذات، نستطيع القول إن كثيراً من الدول العربية، تمكنت من لجم التهديدات التي كانت تواجهها، فقيام الدولة الوطنية وإنشاء الأمم المتحدة، وجامعة الدول العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي، خلال القرن العشرين أسهم إلى حد بعيد، في منح كل دولة هويتها الوطنية القومية، ما أتاح لمعظم الدول العربية الانخراط في المجتمع الدولي، وإعادة صياغة العلاقات الدولية، بما يحفظ الأمن والاستقرار، وتجنب الصراع والمواجهات وخفض درجة التهديدات الخارجية، وقد يكون ذلك السبب الرئيسي، الذي دفع بإيران وتركيا، على المستوى الاستراتيجي، لخلق حالة من التهديدات التي تحولت إلى وقائع حروب ومعارك انتهت باحتلال إيران الضمني لأربع عواصم عربية، واحتلال تركيا لشمال سوريا ومحاولة استرجاع الحلم العثماني في ليبيا.

تستند إيران وتركيا في بلوغ هذه المساحات من العمق العربي بسبب التهديد الأكبر والأخطر، وهي الجماعات الإرهابية التي تغلغلت في المجتمعات العربية ولم يتم استئصالها لغاية الآن، فالحوثية والإصلاح في اليمن، و«حزب الله» في لبنان، و«النهضة» في تونس، و«الوفاق» في ليبيا، و«الحشد» في العراق، و«الإخوان» في مصر، و«حماس» في فلسطين، وغيرها، أصبحت جميعاً الذراع التي تستعملها إيران وتركيا لتهديد الدول العربية، مع أن هوية هذه الذراع، كما هو معلوم، هي هوية عربية، لكنها ذات ولاء أعمى لإيران وتركيا.

مواجهة التهديد الأكبر، ليست حرباً مفتوحة مع تركيا وإيران؛ بل بتعزيز الهوية الوطنية في كل دولة عربية، والالتفاف حول القيادة بتخليص هذه الجماعات من ولائها لدول أخرى، بالتفاهم والتفاوض، أو بتصنيف هذه الجماعات، التي لم يُصنف منها بعد، كمنظمات إرهابية، وحظر الانتساب إليها، أما مواجهة التهديدات الخارجية، فتترك للقيادات السياسية التي تقيم التحالفات الاستراتيجية كالتحالف العربي في اليمن ودعم مصر في مواجهة النوايا التركية نحو ليبيا والرباعي العربي (السعودية والإمارات والبحرين ومصر) في مواجهة الإرهاب وتجفيف منابعه ومصادر تمويله.

بسبب سياسات التجهيل، خلال مرحلة أفول الدولة العثمانية، لم تتمكن المجتمعات العربية من مواجهة التهديدات التي كانت تحيق بها، أما اليوم، وبفضل التوجيه والوعي، فإن على المجتمعات العربية مسؤولية مضاعفة في مواجهة تهديد الجماعات المتشددة ومحاصرتها، وكذلك تنقية الهوية الوطنية بالولاء لله والوطن والقيادة فقط.

شارك الخبر

شاهد أيضاً

المرحلة مرحلة الصمود وإثبات الذات… مقال لـ حنان الضالعي

المكلا (حضارم اليوم) كتبته: حنان الضالعي ( على كل الجنوبيين رص الصفوف وتوحيد الكلمة ورفع …