كانت العقلية السياسية لمعمر القذافي قائمة على الاستثمار في حالة العداء مع السعودية، ففي أحد حلقات «صحيفة الشرق الأوسط»، نشرت وثائق حصلت عليها من «وحدة المعلومات السرية» التي كانت تتبع العقيد الراحل معمر القذافي، وتظهر الوثائق محاولة القذافي الحثيثة لزعزعة أمن واستقرار المملكة العربية السعودية، عن طريق الاستعانة بحركات إسلامية متشددة وفصائل يمنية مسلحة، من بينها جماعة الحوثيين، كما عمل على وضع خطة لتجنيد آلاف المرتزقة والإرهابيين للتسلل عبر حدود السعودية.
لاشك أنّ هذه المخططات من قبل مخابرات القذافي فشلت، واصطدمت بقوة السياسة السعودية القادرة على إرباك المخططات العدائية، أيّا كان من يقف خلفها، والعمل على إفشالها، ولكن ما يهمنا هنا هو، أنّ مؤامرات القذافي لاستهداف السعودية لم تكن تتوقّف على التعاون مع المرتزقة والجماعات المسلحة في اليمن، بل ذهبت إلى ما هو أبعد من ذلك، حيث فتحت شهية بعض الدول لأن تتعاون مع ليبيا ضد السعودية معتقدة، في سوء تقدير، أنّ هذه المخططات الليبية قد تنجح في استهداف السعودية، فأرادت أن تجد لها منفذاً عبر البوابة الليبية لتنفيذ مخططاتها العدائيّة ضدّ المملكة.
وبالتالي شاهدنا التسجيلات المسرّبة بين النظام الليبي والنظام القطري، الذي كان قد رفع سقف الطموح القطري بأن تنجح المخططات الليبية في العمل على تقسيم السعودية، وبالتالي نجد أنّ هذه التسجيلات التي تورّط فيها حمد بن خليفة، والد أمير قطر، وذراعه حمد بن جاسم فيها، كيف أنّها كانت تكشف الحاسة القطرية في الإضرار بالسعودية وتعوّل على نجاح المخططات الليبية، حيث أنّ حمد بن خليفه في أحد هذه التسجيلات، كان يجزم بأن لن تكون هناك ما بعد 12 سنة عائلة اسمها (آل سعود)، وهو بالتالي يكشف حالة الحقد والكراهية القطرية تجاه العائلة الحاكمة في السعودية، وبلا شك تحلّ معها التسجيلات (غباء التقدير السياسي القطري والليبي)، تجاه القوة السياسية السعودية، وقوّة الجبهة الداخلية السعودية، وقوة ومتانة الوحدة الوطنية السعودية.
لا نبالغ إن قلنا، إنّ العقيد الليبي معمر القذافي يعتبر “الصندوق الأسود” للمؤامرات التي تستهدف المملكة العربية السعودية، لأنّه يبدو أنّ هناك (دولاً وأشخاصاً) كانت تبني تقديراتها على حالة من (الغباء السياسي)، وكانت تحاول التعويل على العداء من قبل القذافي تجاه السعودية في أن ينجح في النيل من المملكة العربية السعودية، وبالتالي يحقّق أهدافها ومخططاتها العدائية تجاه المملكة، ولم تكن قطر وحدها هي من سقط في وحل مخططات القذافي، وانجرفت خلف تقديراتها السياسية الخدّاعة، فقد كشفت الفترة الأخيرة عن تورّط شخص وزير الدولة العماني للشؤون الخارجية، يوسف بن علوي، في الانجراف خلف وحل مخططات القذافي، ليؤكّد أنّ عقليته السياسية لا تختلف عن عقلية النظام القطري.
لم يكن بالأمر المستغرب هذا التورّط من قبل وزير الدولة العماني للشؤون الخارجية، يوسف بن علوي، في التآمر ضد المملكة، فعند النظر إلى توجّهاته السياسية، نجد أنّها قائمة على إحداث عزلة مابين سلطنة عمان والمحيط العربي بشكل عام، وكسر الحيادية الإيجابية لسلطنة عمان، المتعارف عليها تاريخياً، واستبدالها بحيادية سلبية تكون منحازة بشكل رئيسي تجاه إيران.
فقد عبث يوسف بن علوي بأهمية وثقل سلطنة عمان وقادها نحو “الانحسار”، بعد أن تخلّت عن حياديتها الإيجابية التي جعلت منها محلّ اهتمام، وركيزة أساسية في تحقيق الاستقرار في المنطقة، وهو ما أوقع السياسة الخارجية لسلطنة عمان في مستنقع التناقضات في تعاطيها مع ملفات المنطقة، وبخاصة الملف اليمني، فبينما تدّعي سلطنة عمان الحياد، نجد أنّها أصبحت رهينة للتوجهات الإيرانية والقطرية الهادفة إلى ضرب التحالف العربي، عبر الاستمرارية بتهريب السلاح عبر أراضيها إلى الحوثيين، وبالتالي فقدت سلطنة عمان أهميتها كدولة “حيادية”.
لاشك أنّ سلطنة عمان تعيش في عهد السلطان هيثم بن طارق مرحلة جديدة، ولاشك أنّه سيكون لها تأثير كبير على سياستها الخارجية، ونظرتها السياسية تجاه العديد من الملفات، وبالتالي فهذه المرحلة تتطلّب أن يكون يوسف بن علوي “لا مكان له فيها” حتّى يتسنّى للسلطنة أن تعيد تقديراتها السياسية وفق مايخدم إعادتها إلى مكانتها السابقة، دولة محايدة بشكل إيجابي، وليس بشكل سلبي، واستعادة دورها وثقلها على الصعيد الإقليمي.
ليفانت_خالد الزعتر / كاتب ومحلل سياسي (مؤلف كتاب إيران الخميني، شرطي الغرب) وكتاب (الدويلات العربية ودولة إسرائيل الكبرى) وكتاب (التنظيم القطري، التراكمات التاريخية وعقدة المساحة والبحث عن الزعامة)