كتب/ محمد علي رشيد النعماني
مع تصاعد الصراع الإقليمي والدولي حول اليمن، يبرز دور اللاعبين الإقليميين كعامل مؤثر في تحديد مسار الأزمة اليمنية. ومؤخراً، ظهرت مخاوف من محاولات تركية، بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان ومنظومة الإخوان المسلمين، للتدخل في الشأن اليمني وسحب الملف من يد التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات.
هذه التحركات تأتي في سياق سياسة تركية طموحة تهدف إلى تعزيز نفوذ أنقرة في المنطقة وتقديم نفسها كوسيط قوي قادر على مواجهة التحديات الإقليمية، وخاصة النفوذ الإيراني. يمكن تفسير الاهتمام التركي المحتمل باليمن بعدة عوامل استراتيجية: أولاً، تسعى تركيا إلى تعزيز صورتها أمام الغرب، خاصة الولايات المتحدة وإسرائيل، بأنها الحامي للمصالح الغربية في المنطقة، بما في ذلك أمن إسرائيل، عبر مواجهة النفوذ الإيراني المتصاعد.
ثانياً، يشكل موقع اليمن على مضيق باب المندب أهمية حيوية للتجارة العالمية، وقد تسعى تركيا للسيطرة على هذا الممر لتعزيز نفوذها البحري. ثالثاً، تركيا ستعتمد على دعم تيارات الإخوان المسلمين في اليمن كأداة لبسط نفوذها، مشابهة لما فعلته في سوريا وليبيا.
قد يكون لدى تركيا خطة جاهزة لليمن تشبه تلك التي اعتمدتها في سوريا، حيث استغلت الصراع هناك لتعزيز حضورها العسكري والسياسي عبر دعم أطراف محددة وتحقيق مكاسب على الأرض.
ومع تشابه بعض معطيات الصراعين اليمني والسوري، فإن هذه الفرضية تثير قلق الأطراف الفاعلة في المشهد اليمني، وخاصة التحالف العربي والمجلس الانتقالي الجنوبي. في ظل هذه المخاوف، يُطرح سؤال حول كيفية مواجهة التدخل التركي المحتمل، خاصة بالنسبة للمجلس الانتقالي الجنوبي الذي يسعى إلى تعزيز سيطرته على الجنوب وتحقيق تطلعاته لاستعادة دولة الجنوب.
يمكن تلخيص التحديات والخطوات المطلوبة في تعزيز السيطرة الميدانية، حيث يجب على الانتقالي الجنوبي الإسراع في استكمال سيطرته على ما تبقى من الأراضي الجنوبية وطرد القوات التابعة للمنطقة العسكرية الأولى، التي تُعتبر عقبة أمام استقرار الجنوب.
كما يحتاج الانتقالي إلى تكثيف جهوده الدبلوماسية لإقناع المجتمع الدولي بعدالة قضيته، وطرح نفسه كعامل استقرار في المنطقة. علاوة على ذلك، يتطلب الأمر بناء استراتيجية لمواجهة أي دعم تركي محتمل لأطراف معادية لمشروع الجنوب، سواء عبر أدوات إعلامية أو سياسية أو عسكرية.
أي تدخل تركي في اليمن قد يزيد من تعقيد المشهد السياسي والعسكري، إذ قد يؤدي إلى إطالة أمد الصراع، حيث دخول تركيا كطرف جديد سيضيف بُعداً إقليمياً جديداً للصراع، مما سيؤدي إلى تصعيد المواجهات على الأرض. كما قد يساهم التدخل في تعميق الانقسامات الداخلية، حيث إن دعم تركيا لفصائل معينة قد يُحدث خللاً في التوازنات المحلية ويزيد من التوترات بين الشمال والجنوب.
بالإضافة إلى ذلك، قد يؤدي تدخل تركيا إلى مفاقمة الأزمات الإنسانية، حيث إن استمرار الصراع بدخول أطراف جديدة سيضاعف من معاناة الشعب اليمني، الذي يعيش بالفعل في واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية عالمياً .
في النهاية، يشكل التدخل التركي المحتمل في اليمن تحدياً جديدًا للتحالف العربي والقوى المحلية في الجنوب. في ظل هذه التحديات، يُصبح من الضروري على المجلس الانتقالي الجنوبي وضع خطة واضحة لتعزيز نفوذه الميداني والسياسي، بالتوازي مع بناء تحالفات دولية وإقليمية قادرة على مواجهة أي تحركات تهدد استقرار المنطقة.
إن اليمن، بساحاته المتشابكة وأبعاده الإقليمية والدولية سيظل محوراً رئيسياً في رسم خرائط النفوذ في الشرق الأوسط. ومن هنا، يبقى اليقظة والتحرك الاستباقي هما المفتاح لمواجهة أي تهديدات قادمة .