كتب/ عيدروس نصر
قبل مواصلة الحديث عن قضية تنوع البدائل وتعدد الخطط، ومخاطر التمسك بالبديل الواحد والخطة الواحدة، وهو ما أسمينها بمعضلة “الخط المستقيم” أود الإشارة إلى أن هذا المفهوم، لا يتعلق بالهدف الذي لا جدال حوله، فالهدف الذي نتحدث عنه هنا والمتمثل باستعادة الدولة الجنوبية بحدود 21/ مايو/ 1990م قد رسمته دماء وأرواح الشهداء الجنوبيين منذ صالح أبوبكر بن حسينون وحسين الطفي وسالم درعة وناجي محسن وصالح السيلي وغيرهم الآلاف من شهداء معركة الدفاع عن عدن، حتى علي الصمدي وعلي ناصر هادي وجعفر محمد سعد وأبو اليمامة وسعيد تاجرة القميشي وصالح الفلاحي وأحمد سيف اليافعي وثابت مثنى جواس ومن قبلهم ومن بعدهم الآلاف ممن رسموا خريطة الحل بدمائهم وأرواحهم.
نحن نتحدث هنا عن الوسائل فقط والوسائل دائما وأبدا قابلة للتغيير والتبديل والتعديل تبعاً لنوع المهمات وظروف الزمان والمكان، وتبعاً لطبيعة المعطيات القائمة على الأرض وللظروف الداخلية والخارجية، أما الأهداف فلا حديث فيها بعد أن قررها الشعب الجنوبي منذ ما يزيد على عقدين، تمسكاً بما كان قد أعلنه يوم 21 مايو 1994م.
وبالرجوع إلى قضية الوسائل المتعددة، والخطط البديلة نعود إلى التذكير بأن التمسك بالخيار الواحد وانتظار الحل من خلال هذا الخيار (الوحيد الأوحد) إنما يمثل قبولاً مسبقاً بالهزيمة مع سبق الإصرار، خصوصاً بعد أن يكون هذا الخيار قد مرَّ بفترة اختبار كافية أثبتت عدم جدواه وبرهنت أن الخيار الوحيد قد يتحول إلى وبال على شعبنا الجنوبي وأبنائه.
نحن لا نقصد هنا خيار بعينه، لكننا نتحدث في العموم عن عدم تعدد الخيارات والبدائل، والاكتفاء بأحدها دون التفكير بتغيير هذا الخيار أو أرفاقه بأكثر من خيار.
لقد تحمس الجنوبيون لاتفاق الرياض لسببين رئيسيين: الأول ويتمثل بتوقيف الحرب على الجنوب وصيانة الدماء والأرواح الجنوبية التي أراد لها مهندسو الحروب أن يطحن بعضها بعضاً ليحصدوا هم ثمرة هذا التطاحن، والثاني وعد الطرف الآخر (الشرعي حينها) بحل أزمة الخدمات ودفع المرتبات وإعادة الأوضاع في عدن إلى حالتها الطبيعية كما كانت قبل “غزوة خيبر” الشهيرة، ولقد توقفت الحرب حقاً وكان ينبغي أن تتوقف حتى بدون اتفاق لأن الصمود الذي أبداه الشعب الجنوبي قد برهن أنه من المستحيل كسر الإرادة الفولاذية التي هزمت أقوى جيش وأشرس مليشيا في التاريخ اليمني، لكن ماذا أصبح مصير الخدمات والمرتبات؟ لقد ازدادت أزمة الخدمات سوءًا وتوقفت المرتبات، وحينما يدفع مرفقٌ من المرافق مرتباً لأحد الأشهر يتحول الموضوع إلى خبر عاجل يتصدر عناوين الصحف والمواقع الإلكترونية كالأخبار الاستثنائية مثل غزو كوكب جديد في الفضاء أو إنتاج صاروخ نووي جديد أو ابتكارٍ علمي يقلب مسار التاريخ البشري وليس كخبر يتعلق بواجب روتيني تأخر عن موعوده عشرات الأشهر ويفترض على المقصر فيه أن يكون عرضةً للمحاسبة.
وهكذا فإن الأشقاء الشماليين (والحديث هنا عن النخبة السياسية الشمالية المهيمنة على الحكم)، سواءٌ وهم في لحظات الضَعْف أو مواسم القوة لم يكفوا قط عن االتشبث بسياسة البدائل والخطط المتعددة، وقول الشيء وفعل عكسه تاماً، ولن أتعرض لما جرى مع وثيقة العهد والاتفاق (عمّان فبراير 1994م) فقد سبقت الإشارة إليها، لكن علينا أن نتذكر أن الإعلام الشمالي الذي يقول القائمون عليه أنه داعمٌ للشرعية لم يكف عن لعن الجماعة الحوثية منذ خطفها للدولة واحتجازها لرئيس الجمهورية وكل أعضاء حكومته صبيحة 21 سبتمبر،(مع التغيير الذي شهده هذا الإعلام في الحملة العدائية تجاه الجنوب والإمارات العربية المتحدة بالذات بعد إعلان المجلس الانتقالي الجنوبي) لكن الواقع العملي كان يقول أنهم لا يحاربون الحوثيين ولا يمانعون من وجودهم بعد أن وقَّعوا معهم اتفاق السلم والشراكة وسلموهم العاصمة والمحافظات الشمالية بلا أية مقاومة تذكر، بل وأكملوها في العام 2019م بأن سلموا هذه الجماعة المحافظات والمديريات الاستراتيجية التي كان يسيطر عليها “الجيش الوطني” في كل من محافظة صنعاء، وفرضة نهم الاستراتيجية ومديريات محافظة البيضاء وكل محافظة الجوف وأغلبية محافظة مأرب، ومعها ثلاث مديريات في محافظة شبوة، التي بقيت تحت سيطرة الحوثيين ثلاثة أشهر ونيف، حتى تم تحريرها من قبل قوات العمالقة الجنوبية في معركة لم تستمر 12 يوما.
إنها فلسفة الفصل بين الأقوال والأفعال، ونظرية التقية السياسية ، والعمل على الخطتين (أ) المعلنة لفظيا، و (ب) غير المعلنة لكنها ما يتم العمل به على واقع الحياة العملية.
فما الذي تعلمه الجنوبيون من الأشقاء الشماليين في معنى وأبعاد وتكتيكات الخطة (ب)؟؟
ذلك ما سأتوقف عنده في لقاء قادم.