المكلا ( حضارم اليوم ) متابعات
أثارت التطورات الخاطفة في أفغانستان، على إثر الصعود الكبير لحركة طالبان، عبر سيطرتها على العديد من المدن والمقاطعات الأفغانية، الكثير من التساؤلات حول مدى إمكانية تكرار هذا السيناريو في اليمن أيضًا.
في حين أعادت التذكير، بالدور الذي تلعبه دولة قطر، في اليمن، وما يرافقه من دعم، على أكثر من مستوى، لجماعات الإسلام السياسي، وتحديداً جماعتي “الإخوان” و”الحوثيين”، لا سيما وأن الدوحة برزت كفاعل رئيس في إعادة “طالبان” إلى واجهة المشهد في أفغانستان.
ومع أن تقدم “طالبان” بسهولة أصاب العالم بالصدمة، فإنه لم يكن مفاجئاً بالنسبة لكثير من اليمنيين، بقدر ما حملهم على استرجاع الأنشطة القطرية التي سبقت ومهدت لسيطرة الحوثيين على صنعاء ومدن يمنية أخرى في العام 2014.
سيناريو واحد من صنعاء إلى كابول
قبل سنوات وصل ممثلون عن حركة طالبان سراً إلى قطر لإجراء محادثات مع مسؤولين غربيين، للتوصل إلى اتفاق يسمح لحلف (الناتو) بقيادة الولايات المتحدة، بالخروج من أفغانستان.
لكن عدد ممثلي طالبان وأنشطتهم في قطر تزايد بصورة تدريجية. والآن يوجد العشرات من القيادات الرفيعة المستوى للحركة المصنفة على قائمة المنظمات الإرهابية، يعيشون في منازل باذخة رفقة عائلاتهم في الدوحة، على نفقة الحكومة القطرية.
وبينما كان ممثلو الحركة يجلسون على طاولة واحدة، في العاصمة القطرية الدوحة، مع وفد تابع للحكومة الأفغانية، كانت المدن الأفغانية تتساقط كأحجار الدومينو في أيدي مقاتلي طالبان.
ومثلما تحولت قطر إلى مكان وصديق مفضل بالنسبة إلى طالبان، شكل دعمها لكل من الحوثيين والإخوان، في اليمن أحد أهم أسباب الفوضى والصراع الدموي في البلاد، بحسب 900 وثيقة مسرّبة من أرشيف جهاز المخابرات اليمنية.
على أن جذور علاقتها بميليشيا الحوثي تمتد لأكثر من عقد ونصف، إذ لعبت قطر دوراً في دعم الجماعة إبان تمردها على نظام الرئيس اليمني الراحل علي عبدالله صالح، وخوضها ست حروب ضد الدولة في أقصى الزاوية الشمالية لليمن.
في تلك الأثناء شكلت قطر وأموالها طوق نجاة للتمرد الحوثي المسلح، فبينما كانت الجماعة تتلقى هزائم عديدة على يد الجيش اليمني، في معقلها الرئيس بمحافظة صعدة، عملت الدوحة على رعاية اتفاق بينها والحكومة اليمنية، ودعمت الحوثي بملايين الدولارات باسم إعمار صعدة.
وساهم –حينها- الدعم القطري في تعزيز نفوذ الحوثيين لمواجهة الدولة، حيث شنوا هجمات مزدوجة على مواقع الجيش والأمن في صعدة، وهو ما تسبب باندلاع الحرب الخامسة، التي كانت المليشيا قد تمددت فيها إلى مديرية بني حشيش شرق صنعاء.
وفي العام 2006، وبعد مقتل مؤسس المليشيا حسين الحوثي، على أيدي القوات الحكومية، وفي الوقت الذي كانت فيه الدولة أقرب إلى وأد بذرة التمرد بشكل تام، تدخل أمير قطر السابق حمد بن خليفة للوساطة، وكان الهدف الرئيس وقتها هو إنقاذ ما تبقى من الحوثيين.
وفي خضم الحرب السادسة تدخلت قطر لإنقاذ الحوثيين، وتوقيع ما سمي باتفاق الدوحة في 21 يونيو/ حزيران 2010، لوقف تقدم الجيش اليمني نحو منطقة “مطرة” الجبلية، آخر معاقل الحوثيين بصعدة، والتي كان يتواجد فيها زعيمهم الحالي عبدالملك الحوثي، مقابل أن يقيم شقيق مؤسس الحركة يحيى ووالده بدر الدين الحوثي وعمه عبدالكريم مؤقتاً في الدوحة.
وخلال تلك الفترة، كانت مليشيا الحوثي تستغل فترة التهدئة لإعادة ترتيب أوراقها لتتنصل من الاتفاقيات، بينما تستخدم أمول قطر لبناء قوتها العسكرية والسياسية وتوسيع نفوذها، وصولاً لإسقاط صنعاء ومعظم المدن اليمنية، بتسهيلات من تحالف الرئيس المؤقت عبدربه منصور هادي وجماعة الإخوان.
ولم يقتصر دعم الدوحة على الجانب المالي والإعلامي، حيث يشمل أيضاً الجانب اللوجستي، بحسب ما كشفته وثائق مسربة بشأن التنسيق السري للمخابرات القطرية مع مؤسس الجماعة الحوثية الصريع حسين الحوثي.
مرحلة ثانية من الدعم
منذ العام 2011 وما عرف بالربيع العربي، بدأت المرحلة الثانية من الدعم القطري لجماعتي الإخوان والحوثيين، وذلك بدفعهم إلى الساحات للمطالبة بإسقاط النظام السابق، ثم توجيه المليشيا لاجتياح صنعاء أواخر سبتمبر/أيلول 2014 ومنها إلى الحديدة وتعز ومدن الجنوب.
وتزايد هذا الدعم منذ إعفاء قطر من التحالف العربي، وشمل عدة جوانب منها السياسي والمالي والإعلامي، إضافة إلى تحريك الدوحة أوراقها في “الشرعية اليمنية” لإرباك التحالف العربي وإفشال مساعيه لمساعدة اليمنيين في استعادة الدولة.
عدا أن الأزمة الخليجية (المقاطعة الرباعية لقطر) دفعت بهذه العلاقة للبروز إلى الواجهة، حيث انكشف المستور إلى العلن عبر الإعلام القطري بمختلف وسائله من خلال الانحياز الفاضح لكل ما يتعلق بشأن الحوثيين ومحاولة التستر على جرائمهم ضد أبناء اليمن.
ولا يبدو أن الدوحة بريئة من صفقات تهريب الأسلحة النوعية الأخيرة التي بدأت المليشيا الحوثية استخدامها ضد السعودية، وخصوصاً الطائرات المسيرة بدون طيار والزوارق المفخخة والتي يتم تسييرها عن بُعد.
تعزيز موقف الحوثي عسكرياً
وأفضى الدور الذي تلعبه قطر، سواءً في جبهة “الشرعية” عن طريق جماعة الإخوان، أو عبر الميليشيات الحوثية التي تتلقى دعما سياسيا وإعلاميا وماليا متزايدا من الدوحة، إلى تحولات ميدانية لصالح الحوثيين، خلال الآونة الأخيرة، حيث عادوا للسيطرة على مناطق فقدوها قبل 6 سنوات لا سيما في صنعاء ومأرب والجوف والبيضاء ولاحقا في شبوة.
ويتوقع محللون أن تشهد الفترة المقبلة، من الصراع اليمني، تصعيدا على كافة المستويات وانتقال المواجهات إلى مناطق نفوذ الشرعية، على خلفية الأنشطة المشبوهة في الإقليم والعالم، التي تتم بدعم لوجيستي من إيران وقطر وتركيا.
ويعتقد أن النشاط القطري في اليمن يمر بمنعطف جديد في ضوء الرسائل التي بعثتها الدوحة لجهة رفع مستوى دعمها المقدم للحوثيين، واستضافة مفاوضات تجمعهم بالحكومة اليمنية، بالتوازي مع تحريك حزب الإصلاح لإفشال الجهود التي يبذلها التحالف لتنفيذ اتفاق الرياض وإنهاء حالة الصراع في معسكر المناوئين للحوثي.
ويرجح محللون أن يمتد الدور القطري في المرحلة القادمة إلى استخدام ورقة الميليشيات الإخوانية التي موّلتها الدوحة تحت غطاء “الشرعية” لاستهداف التحالف العربي والمكونات الأخرى المناهضة للحوثي مثل المجلس الانتقالي والقوات المشتركة في الساحل الغربي.