المكلا ( حضارم اليوم ) متابعات :
تثير توجهات الإدارة الأميركية في سوريا قلق العديد من الأطراف بينها روسيا وإسرائيل التي انتقدت ضمنيا تصريحات لوزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أبدى فيها تحفظا على الاعتراف بالجولان السوري أرضا إسرائيلية.
دمشق – تعكس تصريحات الدبلوماسيين والعسكريين الأميركيين حيال سوريا عن توجه الرئيس جو بايدن للقطع مع سياسة سلفه دونالد ترامب، وفي مقدمة تلك التصريحات التحفظ على قرار الاعتراف بهضبة الجولان السورية أرضا إسرائيلية، والإعلان عن تعديل مهام القوات الأميركية المنتشرة في شمال وشرق البلاد، بحصرها في التصدي إلى تنظيم داعش.
وتذيّلت الأزمة السورية قائمة اهتمامات الإدارة السابقة، التي بدت معنية فقط بضمان أمن إسرائيل، مع إظهار اهتمام بحقول النفط والغاز المنتشرة في شمال وشرق البلاد، وتشجيع شركات أميركية على الاستثمار فيها، دون أن يكون لها أي استراتيجية واضحة في التعاطي مع جوهر الأزمة، المتمثل في تحقيق انتقال سياسي للسلطة في دمشق، فضلا عن عدم إبداء اهتمام كبير بدعم الحلفاء الأكراد حيث سبق وفسحت الولايات المتحدة المجال لتركيا لمهاجمتهم في العام 2019.
ويرى مراقبون أن التصريحات الصادرة عن الإدارة الجديدة تشي بأن هناك نية لتعديل بوصلة الاهتمامات في سوريا، لافتين إلى أنه وإن كانت واشنطن لن تتخلى عن دعم حليفها الإسرائيلي والأخذ في الاعتبار هواجسه الأمنية، بيد أنها ستحاول التركيز على مصالحها أولا، وهذا يبدو مثار قلق تل أبيب.
وأظهر وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في أول مقابلة إعلامية له حول سياسة بلاده في الشرق الأوسط تحفظ إدارته على الاعتراف بهضبة الجولان أرضا إسرائيلية، وذلك “لدوافع قانونية”، لكنه شدّد على التزام بلاده بأمن إسرائيل.
وقال بلينكن في المقابلة التي أجراها مع شبكة “سي.أن.أن” ونشرت وزارة الخارجية الأميركية نصها الحرفي الثلاثاء، “من الناحية العملية، أعتقد أن السيطرة على الجولان في هذا الوضع تظل لها أهمية حقيقية لأمن إسرائيل.. لكن الأسئلة القانونية شيء آخر وبمرور الوقت إذا تغير الوضع في سوريا، فهذا شيء نبحثه، إلا أننا لسنا قريبين من ذلك بأي حال”.
وأضاف “طالما أن الرئيس بشار الأسد في السلطة في سوريا، وطالما أن إيران موجودة في سوريا، فإن الجماعات المسلحة المدعومة من إيران ونظام الأسد نفسه، كل هذا يشكل تهديدا أمنيا كبيرا لإسرائيل، ومن الناحية العملية، أعتقد أن السيطرة على الجولان في هذا الوضع تظل ذات أهمية حقيقية لإسرائيل”.
وأثارت تصريحات بلينكن على ما يبدو غضب تل أبيب التي سارعت إلى الرد على لسان رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو الذي شدّد على أن الجولان ستبقى إسرائيلية إلى الأبد. وقال نتنياهو للصحافيين “لقد قالوا إنهم يبحثون ذلك، لكنني بحثته بالفعل. في ما يخصّني، ستظل هضبة الجولان إلى الأبد جزءا من دولة إسرائيل، جزءا خاضعا للسيادة”.
ومنح ترامب اعترافا أميركيا رسميا بسيادة إسرائيل على الجولان في عام 2019، في تحول كبير عن سياسة اتبعتها الولايات المتحدة للعشرات من السنين. واحتلت إسرائيل الجولان من سوريا في حرب عام 1967 وضمتها عام 1981 في خطوة غير معترف بها دوليا.
ويتناقض الموقف المعلن من بلينكن مع تصريحات سابقة لمستشارين لبايدن أكدوا أنه لن يتم سحب اعتراف الولايات المتحدة بالسيادة الإسرائيلية على الجولان.
ويعتقد المراقبون أن إدارة بايدن ستبقي على الوضع القائم، دون أن تخوض كثيرا في ملف الجولان، لكنها في الجهة المقابلة من المرجح أن تجري تغييرات واسعة على السياسة الأميركية في باقي المسائل المتعلقة بسوريا، وقد اتخذت بالفعل أولى القرارات في هذا الشأن من خلال الإعلان عن تعديلات في مهام القوات الأميركية من خلال رفع الحماية عن شركات التنقيب عن النفط وموظفيها في شمال شرق سوريا.
وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) جون كيربي، إن جيش بلاده غير مسؤول عن توفير الحماية لتلك الشركات وموظفيها، وأن وظيفة القوات الأميركية العاملة في سوريا ستنحصر في مكافحة تنظيم داعش الإرهابي فقط.
وأضاف أن الولايات المتحدة لديها 900 عسكري في المنطقة، مبيّنا أن واشنطن ستواصل تقديم الدعم لقوات سوريا الديمقراطية “قسد” في الحرب على التنظيم الجهادي.
وكان الرئيس الأميركي السابق كلف قوات بلاده المنتشرة في شمال وشرق سوريا بتولي مهمة حماية حقول النفط والغاز في تلك المنطقة، حاثا الشركات الأميركية على استغلالها في خطوة أثارت جدلا كبيرا لجهة عدم قانونيتها.
وفي سياق متصل بالمتغيرات الطارئة على السياسة الأميركية في هذا البلد الذي يشهد أزمة مركبة منذ العام 2011، من المرجح أن تركز إدارة بايدن على تحجيم النفوذ الروسي، حيث لا تخفي قلقها من الحضور الروسي في سوريا، ومعلوم أن الرئيس بايدن يضع في صدارة أولوياته التصدي لطموحات بكين وموسكو.
وحذّر قائد القيادة المركزية للقوات المسلحة الأميركية، الجنرال كينيث ماكينزي في وقت سابق من أن “روسيا تسعى إلى تقويض النفوذ الأميركي وتعزيز هويتها كقوة عظمى عالمية.. وأن إجراءات روسيا في المنطقة تشمل إيجاد تمركز عسكري دائم في سوريا، حيث تتدخل بشكل دوري في حملة التحالف الدولي ضد داعش”.
وأشار ماكينزي في هذا السياق إلى أن روسيا تعزز وجودها العسكري في سوريا بفضل اتفاق استئجار قاعدة عسكرية بحرية في مدينة طرطوس.
وتابع المسؤول العسكري “في سبتمبر 2020 نشرت القيادة المركزية شرق سوريا، ردا على الارتفاع الخطير للاتصالات غير المرخصة وغير الآمنة للروس مع قوات التحالف، محطة رادارات للرقابة الإلكترونية ومجموعة من مركبات المشاة القتالية من نوع برادلي، إضافة إلى زيادة عدد تحليقات الدورية القتالية للقوات الأميركية”.
ولفت “أتوقع أن تواصل روسيا تحدي وجود الولايات المتحدة مع توافر الإمكانيات الملائمة من خلال عرض نفسها كبديل للغرب”.
وكان الرئيس الأميركي السابق سعى إلى التعاون مع الروس في أكثر من محطة، بيد أن محاولاته اصطدمت بجدار صد من الداخل لاسيما من الديمقراطيين. واليوم من الواضح أن إدارة بايدن ستحاول في معرض احتوائها لخطر التمدد الروسي تبني سياسة صارمة حيال موسكو في سوريا.
ويقول المراقبون إن تمشي الإدارة الجديدة لا يبدو أنه سيكون مريحا للعديد من الأطراف بينها إسرائيل وروسيا اللتان كثفتا في الآونة الأخيرة من تعاونهما في سوريا، وسط ترجيحات بأن يواصل الطرفان تعزيز هذا التنسيق ولمَ لا بلورة توافقات جديدة، في حال حصلت تل أبيب على ما تريده لجهة احتواء الحضور الإيراني.