المكلا ( حضارم اليوم ) العرب
تتمتع تركيا بعلاقات صداقة وأخوة عميقة مع قطر، وتحسنت العلاقات بين البلدين بسرعة في جميع المجالات فالبلدان يتعاونان بنشاط في حل المشاكل الإقليمية والدولية، بهذه الكلمات يصف الموقع الرسمي لوزارة الخارجية التركية بإيجاز حالة العلاقات بين أنقرة والدوحة.
ولكن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يذهب إلى أبعد من ذلك فهو يرى في أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أنه “صديق الأوقات الصعبة”، فقد حافظا على علاقات وثيقة للغاية على مدى العقد الماضي، مع اجتماعات وجها لوجه في كل شهر إن لم يكن كل أسبوع.
ولا يرى جيانكارلو إيليا فالوري الرئيس المشارك لمجلس المستشارين الفخري كوسا، سببا في أن تكون الصلة بين الرجلين أقل من ذلك، بل يجب أن يكونا صديقين حميمين مع الأخذ في الاعتبار أنه في عام 2018 قبل أردوغان، ودون تردد الهدية “الشخصية” لطائرة نفاثة خاصة بقيمة 400 مليون دولار قدمها حليفه الشاب والثري جدا، والذي يغدق عليه المال بسخاء.
ويعتقد المحلل السياسي والاقتصادي فالوري في تقرير نشرته مجلة “موديرن دبلوماسي” الأميركية أن هذه العلاقة أثرت وستظل تؤثر بعمق على تطور أو اضطراب العلاقات الدولية في منطقة واسعة تتجاوز الحدود التقليدية للشرق الأوسط الجيوسياسي وتمتد من ليبيا إلى القوقاز، مرورا بقبرص وحوض شرق المتوسط.
بناء المحور
توطد العلاقات بين تركيا وقطر في العقد الماضي له تاريخان مرجعيان، تحدد فيهما بناء التفاهمات بين العاصمتين للوصول إلى بناء محور ضد من يرفض سياساتهما الخارجية، وقد بدأ ذلك في ديسمبر 2010 مع اندلاع شرارة الأحداث في تونس ضد نظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي، والثاني كان في يونيو 2017 مع المقاطعة الخليجية.
فبعد الاضطرابات في تونس على موجة الاحتجاجات ضد ارتفاع تكاليف المعيشة ومن أجل المزيد من الديمقراطية، وبفضل استراتيجية المعلومات المتواصلة والتضليل الإعلامي لمحطة الجزيرة المملوكة للدوحة، وانتشرت الاحتجاجات بسرعة إلى ليبيا ومصر وسوريا واليمن منتجة فوضى لا تزال آثارها مستمرة إلى اليوم.
وبدأ ما يسمى بـ”الربيع العربي” بفضل تحريض قناة الجزيرة وقصر النظر السياسي والسطحية التحليلية لوزارة الخارجية الأميركية، التي كانت تقودها آنذاك، هيلاري كلينتون.
وكانت قناة الجزيرة هي التي ألهبت الساحات والعقول في البلدان العربية والإسلامية، داعية إلى التمرد ضد “الطغاة”، وغرس فكرة في الغرب وفي وسائل الإعلام الأوروبية الأميركية، تفيد بأن وراء التمرد كانت هناك المطالبة بالديمقراطية.
ويقر فالوري أن الجميع أدرك أن الأمور لم تكن كما روجت له الجزيرة بعد عقد من الاشتباكات الدموية والحروب الأهلية فكل الأحداث أظهرت أن “الربيع العربي” لم يكن أكثر من محاولة للجزء الأكثر تخلفا وهو دعم جماعة الإخوان المسلمين لتولي السلطة بعد الإطاحة بالأنظمة العلمانية “الاستبدادية”، واستبدالها بحكومات قائمة حصريا على الشريعة الإسلامية.
وتعزز الاتصال الخاص بين أردوغان والشيخ تميم مع إدراكهما أنهما إذا تمكنا من تولي القيادة السياسية لتيار الإسلام السياسي، الذي كان مكروها من قبل الحكومات العربية الأكثر اعتدالا وخاصة في منطقة الخليج، فقد يصبحان اللاعبين الرئيسيين الجديدين في الجغرافيا السياسية بالشرق الأوسط.
ودفع هذا الاحتمال تركيا وقطر إلى دعم صعود الإخواني محمد مرسي إلى الرئاسة المصرية في عام 2012 والتدخل بشكل مكثف في الأزمة السورية، بمساعدة اقتصادية وعسكرية وبترويج الدعاية دائما مع قناة الجزيرة للمعارضين لنظام بشار الأسد، والتي هيمنت بسرعة وسيطرت عليها الجماعات الجهادية من قبيل جبهة النصرة وداعش.
وراهنت أنقرة والدوحة على سقوط الأسد وتحويل سوريا إلى جمهورية إسلامية يمكن أن تدعم دور تركيا المهيمن الجديد في المنطقة، بدعم مالي من دولة قطر الغنية، حيث كانت غير قادرة على مواجهة دولة الخليج المهيمنة، وهي السعودية.
ولم تسر الأمور كما هو مطلوب من قبل “أصدقاء الأوقات الصعبة”، ففي مصر، تحطمت أحلام مرسي والإخوان المسلمين في عام 2013، في مواجهة رد فعل الجيش بقيادة وزير الدفاع السابق عبدالفتاح السيسي، بينما في سوريا وبفضل التدخل الروسي لا يزال الأسد مسيطرا حتى لو كان على أنقاض بلد دمرته حرب أهلية شرسة لا معنى لها قد تسببت في مقتل مئات الآلاف من المدنيين وهروب أكثر من مليون لاجئ.
ويؤكد فالوري في تحليله أن الدور الذي لعبته تركيا وقطر في اضطرابات الشرق الأوسط وطموحات الحليفين في تولي القيادة والتفوق في المنطقة الأكثر حساسية في العالم، قاد إلى الموعد الثاني المهم في العلاقات بين أردوغان وآل ثاني، حينما قطعت السعودية والإمارات والبحرين ومصر علاقاتها بالدوحة بسبب دعمها للإرهاب.
ووجهت تلك الدول إنذارا قاسيا إلى قطر لفرض تقليص العلاقات مع الإخوان المسلمين وإغلاق القاعدة العسكرية التركية التي أنشأت في أبريل 2014 وإلا سيتم فرض عقوبات قاسية للغاية، وبهدف تعزيز الضغط أغلقت السعودية والإمارات حدودهما مع قطر وتم تعليق الرحلات الجوية والبرية.
وكانت العقوبات المفروضة على قطر قاسية للغاية، ولا يمكن إلا لجسر جوي تركي أن يمنع أزمة غذائية حادة لشعب غني ولكنه ضعيف ويواجه حصارا من جيرانه، ولكن الدعم التركي أثر سلبيا على العلاقات بين أنقرة وبين الرياض وحلفائها الخليجيين مع تداعيات قوية على التجارة التركية.
إصرار على الفوضى
لم تحدّ المقاطعة من دول الخليج والتهديدات بفرض عقوبات من أوروبا والعزلة الدولية الكبيرة، من نزعة المغامرة التي يمارسها أردوغان، مثل مقامر متعطش، يرفع المخاطر فوق عدة طاولات على أمل تعويض خسائره، وقد بدا ذلك واضحا عندما دخل في النزاع الليبي وأيضا في مناوشات بشرق المتوسط وصولا إلى الأزمة الأرمنية – الأذرية.
ففي ليبيا، أرسلت تركيا جنودا ومرتزقة سوريين من جبة النصرة للقتال إلى جانب القوات الموالية لرئيس المجلس الرئاسي فايز السراج، ما أجبر المشير خليفة حفتر قائد الجيش الوطني الليبي، على وقف الهجوم على طرابلس. وتسبب ذلك في رد قاس من السيسي الذي حذر الأتراك والموالين لهم من تجاوز “الخط الأحمر” غرب سرت، مهددا بإرسال قوات برية.
أما الأزمة في البحر المتوسط فهي مفتوحة وبعيدة عن الحل، إذ تتعارض خطط تركيا بشأن المناطق الاقتصادية الخالصة قبالة الجزء التركي من قبرص وجزر بحر إيجه الشرقية للتنقيب عن الغاز تحت الماء واستغلاله بشكل صارم ورسمي من قبل اليونان وفرنسا، في حين أشركت مصر تحت قيادة السيسي إسرائيل في مشاريع التنقيب قبالة السواحل المصرية.
وفي الجدل الدائر حول حدود مناطق التنقيب عن الغاز واستخراجه من حوض جنوب وشرق البحر الأبيض المتوسط، لا يوجد موقف والتزام واضح من قبل إيطاليا، رغم التواجد النشيط لشركة إيني في المنطقة، والتي تُركت وحدها في الوضع الليبي والمتوسطي الصعب.
وفي حين أن الملف الخاص باستقلال الأكراد السوريين، الذي عارضته تركيا بشدة ولكن بدعم من الولايات المتحدة لا يزال مفتوحا، فإن النجاح الاستراتيجي الجزئي الوحيد الذي حققه نشاط أردوغان، وفق فالوري، كان في إقليم ناغورني قره باغ الانفصالي، فبدعم عسكري تركي هزم الأذريون الأرمن على الأرض، مما أجبرهم على تسليم أجزاء من الأراضي التي يسكنها المسيحيون.
ومع ذلك، فإن النجاح التركي الأذري لم يكتمل، حيث تم نشر قوات روسية على الأرض، بموافقة الأطراف المتحاربة، لضمان الهدنة. ومن هنا جاء الانتصار الباهظ الثمن، الذي لا يزال يمكّن الرئيس فلاديمير بوتين من السيطرة على الأراضي المتنازع عليها والاستمرار في حماية أرمن ناغورني قره باغ ليس فقط بالدبلوماسية ولكن أيضا بقواته المسلحة.
ومع وجود إسرائيل في الخلفية التي تعززت سياسيا من خلال فتح العلاقات الدبلوماسية مع البحرين والإمارات وبوساطة أميركية، فإن مسألة النفوذ والقوة من البحر الأسود إلى ليبيا تشكل علاقة “صديقي الأوقات الصعبة”، التي قد تصبح عدوانية بشكل متزايد تجاه خصومهما.