حضارم اليوم / محمد العولقي
* هكذا دائما .. إن فاح عطر الحضارمة في الملاعب زالت المتاعب .. ووضعت النفس أوزارها .. إن لاح برق المعنى في سماء المكلا .. تدافعت السحب وتكاثفت لتمطر صيتا ملحميا على حضارة وطن يعيش داخل مسمات الحضرمي الأمين الذي صان الأمانة ..
* أنتم هكذا يا فرسان الحضارة.. دائما تجددون في دواخلنا المنكسرة حلما ورديا لا يسكن غير ثريا حضرمية جميلة ملأى بضوء الليلك ..
* أنتم هكذا.. الحق الصارخ الذي نعترف به دائما عند اشتداد العواصف وتشفير العواطف ، تعيدون لنا حليب كبرياءنا المندلق على رصيف أفكنا وبهتاننا وخروجنا عن الصراط المستقيم ..
* تقهرنا الطبيعة .. تجلدنا عوامل التعرية الأخلاقية .. تلعب بنا الرياح كما تشاء كغيمة حمضية لا خير فيها لزرع أو ضرع .. إلا أنتم أيها الحضارمة .. يا من تجدفون من ساحلكم أحلى الحوريات .. وتصطادون من واديكم أحلى السندريلات .. فالخير معقود بنواصيكم .. أنتم هكذا أكليل غار على رأس الحضارة ..
* عرفناكم منذ هبط الإسلام دينا .. دعاة سلام .. نداء خير ومحبة .. ولاكم الله على بقاع وأصقاع الأرض .. فعمرتموها .. وملأتم السماوات المفتوحة بهديل الحمام والوئام .. لمست أياديكم المباركة رمال الصحراء فتفجرت تحت أقدامكم عيونا وحقولا تسر الناظرين .. انتبذتم جانبا في العراء ففاضت يمينكم نخيلا تحمل رطبا جنيا طاف البقاع المرتفعة والمنخفضة وهو يحمل الختم الحضرمي غير القابل للتزوير ..
* عرفناكم يا فرسان حضرموت مهبط وحي لدائرة علمية تبتكر وتخترع وتطرح معادلات التفوق في كل مكان ..
* عرفناكم قديما وحديثا .. الفقه الذي يورث .. الحديث الذي يقطع قول كل خطيب .. صوت الحق الذي يدعو للصلاة والفلاح .. فأنتم يا أحبتي في حضرموت ساحلها وواديها دائرة معارف شاملة متكاملة تتوارى أمامها معارف الغير خجلا وكسوفا .. قاموس محيط يضع القوافي والأوزان .. فأنتم أصل حروف الهجاء .. ومصدر لغة الضاد .. البحر اللغوي الذي تنتج أحشاؤه الدر الكامن .. فهل بعد كل هذا يحق للغواص أن يسأل عن الصدف التي تختزن اللؤلؤ ..؟
* كلما ضاقت بنا الأرض بما رحبت .. يممنا وجوهنا البائسة شطر حضرموت .. من مجاديف صياديكم نتعلم الصبر والكفاح .. من سواعد عمالكم نتعلم البناء والتنمية .. من عقولكم الصافية نفتح نافذة على العالم .. نغتسل من عرق لاعبيكم ورياضييكم لنتخلص من أدران سلبيتنا وأورام كهولتنا .. نتداوى من حبة الوادي السوداء .. ففيها شفاء من كل سقم ماعدا الموت ..
* أوه .. ليتنا تعلمنا درس (ال باناعمة) الذين حسبوا الدباسة سهلة.. على رأي شاعركم العظيم (حسين المحضار) الذي قال :
رمى الحبل لكن ما وصل في الهواء حبله .. وفجأة قفز لكنه الا قفز ظله ..
* أنتم هكذا .. تدخلون قلوبنا في بساطة السهل الممتنع .. تنفذون إلى مساماتنا لتسقونا عسلا دوعنيا فيه لذة للشاربين أمثالي .. تفتحون أشرعتكم على مياهنا الجوفية والبحرية كفتح ذات الصواري على ضفاف الأندلس ومصانع باريس ..
* بين وقدة شمس الصباح وحمى شمس الضحية استلب الحضرمي قوسه ونشابه .. رمى سهمه .. فشق الأفق .. بانت نواجذ مدينته الفاضلة .. طرزها بغسق الشروق و شفق الغروب .. هبطت على رقعتنا البرية حورية من الجنة بلكنة حضرمية .. من يومها لم تغب شموسها ولم تأفل أقمارها .. كان هذه المرة المحافظ (فرج البحسني) قمر حضرموت وجماهير مدرجات ملعب (بارادم) نجوم حضرموت حتى اشعار آخر..
* تعلب ملعب (بارادم) بضياءات الطيف .. غزل من أشعة الضحى ثوبا مارونيا .. وحاك من طيف القمر نمارقا مصفوفة .. رسم الجمهور الحضرمي بفرشاة وعيه وألوان حضارته (موناليزا) تنظر بعمق إلى إحدى عجائب الدنيا الثمان ..
* نعم.. يمكن لهواة التراث وراصدي تلك الخوارق البشرية أن يضع الجمهور الحضرمي ثامنا بين عجائب هذه الدنيا التي يقال أنها تدور في فلك برج الثور ..
* شاء الحضرمي المؤدب المهذب الذي يطالعك بكل النوادر أن يوزع على العالم من (بارادم) رسائل ثقافته المدهشة .. جمهور صديق للبيئة .. خال من سموم (الكربنة) .. لا يمضغ القات في المدرجات ولا يخصبه في الأفواه .. لا يدخن .. لا يتعاطى شعارات الفوضى وقلة الأدب .. جمهور يصفق من قلبه للهدف الملعوب .. يهتف للاعب الحريف الذي يأتيك بومضة عبقرية عابرة .. يتمايل طربا لتمريرة حريرية تدغدغ المشاعر والأحاسيس .. يغني مع الفائز ويشد من أزر الخاسر .. مادام الفائز حضرموت فلا غالب إلا الله ..
* فتش عن الأخلاق الرياضية التي انقرضت في (عدن) .. ابحث عن الجمهور الذواق في معادلة اللاعب رقم واحد قبل اللاعبين .. اسأل عن الجمهور المثالي الذي لا ينطق عن الهوى .. لن تجد هذا الجمهور الرائع إلا في حضرموت .. هنا لا مكان للانسان الذي يطغى .. ولا موقع للانسان الهلوع .. لا مكان للبطن التي لا تشبع والنفس التي لا تقنع .. يبدو الحضارمة كما لو أنهم ساعة بيولوجية .. يديرون مدينة فاضلة بنظام كوني دقيق للغاية ..
* رفعت رأسي عاليا .. تطاولت هامتي مجددا .. فقد عاد عيد كأس حضرموت السادسة بخير حال .. تجلت تلك الأطياف الساحرة من عمادة أرجوانية .. توغلت تلك الصور إلى ذواتنا المنكسرة عبر قناة حضرموت الفضائية .. تدفقت تلك الصور الانسيابية في بلازما دمائنا كماء حياة .. ظهيرة المباراة الختامية بين التضامن وسمعون أدرت صحني المقعر نحو (بدر سات) .. ضحيت في تلك الظهيرة بمباراة عالمية على (النايل سات) ولم أندم .. كنت سأقضم وأعض أصابع الندم لو أن تلك الدراما الحضرمية فاتتني ..
* عادت بي الذاكرة إلى زمان الوصل .. حين كان سمعون شاعرا يطرح قصائده المقفاة على أقدام ورؤوس عبده باخلة ومحفوظ الطين وعوض بن بكر وأنيس باشغنون ( والقائمة تطول يا فرسان سعاد) .. تذكرت كيف كان الفنان حسين غزي يؤلف بقدمه الساحرة أوبرا حضرمية تتوارى أمامها أوبرا عائدة لصاحبها فيردي خجلا وكسوفا .. لاح لي من بعيد طيف حسن مسجدي.. والفدائي الذي انتصر لفلسطين في قبره الحارس الشهيد صالح الشاحت ( وآخرون كانوا جواهرا يرصعون تاج التضامن ) ..
* لست في حاجة لأن أشرح لكم حجم الفرحة التي اجتاحت جوارحي وأنا أتابع تحليل الفنان الحضرمي الذي يعزف بقدمه أروع السيمفونيات الكروية .. ومن غيره .. إنه البدر الكابتن عبدالله باعامر.. اللاعب الوحيد الذي أطربنا وهو ينقل الدان الحضرمي من الحناجر إلى الأقدام ..
* هكذا أنتم يا نوارس حضرموت تطعموننا طلا ونرجسا ورحيقا من جبح (باكرمان) ..وتسقوننا شرابا سلسبيلا مستساغا من نهر (باكردوس) .. تملكتمونا .. تلبسنا بكم والطبع عند الحضارمة لا يتغير .. فهل لنا أن نتطبع بطباعكم ..؟