المكلا ( حضارم اليوم ) متابعات :
بغداد – يخطّط نواب موالون لإيران في البرلمان العراقي لمساءلة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي بشأن حقيقة مناقشة ملف التطبيع مع إسرائيل خلال زيارته، الأربعاء، إلى العاصمة البريطانية لندن.
ومن شأن هذه الخطوة أن تجلي الصورة أمام طهران المتوجّسة من توسّع علاقات إسرائيل في المنطقة، بشأن حقيقة الموقف العراقي الرسمي والشعبي من قضية التطبيع، خصوصا وأن بغداد تحفّظت على التعليق على قيام كلّ من أبوظبي والمنامة، مؤخّرا بربط علاقات طبيعية مع تل أبيب.
وبحسب مطّلعين على الشأن العراقي، فإن طرح فكرة التطبيع على طاولة النقاش السياسي في العراق، أمر منطقي وذلك بالنظر إلى الآفاق التي يمكن أن تنفتح أمام البلد المأزوم بشدّة في حال استجاب للرغبة الأميركية الشديدة في تطبيع العلاقات بين إسرائيل والبلدان العربية.
غير أنّه يظل من الصعب تنفيذ الفكرة على أرض الواقع بالنظر إلى وجود أتباع أقوياء لإيران في أروقة الحكم ومدارج صنع القرار في العراق.
وكان السياسي المخضرم مثال الآلوسي أثار عاصفة من الجدل في العراق عندما أعلن أن “ملف التطبيع سيطرح على الحكومة العراقية خلال زيارة مصطفى الكاظمي”، مشيرا إلى أن “بريطانيا دفعت وتدفع باتجاه التطبيع العراقي الإسرائيلي، وأول لقاء جمع رئيس حكومة عراقية مع وزير خارجية إسرائيلي في مقر الأمم المتحدة، كان بتنسيق وترتيب من رئيس وزراء بريطانيا الأسبق توني بلير”.
وأضاف أن “الجالية اليهودية العراقية في إسرائيل كبيرة، وعلى العراق أن يتخلص من فكرة العداء لإسرائيل”.
ووصل الكاظمي، الأربعاء، إلى لندن في إطار جولة بين كبرى العواصم الأوروبية شملت باريس وبرلين، حيث أجرى لقاءات مع كبار المسؤولين في السياسة والاقتصاد، مؤكدا عزمه المضي في برنامجه الإصلاحي.
الساسة العراقيون الذين اعتادوا النفعية قد يمضون نحو التطبيع مع إسرائيل إذا حصلوا على تطمينات لحماية مصالحهم
وقال النائب عن تحالف الفتح المقرب من إيران، مختار الموسوي، إن هناك حراكا برلمانيا “لاستضافة رئيس مجلس الوزراء مصطفى الكاظمي، في مجلس النواب فور عودته من الجولة الأوروبية إلى العراق”، مؤكدا جمع “تواقيع نواب من كتل سياسية مختلفة، بهدف استضافة رئيس الوزراء لمعرفة صحة المعلومات التي نشرت في وسائل الإعلام، عن قيام وفد العراق بإجراء اجتماعات في لندن بشأن التطبيع بين العراق وإسرائيل”.
وأضاف أن “طلب الاستضافة سيقدم السبت إلى رئاسة مجلس النواب مع عودة عقد جلسات البرلمان، وستتم استضافة الكاظمي وعدد من وزراء حكومته خلال الأسبوع المقبل، وفق الطلب المقدم من أكثر من 50 نائبا لغاية الآن”.
وتحول التطبيع مع إسرائيل إلى مادة للجدل اليومي في العراق وجدوى هذه الخطوة وأثرها على أوضاع البلاد. وكشفت تسريبات لنقاشات سياسية سرّية خلال الأيام الثلاثة الماضية عن إدراك القادة السياسيين لحجم التحول في مزاج الشارع العراقي بشأن التطبيع.
وخلال هذه التسريبات، يتحدث السياسي الشيعي البارز، حميد معلة، وهو قيادي في تيار الحكمة بزعامة عمار الحكيم عن هذا التحول بشكل واضح.
ويقول معلة إن “السنّة والأكراد ونصف الشيعة في العراق ليست لديهم مشكلة في التطبيع مع إسرائيل”، مشيرا إلى أن “العراق ملّ من حالة العداء ولا يريد مشاكل مع أحد”. وبرغم تنصّل معلة من هذه التصريحات بمجرد ظهورها للعلن، إلا أنها لم تشكل مفاجأة للأوساط السياسية والإعلامية والشعبية في العراق.
ويقول مراقبون إن غالبية سكان العراق تريد اقتفاء أثر دول الخليج في النظر إلى العلاقات مع المحيط والعالم، أملا في التخلّص من كابوس الأزمات الذي يلاحق البلاد منذ أواخر عقد السبعينات.
لكن عامر الفايز، وهو نائب عن تحالف الفتح بزعامة هادي العامري الموالي لإيران، يقول إن “التطبيع مستحيل حاليا”. ويعكس الفايز، وفقا لمراقبين، وجهة النظر الإيرانية، وليست العراقية، في هذا الملف.
وعندما أعلنت دول عربية مؤخرا بدء العلاقات مع إسرائيل، شنّت وسائل الإعلام العراقية التي يديرها الحرس الثوري الإيراني حملة واسعة ضد رئيس الجمهورية برهم صالح ورئيس البرلمان محمد الحلبوسي ورئيس الحكومة مصطفى الكاظمي للضغط عليهم بهدف دفعهم إلى إدانة هذه الخطوة، لكنهم لم يعلقوا.
وحاول خطاب وسائل الإعلام العراقية التابعة لإيران إثارة الشارع العراقي بفكرة أن “صمت الرئاسات الثلاث على خطوة التطبيع العربي مع إسرائيل يعني تأييدها ضمنيا”، إلا أنها قوبلت بالتجاهل.
ويعتقد ساسة عراقيون أن إيران لن تتورع عن دفع العراق نحو حرب طائفية أو قومية أو مذهبية داخلية لإعاقة خطوة التطبيع في حال ثبت اهتمام الحكومة العراقية الحالية بها فعلا.
ويقول مراقبون إن تهييج الأجواء الشيعية ضد السنة والأكراد خلال الأيام القليلة الماضية، قد يكون محاولة إيرانية لجس نبض الشارع العراقي بشأن مدى استعداده لخوض مرحلة جديدة من الاقتتال الداخلي، بعد تلك التي اندلعت في 2006، وخلفت الآلاف من الضحايا.
وبالنسبة إلى الكثيرين في العراق، فإن الساسة الذين اعتادوا المواقف النفعية، ربما يمضون نحو التطبيع مع إسرائيل، إذا ما حصلوا على تطمينات لحماية مصالحهم، وهو ما تؤكده تعليقات حميد معلة، الذي ألمح إلى أن الطبقة السياسية العراقية مرنة لكل شيء إذا اقتضى الأمر، شرط بقاء السلطة والنفوذ والمال تحت تصرفها.