المكلا ( حضارم اليوم ) العرب :
أحدثت تصريحات الإدارة الأميركية عن اعتزامها شطب الخرطوم من لائحة الدول الداعمة للإرهاب موجة إيجابية في الأوساط السياسية والشعبية السودانية، لما لهذه الخطوة من تأثيرات على المسار الانتقالي بعد سقوط حكم عمر البشير.
الخرطوم – تنفس السودانيون الصعداء بإعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب اعتزامه شطب اسم بلادهم من قائمة الدول الراعية للإرهاب، بمجرد تلقي مبلغ التعويضات المتفق عليه مع الحكومة السودانية في قضايا متعلقة بالإرهاب ارتكبت في عهد نظام الرئيس المعزول عمر البشير.
وقال ترامب، مساء الاثنين، إن بلاده سترفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب بعد دفع 335 مليون دولار لضحايا الإرهاب الأميركيين وعائلاتهم، معتبراً أن العدالة تحققت للشعب الأميركي، والسودان خطا خطوة كبيرة.
تركت هذه الكلمات أصداء واسعة في الخرطوم على المستويين الشعبي والرسمي، وأخمدت جانبا كبيرا من نيران احتجاجات دعت إليها قوى سياسية عديدة، الأربعاء، تحت شعار “تقويم الحكومة”، على إثر تردي الأوضاع الاقتصادية، وتعثر عملية الانتقال السياسي، في ظل خلافات بين مكونات الثورة السودانية.
وعبّر رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان عن تقديره للرئيس ترامب، وأشار رئيس الوزراء عبدالله حمدوك، إلى التخلص من تركة من تركات النظام البائد.
وقال رئيس الوزراء في بيان بثه التلفزيون الرسمي فجر الثلاثاء “هذا القرار يؤهل السودان للإعفاء من الديون”. وأضاف “نحن اليوم ديوننا أكثر من 60 مليار دولار، بهذا القرار يُفتح المجال للإعفاء”.
واعتبر أن القرار “يساعد على فتح الباب أمام الاستثمارات الدولية والإقليمية والاستفادة من التكنولوجيا، إذ بقينا أكثر من عقدين محرومين من ذلك نتيجة للعقوبات”.
وجددت وزارة الخارجية السودانية، في وقت لاحق التأكيد على أن الخطوة غير مرتبطة بأي ملف آخر، في إشارة إلى ملف تطبيع العلاقات مع إسرائيل.
ويدغدغ رفع اسم السودان بدون تعهدات صريحة ومعلنة مع التطبيع مشاعر قطاع كبير من المواطنين، ويمنح الحكومة المزيد من التأييد الشعبي، حتى لو كانت هناك تفاهمات خفية بين واشنطن والخرطوم على هذا الأمر.
وقال المحلل السياسي خالد التيجاني، إن تغريدة ترامب والردود الرسمية عليها تحمل وعوداً مشروطة من الجانبين، حيث يشترط الرئيس الأميركي في الظاهر بدفع مبلغ 335 مليون دولار للضحايا الأميركيين، بينما الشرط الخفي لا زال يتمثل في التطبيع.سليمان سري: السودان يستعد للعودة إلى المجتمع الدولي بحلة جديدة
وكان مسؤول أميركي تحدث في وقت سابق بأن قرار شطب السودان من اللائحة السوداء من شأنه أن يمهد الطريق للسلام مع إسرائيل.
وأضاف التيجاني لـ”العرب”، أن السودان يخشى من إمكانية مطالبته بأموال جديدة مع رفع ضحايا تفجيرات 11 سبتمبر دعاوى قضائية تطالب بتعويضات من الدول التي تورطت في دعم وتمويل المنفذين للحادث الإرهابي، ولا تحظى خطوة ترامب بموافقة كاملة داخل الكونغرس الأميركي، ما يشي بأن طريقة التنفيذ قد تشوبها تعقيدات.
ويتوقع متابعون أن لا تكون الإجراءات التنفيذية معطلة لتمرير قرار رفع السودان من لائحة الإرهاب، وأن هناك توافقا بشأن خطوات التنفيذ وضماناته السياسية، لأن هناك مصلحة مشتركة، مع حاجة الحكومة السودانية للتحرك للحد من تفاقم الأوضاع الاقتصادية، وحاجة ترامب لاستثمار الخطوة في السباق الانتخابي.
وعلى وقع الموجة الإيجابية التي أحدثها إعلان الولايات المتحدة شطب الخرطوم من القائمة السوداء، بدأت السلطة الانتقالية التحضيرات للحظة التي طال انتظارها والتي ستشرع الباب ليس فقط أمام إنعاش الاقتصاد المنهك، بل وأيضا إعادة البلد إلى الحظيرة الدولية، بعد عزلة طويلة.
وقالت وزيرة المالية هبة محمد علي “نحن لسنا شعبا إرهابيا ولكننا أُصبنا بنظام هو ما صبغنا بذلك (…) الآن سنبدأ العودة إلى حضن العالم”. وأضافت “سنحصل على حزم من جهات متعددة مثل آلية مساعدة الدول الفقيرة (…) وهذه الآلية ستمكننا من الحصول على 1.7 مليار دولار سنويا”.
ويأتي اقتراب خروج السودان من لائحة الإرهاب بعد توقيع اتفاق نهائي للسلام في جوبا، مطلع أكتوبر الجاري، وفي وقت تعمل فيه السلطة الانتقالية على إعادة تشكيل هياكل الحكم، انطلاقا من مقتضيات الواقع الجديد الذي فرضته اتفاقية السلام.
وتطوي الخطوة الأميركية صفحة قاتمة من صفحات نظام الرئيس السابق عمر البشير وتركته السياسية الثقيلة، والتي جعلت السودان محاصراً اقتصادياً لأكثر من 27 عاماً، وأن احتضان المجتمع الدولي للخرطوم وتقديم الدعم اللازم للحكومة من شأنه تضييق الخناق على محاولات فلول البشير للعودة إلى السلطة مرة أخرى.
وقال المتحدث باسم التحالف العربي من أجل السودان (هيئة حقوقية)، سليمان سري، إن السودان يستعد للعودة إلى المجتمع الدولي بحلة جديدة عبر دولة المواطنة، متعددة العلاقات والثقافات والأديان، وفي وقت تشهد فيه البلاد فترة انتقال تستوعب الجميع بما فيها الحركات المسلحة التي أضحت قياداتها تتواجد في العاصمة بشكل رسمي.
وأوضح في تصريح لـ”العرب”، أن فك الحلقات الضيقة من القيود الأميركية على السودان يسهم في إعادة ترتيب الفترة الانتقالية بسلاسة، ويدعم تشكيل المجلس التشريعي، والإعلان عن حكومة جديدة، وتنظيم المؤتمر الدستوري قريبا.
وتحاول السلطة الانتقالية تحقيق أقصى استفادة ممكنة من الأجواء الإيجابية التي فرضها اتفاق السلام ومن بعده قرار الفكاك من لائحة الإرهاب، وتعتزم تسريع الخطوات التي تشعر المواطنين بأن المرحلة المقبلة واعدة بالإنجازات.
لدى العديد من المواطنين يقين بأن حكومتهم ستحاول بشتى الطرق إحداث تغيرات على طبيعة المرحلة الحالية حتى يلمس المواطن هذا التغيير، لأن عدم قدرتها على تحسين البيئة المعيشية للمواطنين تعني أن حالة الانتشاء الحالية ستكون وقتية.
ولفت سليمان سري، إلى أن المظاهرات التي ستنطلق في ولايات سودانية، الأربعاء، ستكون قائمة وهدفها الأساسي يكمُن في حماية الثورة والحكومة بما يدعم تحركات المكون المدني نحو ترتيب أوليات الثورة من جديد، وأن القرار الأميركي يجعل المظاهرات داعمة لحمدوك بدلا من أن تكون موجهة ضده، وستصبح جرعة منشطة للسلطة الانتقالية، ما يؤدي لتضييق الخناق على محاولات اختطافها.
وبرأي البعض من المراقبين، فإن الفيصل في علاقة الحكومة بالمواطنين يتمثل في اقتناع الشعب السوداني بأن مخالب السلطة البائدة لم تعد موجودة، وطالما استمر البطء في محاكمات البشير ورموز نظامه والتراخي الأمني في الشارع وخضوعه لهيمنة شخصيات محسوبة على الحركة الإسلامية، فإن الشارع سيظل يتحرك بين حين وآخر لدفع المرحلة الانتقالية إلى الأمام، وتحاشي حدوث انتكاسة.