المكلا ( حضارم اليوم ) متابعات :
الجزائر- اختار الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون مقر وزارة الدفاع للمرافعة لصالح تعديلاته الدستورية العميقة، عشية الذهاب إلى الاستفتاء الشعبي المقرر في الفاتح من شهر نوفمبر القادم، وهو الخطاب الذي حمل عدة رسائل سياسية خاصة فيما يتعلق بمستقبل عقيدة الجيش الجزائري ومهامه بعد أسابيع قليلة فقط من الآن.
وعبّر الرئيس تبون، في ثالث خروج له من مبنى الرئاسة في ضاحية المرادية إلى مقر وزارة الدفاع الوطني بضاحية الباب الجديد بالعاصمة، عن أمنيته في أن يزكّي الجزائريون الوثيقة الدستورية في الاستفتاء الشعبي المقرر بعد أقل من ثلاثة أسابيع.
ويبدو أن السلطة الجزائرية تريد تحويل انتقال رئيس الجمهورية من مبنى الرئاسة إلى مبنى وزارة الدفاع الوطني، إلى حدث هام تركز عليه الأضواء الإعلامية، رغم أن المقر هو نفسه ومنصب وزير الدفاع ذاته هو من نصيب رئيس الدولة، بموجب دستور البلاد.
وتم نقل كلمة تبون إلى مختلف المؤسسات والهيئات والقيادات والمديريات التابعة لوزارة الدفاع، عبر تقنية التواصل المرئي، لتكون بذلك رسالة مبطنة تدعو منتسبي المؤسسة العسكرية إلى تبني الدستور الجديد، ورفع اللبس المثار من طرف دوائر معارضة حول المهام والصلاحيات الجديدة للجيش وتحذيرها من مغبة تحويله إلى شرطي المنطقة لخدمة أجندات إقليمية ودولية.أسير طيبي: تحويل المجتمع المدني إلى شريك للسلطة يخلط أوراق الأحزاب
وألمح خطاب الرئيس الجزائري إلى انزعاج في السلطة الجديدة من شكل المسارات السياسية المتبعة ومضمونها منذ تنحي الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، بعدما حمل رسائل طمأنة حول ما يثار في بعض الأوساط عن توجهات الدستور الجديد خاصة فيما يتعلق بمسائل الهوية والتاريخ ومستقبل المؤسسة العسكرية.
وذكر المتحدث بأن “دسترة بيان أول نوفمبر والمجتمع المدني قد أزعج البعض”، في إشارة إلى القوى السياسية التي انتقدت خطورة تغيير موازين القوى في الخارطة السياسية لصالح المجتمع المدني، على حساب الطبقة الحزبية التي تضطلع طبيعيا بمثل هذه المهام.
وكان رئيس حزب التجديد والتنمية أسير طيبي، قد عبر في تصريح لـ”العرب”، بأن “الخطوة التي يراد من خلالها تحويل المجتمع المدني إلى شريك للسلطة، تنطوي على خطر كبير يهز أركان الدولة ويخلط أوراق الطبقة الحزبية، على اعتبار أنها هي المؤسسات الشرعية التي وجدت لمثل هذه المهام”.
وحاول الرئيس الجزائري دغدغة المخيال الجزائري عشية الاحتفال بعيد الثورة الـ66 المصادف للفاتح من نوفمبر، من أجل القبول بالوثيقة الدستورية الجديدة، من خلال المزج بين المسار الدستوري الذي اختير له نفس اليوم لتنظيم الاستفتاء الشعبي، وبين العلاقة الرمزية بين الجزائريين والذكرى التي تبقى محل إجماع نادر في ظل الانقسامات والتفككات.
وشدد في هذا الشأن على “وجوب احترام رسالة الشهداء، لأن هؤلاء ضحوا لأجل هذا البلد، وأننا نستلهم من رسالة نوفمبر قوة الدولة وعلى رأسها مؤسسة الجيش، وأننا سنسلك الطريق الصحيح إلا اذا ابتعدنا عن مسار أول نوفمبر”.
وتحشد السلطة دعاية ضخمة للمزج بين الأبعاد التاريخية لعيد الثورة وبين موعد الاستفتاء على الدستور، حيث ينتظر أن تستغله الحكومة في العديد من الأنشطة على غرار التدشين المنتظر لجامع الجزائر الأعظم من طرف الرئيس عبدالمجيد تبون، نفسه، وتوزيع عدة آلاف من الوحدات السكنية على المستفيدين في مختلف الصيغ.
وأكد تبون، في هذا الشأن لطمأنة الشارع حول توجهات الحكومة لرفع الدعم عن المواد الاستهلاكية المدعمة، أن “السياسة الاجتماعية والعدالة الاجتماعية ستبقى مرسخة في برامج الحكومة، وفق ما يمليه بيان أول نوفمبر، الذي تبنى انطلاق ثورة التحرير ضد الفرنسيين في 1954، ورسم معالم الدولة الجزائرية الحديثة”.
وأعطى تبون، مرة أخرى إشارات توحي بالانسجام والتناغم بين الرئاسة والجيش، لدحض ما يشاع في بعض الدوائر حول ما يعرف بـ”صراعات الأجنحة في هرم السلطة”، وذلك من خلال رسائل الغزل والإشادة بالمؤسسة وبدورها في المساهمة الإيجابية في الاستحقاق الدستوري المنتظر.
وإن غابت الملفات السياسية والدبلوماسية في خطاب تبون، فإن مخاطبته للجزائريين من عمق المؤسسة العسكرية، أعاد إلى الأذهان المسار الذي انتهجه قائد أركان الجيش السابق، ونائب وزير الدفاع الوطني حينها، الجنرال الراحل أحمد قايد صالح، الذي وجه أكثر من أربعين خطابا للرأي العام من داخل الثكنات العسكرية أثناء الفراغ المؤسساتي الذي خلفه تنحّي الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة.تبون أعطى، مرة أخرى، إشارات توحي بالانسجام والتناغم بين الرئاسة والجيش
ويبدو أن الجيش الذي فقد بريقه خلال حقبة بوتفليقة، والذي استحوذ على صلاحيات وصفت بـ”الإمبراطورية”، لا يريد تكرار نفس التجربة والتفريط في ثقله مستقبلا داخل مؤسسات الدولة، ولذلك تحوّل مجرد انتقال رئيس الجمهورية ووزير الدفاع من مبنى الرئاسة إلى مبنى وزارة الدفاع على مسافة بضع دقائق إلى حدث تركز عليه الأضواء الإعلامية والحملة الدعائية.
وحظيت المؤسسة بإشادة الرجل الأول في الدولة ومديحه بقوله “الجيش يشرف بلادنا بشريا وتكنولوجيا واقتصاديا وإنسانيا وحتى مهنيا، والجيش بخبرته قادر على أداء الأمانة وصيانة الوديعة، وهو مصدر فخرنا بانضباطه ونجاعته وعلينا الاقتداء به، كما أن التكوين العالي لأشبال الأمة في مختلف التخصصات هو أحد أوجه احترافية مؤسستنا العسكرية”.
ودون النزول إلى مستوى الخوف على مصير الاستفتاء الشعبي، فإن خطاب تبون حمل رسائل انزعاج من الانقسامات التي أحدثتها الوثيقة وعدم تحقيقها للتوافق بين مكونات المجتمع، فبغض النظر عن التيار المقاطع لخيارات السلطة تصاعدت أصوات من المعارضة الحزبية ومن الوعاء الانتخابي المدعم لمسار السلطة سابقا تدعو للتصويت بـ”لا” على الدستور، وهذا ما قد يكون أربك السلطة.
ورافع الرجل لصالح مشروعه بالقول “تجسيد بناء الجزائر الجديدة سيكون بكل حرية وديمقراطية، وأن استفتاء أول نوفمبر هو عودة للشعب ليعبر بكل حرية وسيادة، وأن التعديلات الدستورية تكفل العدالة الاجتماعية وفق بيان أول نوفمبر، وهي التي ترسي قواعد الجزائر الجيدة والسيادة الوطنية، وتحقق النماء الشامل عبر تحرير المبادرات الاقتصادية”.