تقرير ( حضارم اليوم ) محمد مرشد عقابي
أعتاد الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” على مهاجمة الصين، وأعلن بصراحة دعمه لأقلية الإيغور في هذا البلد، لأنهم كما يقول جزءً من العرق التركي كان ذلك قبل 2016م، وتحدث “إردوغان” في عام 2009م عندما كان رئيساً للوزراء قائلاً : الأحداث في الصين ببساطة هي حرب إبادة جماعية، ويقصد بذلك حالة الحرب بحق هذه الأقلية.
ووفقاً لمحللين وخبراء سياسيين، هذه مجرد الأحاديث لم تكن مجرد تصريحات، فقد كانت “تركيا” ملاذاً آمناً للإيغور الفارين من الإضطهاد والإستبداد منذ أن سيطر الحزب الشيوعي الصيني على “شينجيانغ” في عام 1949م، وتستضيف “أنقرة” أكبر عدد من الإيغور الفارين في العالم، وفقاً لتقديرات العديد من التقارير الإعلامية.
ويرى الخبراء بان التحول المفاجئ وغير المتوقع في السياسة التركية جاء في عام 2016م عندما ألقت تركيا القبض على “عبد القادر يابكان” وهو ناشط سياسي بارز من “الإيغور” يعيش في البلاد منذ عام 2001م وبدأت في تسليمه.
ووقعت تركيا والصين في عام 2017م اتفاقية تسمح بتسليم المجرمين حتى لو كانت الجريمة المزعومة غير قانونية فقط في أحد البلدين، ومنذ أوائل عام 2019م أعتقلت القوات التركية مئات الإيغور وأرسلتهم إلى مراكز الترحيل، وأصبحت تصريحات “إردوغان” رديئة من الناحية الدبلوماسية.
ويرى الكثير من المحللين السياسيين أن التحول في سياسة “إردوغان” وتغير وتبدل مواقفه إزاء هذه القضية يرجع لأن نظامه والإقتصاد التركي في أزمة، وتعتمد “أنقرة” على “الصين” لإصلاح هذه الأمور وهذا يتطلب الإلتزام بنقاط محادثات “بكين”.
وتفاقمت خلال السنوات الماضية مشكلات “إردوغان”، حيث تضرر تركيا بشدة جراء تفشي جائحة فيروس كورونا الذي دمر قطاعها الإقتصادي الأساسي (السياحة)، كما تقلصت أحتياطياتها من العملة الأجنبية وتزايد حدة العجز التجاري وهبط مستوى صرف الليرة التركية مقابل العملات الأخرى.
وأشارت العديد من التقارير إلى أن تركيا التي كانت ذات يوم نموذجاً للديمقراطية والتنمية الإقتصادية في المنطقة أصبحت الآن دولة استبدادية وبؤرة للفساد المالي والإداري ومنبع للإرهاب، إذ تحتل “تركيا” حالياً مرتبة ضمن العشرين الأدنى، وهي أقرب إلى الصين من الدول المتقدمة التي كانت تطمح إليها في السابق مما أدى الى خروج الشركات والمستثمرين الغربيين وكساد الإقتصاد التركي بشكل غير معهود، لذلك توفر شهية الصين للتوسع في غرب آسيا وأوروبا، شريان حياة لـ”إردوغان” الذي أستغل ذلك واستثمره لمصلحته من خلال توسيع نطاق التعاون والشراكة بشكل كبير منذ عام 2016م، حيث وقع البلدان 10 اتفاقيات ثنائية تشمل الصحة والطاقة النووية، وتعد الصين ثاني أكبر شريك استيراد لتركيا بعد روسيا في الوقت الحاضر.
وأستثمرت الصين بين عامي 2016م – 2019م ما يقارب 3 مليارات دولار في “تركيا”، وتعتزم مضاعفة ذلك بنهاية العام المقبل 2021م، كما أصبح التدفق النقدي من الصين أمراً بالغ الأهمية لنظام “إردوغان” وعزز من قبضة هذا الرجل على البلاد.
وقدم البنك الصناعي والتجاري الصيني المملوك للدولة عندما أنخفضت قيمة الليرة بأكثر من 40% في عام 2018م قروضاً للحكومة التركية بقيمة 3.6 مليار دولار وذلك لمشاريع الطاقة والنقل الجارية، وفي يونيو 2019م وبالتحديد في أعقاب الإنتخابات البلدية في التي شهدتها أسطنبول التي أشارت إلى انهيار الدعم لأردوغان، قام البنك المركزي الصيني بتحويل مليار دولار لتسيير الإنتخابات بما يخدم المصالح المشتركة.
وأكدت تقارير صحفيه أن مبادرة الحزام والطريق الصينية تقدم لتركيا مصدراً جديداً للأموال النقدية ولبكين موطئ قدم استراتيجي على البحر الأبيض المتوسط، وكجزء من مبادرة بناء البنية التحتية، أنجزت تركيا خطاً للسكك الحديدية من “قارص” في شرق تركيا عبر “تبليسي في جورجيا” إلى “باكو في أذربيجان” على بحر قزوين، حيث ترتبط بشبكات النقل إلى جمهورية الصين الشعبية.
وخصصت مؤسسة تأمين الصادرات والائتمان الصينية ما يصل إلى 5 مليارات دولار لصندوق الثروة التركي لإستخدامها في مشاريع، وتثير الشفافية والمساءلة المحدودتان للصندوق مزيداً من المخاوف بشأن وجهة الأموال وقدرة تركيا على السداد.
ويشمل التعاون الصيني التركي تعميق العلاقات العسكرية والأمنية الثنائية، بما في ذلك مجال الإستخبارات والحرب الإلكترونية، فصاروخ “بورا” الباليستي التركي الذي تم تقديمه في عام 2017م هو نتاج تعاون دفاعي ثنائي، علاوة على ذلك فإن شركة “هواوي” الصينية العملاقة التي تم تصنيفها على أنها تهديد للأمن القومي في الولايات المتحدة الأميركية وأماكن أخرى بسبب علاقاتها بالحكومة والجيش الصينيين، ليس لديها مثل هذه المعارضة في تركيا فقد نمت حصتها في السوق التركية من 3% فقط في عام 2017م إلى 30% في عام 2019م.