تقرير ( حضارم اليوم ) محمد مرشد عقابي
مضت 19 عاماً على إعتداءات 11 سبتمبر التي استهدفت الأبراج بولاية نيويورك الأميركية وخلفت العديد من الضحايا والخسائر المادية والبشرية، من ذلك الوقت الى اليوم ومنذ توليه قيادة تنظيم القاعدة الإرهابي لم يتحصل المدعو “أيمن الظواهري” على الشهرة ذاتها التي أثارها سلفه الصريع “أسامة بن لادن”.
وأشار تقرير نشرته مجلة “فورين بوليسي” الأميركبة المختصة بالشؤون الأمنية الى ان جزء كبير من إنكماش الظواهري يعود الى عدم إهتمام الولايات المتحدة بهذا الشخص وعدم تفرغها لصناعته وتضخيمه وتسويقه وترويجه كزعيم يثير المخاوف والجدل عالمياً.
وأكدت المجلة أنه بصرف النظر عن المبادرات المالية الهائلة للإستخبارات حول مكان وجوده، فقد وضعت مكافأة قدرها 25 مليون دولار على رأسه، وهي أعلى مكافأة للقبض على إرهابي في العالم، إلا أن الحكومة الأميركية كانت غير مبالية نسبياً بشأن القاعدة منذ تولي “الظواهري” زمام الأمور في هذا التنظيم عام 2011م خلفاً لإسامة بن لادن حتى أن بعض محللي الإرهاب يرون أن “الظواهري” على قيد الحياة ألحق ضرراً بالقاعدة أكثر مما يمكن أن يلحقه بها قتله.
وبحسب خبراء فان هذا الإستنتاج لا يتوافق مع المسار الأخير للتنظيم، حيث ان القاعدة لم تكن قادرة على تكرار هجوم ممثاثل لما حدث في 11 سبتمبر ويستهدف المصالح الأميركية في عقر الدار، إلا أن التنظيم لا زال يحتفظ بفروعه في مناطق عبر إفريقيا والشرق الأوسط وجنوب آسيا.
ولفتت المجلة الأميركية الى أن زعيم القاعدة الحالي لا يقل خطورة على الولايات المتحدة عن زعيمها القديم “بن لادن”، مؤكده بأنه وعلى الرغم من أن “الظواهري” متقدم في السن ويكرر نفسه بخطب طويلة كلاسيكية متقعرة مقارنة مع نظيرة السالف “إسامة بن لادن”، إلا أنه مقيد في استراتيجيته العملياتية ومتصلب في أسلوب إدارته.
وأشارت تقارير عديدة إلى ان الشرخ الحاصل بين القاعدة وجبهة النصرة فرع التنظيم الرئيسي في سوريا، بإعتباره رمزاً لعدم كفاءة “الظواهري” في القيادة، وأن ظهور تنظيم داعش في أعقاب وفاة “بن لادن” وقدرته على فرض نفسه كقائد لما يسمى بـ”الجهاد العالمي” ليس فقط دليلاً على زلات إدارة “الظواهري” ولكن أيضاً يؤكد إخفاقاته المتكررة في تطوير أيديولوجة التنظيم الجهادية بالشكل الذي يجعله يضاهي توجه وتركيز تنظيم داعش على الدولة الإقليمية والعنف الشديد.
ورأت المجلة الأميركية بان نقاط الضعف البارزة في إيدلوجية زعيم تنظيم القاعدة الإرهابي الحالي “أيمن الظواهري” قد ساعدت في نهاية المطاف التنظيم بالتوغل في بعض البلدان وتنفيذ العمليات الإرهابية التي تتماشى مع توجهاته المتطرفه، فالظواهري على سبيل المثال يعارض بناء الدولة وهو الموقف الذي كان يحمي “القاعدة” ويوفر لمنتسبي التنظيم راحة نسبية في وقت أصبحت فيه داعش هدفاً مباشراً لجهود الولايات المتحدة لمكافحة الإرهاب.
وقالت المجلة المتخصصة في الشؤون الأمنية بأنه ومع تكثيف الضربات الأميركية ضد “داعش” تحسن تماسك الجماعات التابعة للقاعدة وحلفاؤها، على الرغم من أن المجموعة تعرضت في البداية لضغوط هائلة بسبب الإنشقاقات إلا أن قيادتها تمكنت من إيجاد استراتيجية للحفاظ على وحدته، حيث نجح الظواهري في منع انشقاق قياديين بارزين في التنظيم من بينهم (سيف العدل وأبو محمد المصري) وكان استمرار طاعة العدل للظواهري يمثل أمراً ملفتاً للنظر بشكل خاص سيما وهو يتمتع بعقلية مستقلة نسبياً وينتقد حتى قرارات “ابن لادن”، منوهة الى ان دعوة “الظواهري” للوحدة وعدم اهتمامه بشكل عام بمزايدة العنف مكنت القاعدة من تصوير نفسها لمؤيديها والمجندين المحتملين على أنها الجبهة الجهادية الأكثر موثوقية وإتزان في مواجهة تطرف وغلو “داعش”.
ووفقاً للمجلة الأميركية، أدى نجاح “الظواهري” في ضبط النفس مقارنة بزعماء داعش إلى تعزيز الفروع الإقليمية للتنظيم، في الوقت الذي تعثر فيه “داعش” بعد أن حقق نجاحات أولية ثم واجه ردة فعل شعبية عارمة، فقد قدمت فروع القاعدة التي يقودها الظواهري نفسها على أنها بديل جهادي أكثر قبولاً وهو ما أدى إلى زيادة قوة هذا التنظيم في أجزاء من بعض الدول بينها (الصومال وسوريا واليمن) وكذلك في غرب إفريقيا.
الى ذلك يرى محللون بأن “الظواهري” قد أشرك تنظيم القاعدة في حروب أهلية محلية إلى درجة لم يعد بإمكان المنتسبين إليه التركيز على الهجمات العابرة للحدود لكن الإتجاه العام للتنظيم يشير إلى خلاف ذلك إذ دفع الظواهري بالقاعدة بعيداً عن الجدل طويل الأمد بين الجهاديين “القريبين من العدو” مقابل “العدو البعيد”، وبدلاً من ذلك وجد طريقة لتحقيق التوازن بين الأهداف العابرة للحدود الوطنية والضرورات المحلية للفروع الإقليمية التابعة لها.
وبالنسبة لتعامل التنظيم مع بعض الدول الإسلامية فقد كان “أيمن الظواهري” براغماتياً فيما يتعلق بعلاقة القاعدة المعقدة مع معظم الدول الإسلامية المحيطة بافغانستان، كما كانت له كلمات قاسية في انتقاد سياسات بعض الأنظمة الإسلامية، وخلال العقد الماضي خفت آراؤه وقد سمح هذا التغيير الجيد التوقيت للقاعدة بحماية قيادتها وتعبئة بعض المساعدات المادية من دول مثل إيران التي دعمت التنظيم بطرق مباشرة او عبر الممرات الجغرافية التي تتيحها الأراض الإيرانية، ولعل أهم انتصار استراتيجي للظواهري هو أنه تمكن من الحفاظ على علاقة القاعدة مع حركة طالبان الأفغانية.
وأوضحت الأمم المتحدة في احدى تقاريرها الصادرة مؤخراً بأنه وفي الأشهر الأخيرة من هذا العام تفاوض زعيم تنظيم القاعدة “أيمن الظواهري” شخصياً مع كبار قادة طالبان الأفغانية للحصول على تأكيدات بمواصلة الدعم والمساندة، مؤكدة بان هذه المحادثات كانت ناجحة ومثمرة.
وبحسب المجلة فان “الظواهري” ورغم قيادته الثابتة التي قللت من خسائر القاعدة مع منحها فرصة لإعادة بناء نفسها، لا يزال التنظيم يواجه تحديات خطيرة في المضي قدماً في تنفيذ أجندته ومشاريعه الإقليمية والدولية أبرزها من سيقود القاعدة بعد رحيل الظواهري؟.
المجلة الأميركية أكدت أن أحد الدروس التي استوعبها الظواهري هو أن قدرات مكافحة الإرهاب الأميركية لا تزال قوية، وهي حقيقة يمكن أن تحد من حرية وخطورة تنظيم القاعدة في الحركة والنشاط، علاوة على ان ذلك جعل دعم وتمويل التنظيم والعلاقة والإرتباط به أمراً مكلفاً سيما لبعض المنتسبين والحلفاء.