المكلا ( حضارم اليوم ) العرب اللندنية
تواترت بشكل لافت خلال الفترة الأخيرة الأنباء عن التراجعات الميدانية الكبيرة للقوات التابعة لجماعة الحوثي في عدّة مناطق يمنية، وذلك في مؤشّر على حالة الاستنزاف التي واجهها المتمرّدون المدعومون من إيران، والتي من المرجّح أن تكون أوصلت مجهودهم الحربي إلى نقطة الإجهاد، وذلك بعد حوالي ستّ سنوات من الحرب المرهقة بشريا وماليا ولوجستيا.
فمن جبهة الجوف شمالا، إلى جبهة مأرب شرقا، إلى جبهة البيضاء بوسط اليمن، تلقّى الحوثيون، مؤخرا، سلسلة من الهزائم العسكرية اضطرّوا معها إلى الانسحاب وإخلاء العديد من مواقعهم بعد تكبّدهم خسائر فادحة في الأرواح والعتاد، خلال مواجهاتهم مع القوّات الموالية للحكومة اليمنية المعترف بها دوليا والمدعومة من قبل التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية.
وأظهرت تلك الهزائم تراجع القدرات العسكرية للحوثيين في ظلّ استفحال الأزمات والمشاكل في المناطق التي يسيطرون عليها وحالة الفاقة الشديدة التي يواجهها سكان تلك المناطق التي يشكل بعضها خزانا بشريا رئيسيا للمتمرّدين ومصدرا لإمدادهم بالمقاتلين.
إلى ذلك لا يفصل متابعون للشأن اليمني تناقص القدرات العسكرية للحوثيين بتراجع الدعم الإيراني لهم، وذلك بسبب انشغال إيران بوضعها الداخلي الصعب والناتج عن العقوبات الشديدة المفروضة عليها من قبل الولايات المتحدة الأميركية، والتي كان لها أسوأ الأثر على أوضاعها الاقتصادية والمالية.
وخلال الأسابيع الأخيرة حاول الحوثيون إطلاق معركة كبيرة باتجاه محافظة مأرب الواقعة شرقي العاصمة صنعاء، وذلك في محاولة للسيطرة بشكل سريع وخاطف على المحافظة ذات الموقع الاستراتيجي والغنية بالنفط والتي تمثّل أهم نقاط ارتكاز القوّات الموالية لحكومة عبدربّه منصور هادي.
وقالت مصادر يمنية مطلّعة إنّ معركة السيطرة على مأرب كانت مفصلية للحوثيين الذين ينظرون إلى المحافظة كجزء أساسي مكمّل لمناطق سيطرتهم، وإنّهم ظلوا يؤجّلون تلك المعركة ويتحينون الفرصة لإطلاقها، ويماطلون بالتوازي مع ذلك، في الاستجابة لجهود السلام التي تقودها الأمم المتّحدة حتى بلوغ هدفهم، ومن ثمّ الدخول في مفاوضات سلام من موقع قوّة.
ومن جهتها قالت مصادر عسكرية إنّ تحشيد الحوثيين غير الاعتيادي باتجاه مأرب ورصدهم جزءا هاما من قدراتهم القتالية في تلك الجبهة أفقداهما توازنهم في جبهات أخرى، ما يفسّر سلسلة هزائمهم في تلك الجبهات.
وأعلنت جماعة الحوثي قبل يومين مقتل سبعة من مسلحيها بينهم ثلاثة ضباط خلال مواجهات مع القوات الحكومية. وقالت وكالة “سبأ” التابعة للحوثيين، إنه تم تشييع الجثامين السبعة في كل من صنعاء ومحافظة تعز بجنوب غرب اليمن، موضّحة أنّ هؤلاء قتلوا بعدة جبهات دون ذكر زمن أو ملابسات قتلهم، والأماكن التي قتلوا فيها على وجه التحديد.
ومن جهته تحدّث مصدر عسكري يمني موال للحكومة المعترف بها دوليا، في وقت سابق، عن مقتل وإصابة العشرات من مسلحي الحوثي في معارك بمحافظة الجوف شمالي البلاد. وكانت جبهة الجوف نفسها قد شهدت قبل أشهر اختراقا ميدانيا مهمّا للحوثيين الذين شنوّا هجمات كثيفة على أهم مواقع
تمركز القوات الحكومية فيها، واستولوا عليها بما في ذلك مدينة الحزم مركز المحافظة. وجاءت أهمية ذلك التطور الميداني من الموقع المهمّ للمحافظة المتّصلة جغرافيا مع أراضي المملكة العربية السعودية.
أما في محافظة مأرب شرقي صنعاء، فقد تمكّنت القوات الحكومية اليمنية على مدار قرابة أسبوعين من إحباط موجات متكرّرة من هجمات مسلحي الحوثي، الذين استخدموا أهمّ مقدراتهم العسكرية في المعركة وأوكلوا قيادتها لعدد من أرفع ضباطهم يتقدّمهم عبدالخالق الحوثي شقيق زعيم الجماعة عبدالملك الحوثي، وأبوعلي الحاكم رئيس دائرة الاستخبارات العسكرية التابعة للحوثيين.
وتحدّثت مصادر متعدّدة عن خسائر كبيرة مني بها الحوثيون في هجماتهم الأخيرة على مأرب، فيما تحدث بعض تلك المصادر عن وقوع قتلى بين ضباط وقادة الصف الأول في قوات المتمرّدين.
أما في محافظة البيضاء الواقعة إلى الجنوب من مأرب فتحدّثت المصادر عن “مذبحة كبرى” في صفوف المقاتلين الحوثيين، وذلك في إشارة إلى مقتل وجرح وأسر العشرات منهم.
وأكّد ذلك ذياب نمران قائد اللواء 143 مشاة ضمن القوات اليمنية بقوله إنّ ميليشيا الحوثي المتمردة تلقت ضربة عسكرية موجعة بجبهة قانية شمال البيضاء، وإنّ العشرات من مسلحي الحوثي وقعوا بين قتيل وجريح وأسير في الجبهة المحاذية لمحافظة مأرب، واصفا ما حدث بأنه “مذبحة كبرى للحوثيين ليس لها مثيل”.
وبحسب الضابط ذاته فإنّ الخسائر المادية للمتمرّدين لم تكن أقلّ فداحة حيث استعاد الجيش اليمني عربات وآليات عسكرية وأسلحة ثقيلة وخفيفة وذخائر بمختلف أنواعها كانت بحوزة الحوثيين.
ويرى محلّلو الشؤون العسكرية، أنّ الهزائم العسكرية التي مني بها الحوثيون تمثّل انعكاسا لتعاظم الصعوبات التي أصبحوا يواجهونها في تعويض خسائرهم وتجديد قواهم، حيث باتوا يواجهون صعوبات كبيرة في العثور على مجنّدين جددا لمواجهة حالة الاستنزاف التي تعرّضوا لها جرّاء طول الحرب وكثرة ما لحق بهم من خسائر بشرية، في ظلّ عزوف القبائل التي كانت تمثّل خزانهم البشري التقليدي عن إرسال أبنائها للقتال في حرب تبدو بلا نهاية وميؤوس من تحقيق أي انتصار فيها، فضلا عن انعدام الحوافز المادية مع اضطرار الجماعة لتقليص رواتب مقاتليها وقطعها لمدد متفاوتة بفعل الضائقة المالية الشديدة التي يمر بها المتمرّدون.
وتحدّثت مصادر قبلية بشمال اليمن، في وقت سابق، عن لجوء جماعة الحوثي إلى القوّة لإجبار بعض العائلات على إرسال أبنائها إلى معسكرات التدريب التابعة للجماعة في صعدة وعمران وصنعاء، وغيرها من المناطق، مؤكّدة أنّ من بين من يجبرون على القتال كهول تجاوزوا سنّ التجنيد وأطفال تتراوح أعمارهم بين 12 و16 سنة بحسب بنيتهم الجسدية وقدرتهم على حمل السلاح.
وعلى صعيد سياسي تأمل جهات يمنية في أن تساعد حالة الضعف التي بلغها الحوثيون على إطلاق عملية سلام جادّة تنهي الحرب المدمّرة في اليمن، معتبرين أنّ الوضع في إيران عنصر مهمّ في ذلك حيث أنّ تراجع اهتمام طهران بالملف اليمني بسبب انشغالها بأوضاعها الداخلية المعقّدة وعدم قدرتها على مواصلة دعمها المادي للحوثيين قد يساهمان في تليين موقف الحوثيين من جهود السلام التي يقودها المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث.