الرئيسية / أراء وكتاب / “وطني” مقال لـ مريم المعاري.

“وطني” مقال لـ مريم المعاري.

جميعنا نعيشُ ونتعايش ونتنفسُ من نفسِ الهواء ، ونُدفَنُ في تُرابٍ واحد على أرض الوطن …
ولكن …
لا زلنا ندور في دوامةِ الحروب والصراعات والمصالح ، التي مزقتنا إِرباً إٌربا وكادت أن تَزحفَ بِنا نحوَ حبلِ المشنقة دونَ أدنى تهمة موجهَ لنا .
إننا نعشقُ تُرابَ هذا الوطن الذي جعلوهُ كعجوزٍ هزيل قد تجاوزَ عمرهُ ال 100 عام بل وأكثر ، يُشاهدُ بصمت أولاده الذين أصبحوا كالكُرة في ملعبٍ كُلُ فريقٍ يلعبُ بِهم ويركلهم كيفما يشاء وتأخذه العَبرة لتفيض عيناه بدموعٍ حمراء من الألم والحسرة والحرقة .
وطني كم أحزنُ عليك اليوم وكل يوم وينتابُني شعورًا مؤلِمًا في قلبي ، وكأن أحدهم يغرسُ سكينً حاداً في يسار صدري .
أرى بُلدانًا تتقدمُ وتتطور يومًا بعد يوم وأنظرُ لما وصلنا اليه نحنُ اليوم وبدل من أن نتقدم خطوة للأمام بكل أسف عدنا ألف خطوةٍ الى الوراء .
أصبح العيشُ لايُطاق بل أصبحنا كالممثلين على مسرح الوطن وأدوارُنا ماهي إلا مشاهد صامته ، هًناك أصواتٌ تعلو تلو الأخرى ، ولكن دون جدوى ولامجيب لمن ينادي …
في وطني هُناك معاركٌ طاحِنة وأهدافٌ غامِضة وراء هذهِ الأحداث وجميعُ ضحاياها أرواحٌ مغلوبٌ على أمرِها ، فرض عليها القدر أن تعيش في بلدٍ فاحت به رائحة الفقر ، وساءت به الأحوال من كل صوب فأصبحنا وكأننا في صحراءٍ قاحِلة …
وبِلا شك في ظل الجائحة التي زهقت أرواح الكثيرين “جائحة كورونا” تعرضنا للكثير من المآسي التي تضاف على رصيد مآسينا السابقة ، بدءًا من تدهور الصحة وضحايا هذا المرض الخبيث “فايروس كورونا” وأنهيار التعليم وضحايا هذا الضعف الذي أخل بصفوف الراغبين ، كل ذلك ولم توجد البدائل فطلاب العلم هذا هو حالهم حتئ يومنا هذا ، ونتعجب لحالنا بلدً مليئةً بالثروات وفقيرةٍ بأبسطِ الخدمات …

منذُ إندلاع الحرب تغيرت سِلسِلةُ الحياة الطبيعية التي كُنا نعيشها بالشكل المعتاد ، حين دق جرسُ الإنذار الذي بدأ وكأنه يُنبهنا بخطرٍ محدقٌ بنا ، ولكنَ حينها لم نكن نعي حجم الكارثة التي تُهددُنا ولم نستوعب كمية المخاطر التي ستواجهنا حينما بدأت بالاقتراب هرعنا بالركض والهروب بعيداً عنها لكنها كانت أقوى منا.
وأثبتت باننا جميعاً ضعفاء وعندها فقط بدأنا نتجرعُ مرارة المعاناة كل يوم ، تغيرت الصورة النمطية تماماً عن السابق وأصبحنا نشاهد أطفالا دون سن الخامسة عشر يعملون في أعمالٍ شاقة لاتليقُ بطفولتهم البريئة و لا ذنب لهم بها فقد ساقتهم الظروف الراهنة نحوها جعلتهم يبحثون عن لقمة عيشهم، ليسوا وحدهم بل الكثير منا أصبحنا هكذا نعمل ليل نهار ونجتهد طوال الوقت لنوفر لأنفسنا العيش الكريم فمستلزمات الحياة واحتياجات الاسر أصبحت عبئ كوننا أصبحنا في وطننا ونتعامل مع بعضنا بمشيئة غيرنا فعملتنا لم تعد العملة اليمنية وانهارت تماماً أمام العملات الأخرى واصبحنا نتعامل بعملات أجنبية. والأسعار ترتفع بين الحين والاخر دون رحمة لمن ارهقته الحياه على ارض هذا الوطن وتغيرت أشياء وأشياء،، سنضع سؤال لأنفسنا ما الذنب الذي اقترفناه ليحدث لنا كل هذا ؟؟
لايزال في مخيلتي موقف الشعور للحظة الأولى التي زرت بها مخيم النازحين منذ أن وطأت قدماي وأنا أتأمل في الارجاء يتخللني شعور الالم والحزن ممزوجا بشيء من الصدمة مما رأيته أمام ناظري.
ثم أخذتُ فترة طويلة أتجاذب الحديث مع هذه الأسر النازحة واستمع اليهم وهم يقصون لي معاناتهم وكيف تركوا حياتهم وطفولتهم ليجروا بقاياهم الى هنا معهم ، خنقتني العبرة مما سمعته فكانت أحداهن تقول لي “لولا الحرب ماكنا تركنا بيوتنا وارضنا واحبابنا واتينا الى هنا فنحن كنا نعيش بسعادة وأمان حتى وان كنا في اشد الحاجه للطعام والماء، لم نمد أيدينا يوما ما لاي كان لأننا لسنا بحاجة أحد فجميع من ينظر لنا الان ينظر الينا بنظرة الشفقة او أنه يعطينا حفنة من الدقيق مقابل اذلالنا بالصور والتشهير نحن بشر مثلكم و لدينا كرامة ولدينا قلب ايضا لم نعد نحتمل المزيد”.
قاطعتها الأخرى لتقول لي ” يا أبنتي والدموع تملئ عينيها أنا كنت غنية في بلدي أمتلك بيت ولدي بعض الأراضي وبين ليلة وضحاها لم اعد امتلك اي شيء، لم أجرب شعور الفراق عن المكان الذي عشت وترعرت فيه ولا أن افارق أهلي وأقاربي وكل أحبابي لكن أجبرتني الحرب التي دمرت بيتي ودمرتنا جميعاً أم اترك كل شي خلفي وانفذ بجلدي لكي أعيش مع ماتبقى مني” ، لم تنتهي جميع القصص بعد بل بدأت حكايات من نوع آخر ممزوجه بشيء من الفرح والحزن والبراءه واللطف مع الأطفال الذين هزموا دموعي ليجعلوها تتساقط أمامهم ، ما ذنبهم ؟ أطفالٌ أبرياء سعداء رغم الألم منهم من فقد الا خ او الاخت ، والأسوء من كل ذلك منهم من فقدوا أبائهم ولازلت أتذكرهم جيدا وهم يرددون علي ” نريد أن نرجع الى بلادنا وإلى مدارسنا ونلعب مع أصحابنا فقد أشتقنا لهم كثيرا” اااه كم أرهقتنا الحرب إلى متى سنظل هنا هكذا.
أؤمن يقينا بأننا شعباً يمتلكُ العزيمة والارادة والاصرار على التمسك بالحياة بالرغم من كل الظروف التي تعصف بنا ولابد ان نؤمن جميعنا بقول الله تعالى ( فإن مع العسر يسراً ) .

شارك الخبر

شاهد أيضاً

27 أبريل 1994م.. ذكرى إعلان الحرب على شعب الجنوب مقال: محمد الشعيبي

المكلا (حضارم اليوم) كتبه: محمد ناصر الشعيبي ذكرى إعلان الحرب على الجنوب 27 ابريل في …