المكلا ( حضارم اليوم ) متابعات :
صنعاء – لم تعد أزمة الوقود الحادّة القائمة في مناطق سيطرة المتمرّدين الحوثيين تمثّل، فقط، مظهرا للمصاعب التي يواجهها سكّان تلك المناطق في معيشهم اليومي، لكنّها تحوّلت إلى عنوان للخطر الذي يداهم هؤلاء السكان ويهدّد حياتهم، كون الوقود ليس ضروريا فقط لطهي الطعام وتسيير وسائل النقل وتشغيل الورشات، بل هو أيضا ضروري لتوليد الكهرباء اللاّزمة لتشغيل المستشفيات التي لا يحتمل الوضعُ الصحي القائم مع تفشي وباء كورونا توقّف أي منها عن العمل، كما أنّ الوقود أساسي في توفير المياه النظيفة إحدى أساسيات الوقاية من الوباء.
وتحوّل الحصول على قدر يسير من الوقود إلى معاناة يومية لسكان العاصمة صنعاء وغيرها من المناطق الخاضعة للحوثيين، حيث تصطف سيارات كثيرة أمام محطات البنزين منذ نحو شهر وسط معاناة من نقص حاد في المحروقات له تداعيات وخيمة على السكان بعد سنوات من الحرب المضنية.
وليست أزمة الوقود أمرا جديدا في اليمن الغارق في الاقتتال اليومي منذ 2014، لكن الأزمة بدأت تتضخّم مؤخّرا بينما يمر البلد الفقير بأسوأ أزمة إنسانية في العالم بحسب الأمم المتحدة، يفاقمها تفشي فايروس كورونا.
وتضع أزمة الوقود التي لا تكاد تغيب عن المعيش اليومي لليمنيين، سكان المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين أمام مفارقة أقرب إلى السخرية، حيث تذكّرهم بجذور المأساة التي يعيشونها منذ سنوات.
فقبل نحو ست سنوات انطلقت جماعة الحوثي المسلّحة من ذريعة مساندة احتجاجات شعبية على زيادة في أسعار المشتقّات النفطية أطلق عليها اسم “الجرعة السعرية” واضطرت حكومة الوفاق القائمة آنذاك إلى إقرارها تحت ضغط عجز مالي ومصاعب اقتصادية كبيرة، لتحتلّ الجماعة صنعاء وتصل بالبلد إلى حرب شاملة وانعدام شبه تام للمواد الضرورية والخدمات الأساسية.
وتتّهم الحكومة وتحالف دعم الشرعية المتمردين بالتسبّب في نقص الوقود في محاولة للضغط من أجل رفع الحصار المفروض عليهم، إلا أن الحوثيين يزعمون أن التحالف يمنع وصول الوقود إلى مناطقهم بهدف خنقهم اقتصاديا. ويجد المدنيون أنفسهم عالقين وسط تبادل الاتهامات يوميا، مع تحذير منظمات دولية من أن الوقود أصبح سلاح حرب.
وقال مدير منظمة أوكسفام في اليمن محسن صدّيقي لوكالة فرانس برس “قد يؤدي نقص الوقود الذي طال أمده إلى تعريض الملايين في اليمن لخطر الإصابة بفايروس كورونا المستجد والأمراض المنقولة بالماء مثل الكوليرا لأن الوقود ضروري لتوفير المياه النظيفة”. كما يؤثر شح الوقود على إنتاج الكهرباء وتشغيل المستشفيات وحركة النقل.
من المفارقات أن لا تؤثر أزمات الوقود والغذاء والدواء المتلاحقة على المجهود الحربي الكبير للحوثيين
وفي 26 يونيو الماضي حذّرت شركة النفط اليمنية الواقعة في مناطق المتمردين من أنّ مخزوناتها بدأت تنفد. وقالت الشركة في بيان إنّ التحالف يمنع منذ نحو ثلاثة أشهر 15 ناقلة على الأقل من تفريغ 420 ألف طن من الوقود والديزل في ميناء الحديدة بغرب البلاد والواقع في منطقة يسيطر عليها الحوثيون. ويقوم التحالف عادة بتفتيش السفن المتجهة نحو الحديدة لمنع تهريب السلاح إلى المتمردين.
وفي المقابل تنفي الحكومة المعترف بها دوليا احتجاز التحالف للسفن، وتقول إنّ الحوثيين افتعلوا الأزمة لممارسة الابتزاز، وفقا لوزير الإدارة المحلية عبدالرقيب فتح الذي يرأس اللجنة الوطنية للإغاثة في الحكومة.
وحذّرت جماعة الحوثي مؤخّرا من “كارثة صحية وشيكة” بسبب عدم توفر الوقود في مناطق سيطرة الجماعة. وجاء ذلك خلال مؤتمر صحافي عقده مسؤولون في حكومة الحوثيين غير المعترف بها دوليا، وحمّلوا خلاله الأمم المتحدة “المسؤولية الكاملة عن الكارثة الصحية والبيئية الوشيكة”.
واعتاد الحوثيون على استخدام الملفات الإنسانية والأوضاع الاجتماعية الصعبة للضغط على المجتمع الدولي وابتزازه، وأيضا لشنّ حملات على تحالف دعم الشرعية وتحميله مسؤولية تلك الأوضاع، لكنّ هيئات أممية تقول إنّ الأزمة الحالية بالغة الحدّة وإنّ أخطار وباء كورونا مضاعفة في اليمن بسبب قلّة الوسائل المادّية الضرورية لمواجهته.
وكثيرا ما يلفت متابعون للشأن اليمني أنّ الأزمات الحادّة بما في ذلك ندرة الوقود والأدوية والأغذية لا يظهر تأثيرها على الحرب التي يخوضها الحوثيون بشكل متزامن في عدّة مناطق من اليمن. ويثير ذلك شبهة احتكار الحوثيين للقسم الأكبر من الوقود الذي يدخل البلاد لتموين جهدهم الحربي والحفاظ على زخمه.
وقال فتح إنّ هناك 250 قاطرة وقود محتجزة عند مداخل مناطق سيطرة الحوثيين في البيضاء والجوف وتعز قادمة من مرافئ الشرعية، والحوثيون يمنعون دخولها لتفريغ حمولتها بحجة أنها ليست من نوعية جيدة.
وطالت تبعات أزمة الوقود مستشفى الثورة في صنعاء. وقال مدير المستشفى عبداللطيف أبوطالب إنّ الكهرباء لم تعد تصل بشكل منتظم، محذّرا من أنّ قسمي العناية الفائقة وغسيل الكلى قد يكونان الأكثر تضررا.
وأضاف “بسبب نقص الوقود، لم يعد الأطباء والممرضات يصلون بسهولة إلى المستشفى”، مشيرا إلى أنّ أسعار المعدّات والمنتجات اللاّزمة لعمل أقسام المستشفى باتت مرتفعة للغاية.
وأمام محطة وقود في صنعاء أكد رجل لوكالة فرانس برس أنّ هناك أشخاصا ينتظرون في صف طويل منذ ثلاثة أو أربعة أيام، مضيفا “شبعنا ظلما.. هذا حرام”. وفي الحديدة المطلة على البحر الأحمر أكدت فاطمة التي تعمل في أحد المراكز الصحية أنّها انتظرت ليومين في طقس حار وصل لأربعين درجة مئوية حتى تتمكّن من تعبئة خزّان وقود سيارتها.
وأوضحت “تركت سيارتي مساء وذهبت للمنزل، ثم عدت صباحا إلى المحطة لمتابعة الانتظار في صف السيارات”. أمّا هاني محمد وهو سائق حافلة نقل بين مدينة الحديدة وصنعاء، فقال إنه لم يعمل لأسبوعين ولذا اضطرّ لأن يشتري الوقود بسعر السوق السوداء ومضاعفة أجرة نقل المسافرين. ووصل سعر لتر الوقود في اليمن إلى 1200 ريال يمني أي ما يعادل دولارين وهو ثلاثة أضعاف السعر السابق.
وبعد يومين من الانتظار، حصلت هالة التي تعمل مدرّسة على 30 ليترا فقط من البنزين ضمن حصة ثابتة للجميع، لكنها قالت إنها واثقة بأن مسألة تخصيص حصة ضئيلة لا تنطبق على الجميع. وأوضحت “هذا لا يحدث مع المقرّبين من السلطات بالطبع”.
وصرّحت منسّقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في اليمن ليزا غراندي أنّ “الوقود اللاّزم للحفاظ على عمل المستشفيات وتشغيل محطات المياه وتشغيل أنظمة الري محتجز في السفن”، مضيفة “مشكلة السفن تفاقم الوضع الاقتصادي الذي يشبه بشكل مخيف ما رأيناه عندما كانت البلاد على حافة المجاعة قبل 18 شهرا”. كما ناشد مارتن غريفيث المبعوث الأممي إلى اليمن الأطراف اليمنية السماح للسفن بالدخول إلى ميناء الحديدة.