المكلا ( حضارم اليوم ) متابعات :
دفعت الآمال بين قوى وطنية عراقية إلى إعادة العراق إلى محيطه العربي بعد سنوات من “الاختطاف” الإيراني. خصوصا بعد الزيارة الناجحة لنائب رئيس الوزراء العراقي ووزير المالية علي علاوي، إلى السعودية وتبعتها الأخبار التي تتحدث عن زيارة قريبة لرئيس الحكومة مصطفى الكاظمي إلى الرياض، لكن هذه الآمال لم تنه الأسئلة الصعبة بشأن إن كانت السعودية قد أعدت فعلا إستراتيجية مؤثرة لكل ذلك.
لندن – تصاعدت من جديد الأسئلة بشأن خسارة السعودية لعمقها العربي في العراق على مدار ثلاثة عقود، مع الأخبار المعلنة عن زيارة قريبة لرئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي إلى الرياض.
لقد خسرت السعودية لبنان لصالح حزب الله المدعوم من إيران، لكن مواقفها على مدار السنين السابقة ومنذ إعادة السفير السعودي إلى العراق في عام 2015، تعمل على إعادة العراق إلى محيطه العربي بعد “اختطافه” من قبل إيران. إلا أن ذلك لم يحصل إلا بحدود غير مؤثرة إلى حد الآن، ويبدو أن الكاظمي يحمل مشروعا وطنيا عراقيا ينقذ البلاد من السطوة الإيرانية وهذا ما يمكن توقع دعمه من قبل الرياض.
وتبدو الرياض أمام اختبار ليس سهلا لإعادة العراق إلى محيطه العربي، بوجود ميليشيات وأحزاب سياسية في العراق تعلن جهرا ولاءها الى إيران والمرشد علي خامنئي، رافضة أي تقارب عراقي مع السعودية.
الكاظمي في الرياض
يعتزم رئيس الوزراء العراقي القيام بثلاث زيارات خارجية خلال الأسابيع القليلة القادمة تشمل طهران والرياض وواشنطن، حاملا بضع أولويات إلى جميع الاتجاهات.
مصطفى الكاظمي يحمل مشروعا وطنيا عراقيا ينقذ البلاد من السطوة الإيرانية
ووفقا لمصادر رسمية وأخرى سياسية فإن زيارة طهران ستسبق زيارتي الرياض وواشنطن، حيث يأمل الكاظمي أن يحدد ملامح الموقف الإيراني الحقيقي من حكومته وسياساتها في المرحلة المقبلة.
وذكرت مصادر سياسية في بغداد أن الكاظمي سيزور الرياض في غضون الأسابيع القادمة، لفتح صفحة جديدة من العلاقات الاستراتيجية بين البلدين عمادها الاقتصاد.
وسيحمل الكاظمي إلى العاصمة السعودية سلسلة ملفات، منها الربط الكهربائي والاستثمار في قطاعات الزراعة والنقل والبتروكيمياويات وغيرها.
ووفقا لمراقبين، سيتعين على الكاظمي أن يقدم نفسه شريكا قويا للسعوديين يرغب في تأسيس تفاهمات ثابتة تنهي مرحلة التقلب في العلاقات بين البلدين منذ عقود، ويضع حدّا للأصوات الميليشياوية العراقية المتطرفة التي تدفع إلى تفجير الأوضاع بين بغداد والرياض.
ويرى السعوديون أن هناك فرصا لبناء علاقة أفضل مع العراق، لكن لكي يفعلوا ذلك يحتاجون إلى تجنب المكاسب قصيرة المدى ووضع استراتيجيات طويلة الأمد.
وكانت هناك الكثير من التكهنات حول رغبة الرياض في تحسين العلاقات مع بغداد – منذ إعادة تأسيس العلاقات الدبلوماسية الكاملة في عام 2015 – ليس فقط على المستوى الاقتصادي، بل كان الأهم من ذلك سحبها من التأثير الإيراني.
لقد رحبت الرياض من قبل برجل الدين الشاب مقتدى الصدر في زيارة إلى مكة والرياض عام 2017، وتمت استضافته في موسم حج مع كبار المسؤولين السياسيين، واستقبله ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مثل أي سياسي رفيع المستوى، لكن الرياض لم تجد فيه غير رجل بأهواء طائفية متذبذب بين الوقوف ضد إيران والسقوط في شباكها.
ووصف دبلوماسي خليجي الصدر آنذاك بأنه “عقل قبوري” ليس إلا، ولا يمكن التعويل عليه في العمل على إعادة العراق إلى محيطه العربي، مشيرا إلى أن أهم مطالب الصدر من الأمير محمد بن سلمان كانت تتلخص في بناء مقبرة البقيع في المدينة المنورة التي يعلن الشيعة أن عددا من الأئمة دفنوا فيها.
إيران تتحرك بشكل استباقي لقطع طريق العراق نحو بناء أي تفاهمات في ملف الكهرباء مع السعودية
ورحبت السعودية أيضا بزيارة الرئيس العراقي برهم صالح واستقبله العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز عام 2018، كما استقبل بعده رئيس الوزراء السابق عادل عبدالمهدي في عام 2019، وتم التوقيع على 13 اتفاقية في مجالات تشمل التجارة والطاقة والتعاون السياسي، إلا أن عدم قدرة الرئيس العراقي في التأثير قللت من أهمية التعاون معه، بينما سقط عادل عبدالمهدي في الشباك الإيرانية وفتح مؤسسات الدولة العراقية أمام الميليشيات المدعومة من إيران، وكان ذلك أحد أهم الأسباب التي أسقطت حكومته في انتفاضة شعبية انطلقت في المدن العراقية نهاية العام الماضي.
وبدت زيارة نائب رئيس الوزراء العراقي ووزير المالية علي علاوي، للسعودية، بداية صفحة جديدة يفتحها الكاظمي مع الشقيق العربي.
لذلك تتحرك طهران بشكل استباقي لقطع طريق العراق نحو بناء أي تفاهمات في ملف الكهرباء مع السعودية، وفقا لما كشفته زيارة وزير الطاقة الإيراني رضا أردكانيان والوفد المرافق له إلى بغداد في شهر يونيو الماضي، حيث التقى عددا من كبار المسؤولين، بينهم رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي ورئيس الجمهورية برهم صالح.
وجاءت زيارة الوفد الإيراني بعد الأجواء المبشرة التي عبرت عنها زيارة المبعوث العراقي الخاص، وزير المالية علي علاوي، إلى السعودية، ، بشأن إمكانية التعاون الوثيق بين بغداد والرياض في مجالات الطاقة والاقتصاد.
العودة إلى بغداد
علي علاوي مهد لزيارة الكاظمي إلى الرياض
لا يعتقد المراقبون أن السعودية تمتلك فرصة لإعادة العراق إلى محيطه العربي بشكل مستدام ما لم تتبن نهجا جديدا. على سبيل المثال، بلغ حجم التجارة بين السعودية والعراق في عام 2016 ما قيمته 0.6 مليار دولار، في حين بلغت التجارة السنوية بين العراق وإيران حوالي 12 مليار دولار.
مع ذلك يبدو أن القيادة السعودية، وخصوصا ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، عازمة على إعادة علاقتها مع بغداد إلى وضعها قبل عام 1990، وتقدر أن الطريقة الوحيدة للقيام بذلك بشكل فعال هي اعتماد استراتيجية جديدة. ومع ذلك، هذه ليست مهمة سهلة، نظرا لتعطل العلاقات الدبلوماسية بعد احتلال الكويت في أغسطس 1990، وعلى النقيض من ذلك، تفوز طهران بأسبقية مدتها سبعة عشر عاما على الرياض. واستندت السياسة الإيرانية في العراق بين عامي 2003 و2005 إلى حد كبير على دعم زعماء شيعة متطرفين وأحزاب شيعية، فضلا عن جيش من الميليشيات المسلحة في العراق التي تعلن ولاءها لإيران والوقوف بوجه أي تقارب مع السعودية.
ويعزو مراقبون سياسيون أهمية بغداد بالنسبة للرياض إلى خسارة السعودية لبنان لصالح إيران، وتضاؤل نفوذها في سوريا، والتكاليف الباهظة التي تكبدتها الحرب التي تقودها ضد الانقلاب الحوثي المدعوم من إيران في اليمن.
وأصبح من المنطقي الآن جعل العراق دولة ذات أولوية – بالنظر إلى أهميتها الإقليمية – لاسيما وأن الوقت ظهر مناسبا لمحاولة إبعاد بغداد عن طهران.
ومع ذلك، إذا أرادت الرياض أن تكون لديها أي فرصة لتحقيق تقدم مستدام، فسوف تحتاج إلى تطوير استراتيجية أوسع لدعم جهودها، بدلا من اتباع نهج مجزأ يعتمد على الفرص المارة.
ويمنح ضخ الأموال في حقل عكاز للغاز في مدينة القائم غرب العراق والاستثمار في حقل رطاوي للغاز في البصرة، ومشروع للطاقة الشمسية بمحافظة الانبهار، الرياض فرصة للاقتراب أكثر من حكومة بغداد الجديدة.
ومع ذلك، يجب أن يكون النهج مصحوبا باستراتيجية طوارئ تشمل تقدير أن نفوذ إيران، الذي يتغلغل في العديد من المؤسسات الحكومية وغير الحكومية، من غير المرجح أن ينحسر على المدى المتوسط، وأن تقديم الدعم السياسي والمالي إلى رجال الدين فقط سيحد بشدة من الجهود الرامية إلى تنمية العلاقات العميقة، بل ومن المرجح أن يأتي بنتائج عكسية.
وتحتاج الرياض إلى الاعتراف بأنها تواجه مشروعا طويلا يتطلب الثبات والصبر الاستراتيجي، وهو نهج متعدد الأبعاد يعطي الأولوية للأهداف طويلة المدى على حساب المكاسب قصيرة المدى من خلال الاستثمار في العلاقات عبر الأطياف السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
وبدلا من تخطيط مدته خمس سنوات، يجب أن ينصب الجهد على استراتيجية تمتد على ربع قرن، تركز على التمويل والتجارة والبناء والتنمية والتعليم والعلاقات بين الشعبين. وسيعطي ذلك، على الأقل، الرياض فرصة لتغيير ليس فقط طبيعة علاقاتها الثنائية مع بغداد، ولكن أيضا لتغيير طبيعة التفكير السياسي في منطقة الخليج التي اتخذت مسارا متراجعا منذ عام 1990.
الأمير محمد بن سلمان عازم على إعادة علاقة الرياض مع بغداد إلى وضعها قبل عام 1990
لا توجد مكاسب سهلة
يعترف سياسيون سعوديون بعدم وجود مكاسب سهلة تلوح في الأفق بالنسبة للسعوديين، ولا توجد نقاط دخول سهلة لتحويل حسن النية إلى رأس مال سياسي يمكن إنفاقه.
ويصعب التنقل بين الهياكل السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية في العراق، التي تم تشكيلها في حقبة ما بعد 2003، والتي تم تحديدها بشكل جزئي من خلال المنافسة الشديدة بين الولايات المتحدة وإيران، وتفتقر السعودية إلى القدرة على إيجاد طريقها.
وتدرك السعودية أن هناك القليل من التماسك السياسي بين المؤسسات السياسية والأمنية والمالية المكبلة بالفساد في العراق، وحتى وإن وجد، غالبا ما يتم اختراقه من قبل مصالح الجهات الفاعلة من قبل الأحزاب والميليشيات. وبينما تعب جيل الشباب العراقي بشكل واضح من نظام المحاصصة الطائفية والفساد الذي استشرى حوله، لا تزال القوى السائدة في البلاد، بشكل عام، تختبئ خلف طبقة النخبة، التي يخدمها الوضع الراهن.
وستحتاج الرياض إلى القيام بأكثر من مجرد تغيير صورتها لإقناع العراقيين بأنها ملتزمة بإعادة العلاقات الهادفة، وهذا يعني الاستثمار في المشاريع التي تؤثر على حياة جميع العراقيين.
وتكمن وسائل القيام بذلك في تعميق الروابط التجارية، إلى ما هو أبعد من توقيع مذكرات التفاهم، والاستثمار في جهود إعادة الإعمار في بلد دمرته سنوات من الحرب.
ويتمثل المجال الرئيسي للمساعدة في تزويد العراق بالكهرباء الذي يشهد لديه نقصا كبيرا، وهو مصدر مشترك للإحباط لجميع العراقيين، والسعودية مجهزة بشكل جيد للقيام بذلك.
وتعتمد بغداد حاليا على 1200 ميغاوات من الكهرباء المستوردة من إيران لتغطية جزء من هذا النقص. لكن السعودية أشارت إلى أنها تعتزم بيع الكهرباء من محطة للطاقة الشمسية بقدرة 3 غيغاوات بالقرب من الحدود مع العراق.
وعلى المدى الطويل، يمكن للرياض أن تدفع هيئة الربط الكهربائي لدول مجلس التعاون الخليجي للاتصال بمنصة التجارة الكهربائية الإقليمية العربية وتعويض النقص في العراق بشكل دائم. ومن خلال دول مجلس التعاون الخليجي، وقعت السعودية وحلفاؤها بالفعل للمساعدة في توفير 1 غيغاواط عبر الكويت إلى البصرة.
ويمكن لاتفاقية منفصلة أن تجعل السعودية ترسل كمية كهرباء إضافية عبر شبكتها في منطقة عرعر في غضون عام. كما يمكن أن تؤدي هذه المشاريع إلى قيام السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي بتزويد 10 في المئة من الطلب على الكهرباء في العراق وبذلك تساعد على إرساء علاقة طويلة الأمد.
وتحذر قوى وطنية عراقية من أن استثمار إيران طويل الأجل في العراق يعني أنها ستبقى الفاعل الخارجي المسيطر في المستقبل. لكن استراتيجية سعودية جديدة ستعطي الرياض على الأقل الفرصة لزراعة ورعاية علاقة تؤتي ثمارها في المستقبل. وهنا ترتبط اللعبة بالتوقيت، حيث يأتي هذا الالتزام وبناء العلاقات في الوقت الذي يضغط فيه الشباب العراقي من أجل التغيير بعد أن سئم من النفوذ الإيراني.
وسيكون التحدي الذي تواجهه القيادة السعودية هو التوفيق بين الحاجة الفورية إلى التحقق من النفوذ الإيراني (في وقت تتراجع فيه الولايات المتحدة عن دورها القيادي في منطقة الشرق الأوسط) واتباع سياسة ضبط النفس من أجل لعب اللعبة الطويلة.