في معظم مجتمعاتنا العربية، تحتل البيروقراطية وأولئك المتشبثون بالموروث التقليدي في تصريف شؤون الحياة والأدب والسياسة والأعمال، مكاناً صلباً، بل وتتحكم أحياناً كثيرة في مجالات تحتاج إلى غربلة وتغيير جذري. إنهم يعلمون أن الأرض ستنزلق من تحت أقدامهم إذا حدث ذلك، من هنا نفهم سبب محاربتهم لكل جديد أو كل مجدد.
في كل الأزمنة تعرّض المجددون في كل المجالات للإقصاء والهجوم: في الفن، في التربية، الأدب، العلاقات الاجتماعية، دور المرأة، ريادة الشباب، النظرة لأخلاقيات العمل، التوفيق بين الأخلاق والماديات.. وغيرها، ولأن مجتمعاتنا لا تزال تنصت للصوت البيروقراطي التقليدي، فإن الأمور فيها لا تزال خاضعة لأحكام القيمة: هذا صحيح مطلق (من وجهة نظر البعض) نقف معه، وهذا خطأ مطلق (من وجهة نظرهم أيضاً) علينا أن نقصيه ونحاربه!
إن معظم أحكام القيمة هذه مبنية على مقاييس وضعها أشخاص ذات يوم، ومع مرور الزمن تحولت إلى معايير ذات قداسة يجب أن يحتكم إليها الجميع، بل ويجب حمايتها ومعاقبة من يخرج عليها. إن حراس هذه المعايير، غير المكتوبة، هم الذين يجدون في كل ظاهرة جديدة أمراً يخلخل الأرض تحت أقدامهم، ويفقدهم الكثير من هالة المكانة التي صنعوها أو صنعتها لهم تلك الأحكام! حدث مع بدايات ظهور مواقع التواصل، وهجرة الإعلام إلى فضاء الإنترنت، أن أسس الشباب لأنفسهم قنوات ومدونات وصحفاً ومواقع إلكترونية، حيث وجدوا في ذلك الفضاء فرصة لإبداعاتهم وإطلاق آرائهم وأصواتهم، وذلك عندما لم يفسح لهم الإعلام التقليدي الطريق للحضور فيه، نظراً لاختلاف مرئياتهم وأفكارهم وأصواتهم، والتقليديون بشكل عام لا يرحبون بالصوت المغاير والرأي المختلف، لذلك هاجموا أولئك الشباب في فضائهم الجديد، وأطلقوا أحكام الصواب والخطأ عليهم، ولا يزالون، وهذا بالتحديد ما يعرقل مشروعات الحداثة والإبداع والمغايرة لدى معظم شباب العرب.