الرئيسية / أخبار محلية / الحاجة إلى التغيير في الجامعة

الحاجة إلى التغيير في الجامعة

عدن (حضارم اليوم)كتبه / أ.د. فضل الربيعي                 

تتبوأ الجامعة منذ قدم الزمان مكان الصدارة في المجتمعات، إذ تعد مركز إشعاع لكل جديد في الفكر والمعرفة، بل وهي المنبر الذي تنطلق منه أفكار العلماء وتتبلور فيها آراء المفكرين الأحرار ورواد التنوير والتطور والتغيير. كما تتضمن رسالة الجامعة في الوقت الراهن بحثها ومتابعتها لمسيرة الفكر الإنساني والاستفادة من كل جديد في مجال العلوم والمعارف، واستثمارها الأمثل لتوظيف طاقات المنتسبين للجامعة من أساتذة وطلاب في سبيل خدمة للمجتمع.
لذا فقد أصبحت الجامعة ضرورة أساسية من ضرورات حياة المجتمعات المعاصرة وتطورها، وتتمثل هذه الضرورة في التحول الذي لابد ان يصاحب برامجها الاستراتيجية ووظائفها ومستوى انتشارها، وتحتل الجامعة دور أساسي وملح في مواجهة تحديات العصر ومتطلباته من خلال نشر المعارف وتوسيع افاقها وبرامجها وتخصصاتها التي تستقبل الأجيال الشابة لتواكب عملية التحديث والتطور العالمي في مجالات العلوم المختلفة، لذا فالجامعة تُعد أداة للتنمية والتطور من خلال ارتباطا الوثيق بالمجتمع ، وتقدم له الخدمات المختلفة التي يحتاجها بواسطة عملية إنتاج المعرفة التي ينهل منها جيل الشباب لبناء قدراتهم العلمية والعملية والفنية .
يمكن القول ان النظرة التقليدية للجامعة قد تغيرت اليوم، إذ لم تعد محصورة بالأبعاد التعليمية والبحثية فحسب؛ بل تتسع أبعادها لتشمل خدمة المجتمع وتطلعاته والمساهمة الفاعلة في حل المشكلات التي يواجها المجتمع والتي تفرزها عملية التغيرات الاجتماعية والثقافية والعلمية والسياسية على المستويين المحلي والعالمي.
من هنا فقد أصبحت الجامعة أرقي واهم مؤسسات المجتمع الحديث بوصفها تنطوي على قدر كبير من الخصائص العلمية والسياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، بما يجعلها مؤسسة شاملة وراقية تتجاوز كونها مؤسسة لاكتساب المهنة؛ بل تساهم بفعالية في عملية التغيير المجتمعي وذلك من خلال خريجيها من جيل الشباب الذين يحملون مشروع التغيير في المجتمع، إذا ما تشبعوا بمعاني الحرية والفكر العلمي وزودوا بالمعارف العلمية والعملية التي تمكنهم من رفع قدراتهم في تحليل وتفسير ومعالجة المشكلات الاجتماعية في المجتمع والنهوض والارتقاء به نحو التحول الإيجابي.
وعليه فقد اتسعت وظائف الجامعة اليوم ، الامر الذي يلزمها الخروج من دائرة الرتابة وعقم التقاليد لتشمل نشاطها المجالين المجتمعي والمعرفي (العلمي) ففي المجال المعرفي تقع عليها مسؤولية كبيرة  تتضمن المتابعة والتفاعل والتواصل المستمر مع احدث منجزات العلم على المستوى العالمي والا ستفاده منها في التجديد والتطوير المعرفي ، اما في المجال المجتمعي فيتصل دورها هنا في تصدر المشهد الريادي  والتنويري في معالجة الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في المجتمع الذي تتواجد فيه ، ففي هذه الحالة يؤدي التعليم الجامعي دور حيوي بوصفه اداه جماهيرية فعالة قادرة على التغيير الاجتماعي والثقافي والسياسي في المجتمع .
إن تلبية الاحتياجات العاجلة للمجتمع وتوجهه نحو المستقبل، تعد من أولى مهام المؤسسة الجامعية التي تسهم بفعالية وبصورة علمية ومنهجية في تشكيل بنية الوعي الاجتماعي والثقافة النقدية التي تتجه نحو تقييم وتقويم أوضاع المجتمع وتقديم الروى والبدائل العلمية في معالجة مشكلات المجتمع.
إن كل ما ذكرناه أعلاه يمثل الصورة المثالية التي ينبغي ان تكون عليها الجامعة، إلا أن الملاحظ لبرامج التعليم العالي في جامعاتنا الوطنية ما زالت بعيده كل البعد عن هذه الصورة، إذ لم تكون جامعاتنا وسيلة للتغيير الاجتماعي والثقافي بل هي على العكس من ذلك، إذ نجد نمطية التعليم والإدارة فيها تعمل على إعادة صياغة الفكر دون تغييره، بمعنى أخر تسهم في تكرر أنتاج السائد أكثر من توجه الفكر نحو استكشاف الجديد ، وهو النمط من التعليم لا يخدم الفكر ولا يتجه نحو إنتاج عقول تفكر. لاحظوا ان سياسات القبول في جامعاتنا تعتمد اقل المعدلات لدخول الطلاب الأقسام والكليات الاجتماعية والإنسانية وعلى وجه الخصوص كليات الآداب والحقوق والتربية مثلا والتي يقع على الأخيرة مسؤولية إعداد الطلاب في مرحلة التعليم ما قبل الجامعة بوصفهم مدخلات الجامعة ومن ثم فان النظرة إلى إشكالية التعليم الجامعي لابد أن ترتبط بالتعليم الأساسي والثانوي بصفة عامة.
كما ان طرق ووسائل التعليم مازالت تعتمد على أسلوب التلقين وهذا أسلوب مكرس ليس في المرحلة الثانوية فحسب؛ بل في الجامعة أيضا.   إذ تخلوا البرامج التعليمية من فكرة الاعتماد أو تبني الأسلوب الحواري والفكري في التعليم الذي يدفع الطلاب نحو عملية الابتكار والتجديد والقدرة على المبادرة وإبداع الحلول غير المسبوقة للمشكلات والظواهر الاجتماعية التي يعاني منها مجتمعنا.  
مازالت كثير من برامج التعليم في جامعتنا تركز على المحتوى التقني النفعي، على حساب التفكير الإبداعي العقلاني، فمثلا نلاحظ حصر الاهتمام بالأقسام والمواد العلمية والتقنية-رغم أهميتها وحاجتنا لها – حيث يتجه الطلاب المتميزين نحو هذه التخصصات بدرجة أساسية، وهذا اتجاه يبدأ من تفضيلهم للمواد والتخصصات العلمية في المرحلة الثانوية.
وعلية فإن سياسات التعليم العالي المتبعة في الجامعة تحد من إمكانيات التفكير لدى الطلاب، وذلك من خلال إقصاء المواد المحفزة على التفكير كالعلوم الاجتماعية والإنسانية، وعدم إدراجها ضمن متطلبات الجامعة ، كما هو متبع في الجامعات الراقية في مختلف بلدان العالم،  ولنا أن نتساءل هنا عن غياب المواد الاجتماعية كمتطلب جامعي مثل التربية الوطنية والفلسفة وعلم الاجتماع؟؟
فالتعليم الحقيقي الذي نحتاجه اليوم هو ذلك التعليم الذي يقوم أساسا على تحريك قدرات الطالب الذهنية والإبداعية، إلى جانب اهتمامه بالتربية البدنية، والفنية والعلاقات الاجتماعية، فكثيرا ما نجد الطالب المتفوق في دراسته، لا يجيد فن التواصل وخلق العلاقات الاجتماعية مع الاخرين، وقد يكون الطالب متميز في فترة الدراسة، فإذا م تخرج لم نجد له أي أكثر واضح أو فكر إبداعي متواصل، أو اثر مجتمعي في علاقاته وقدرته في التأثير على الاخرين، بل نجده يتحول إلى مجرد موظف في أحسن الأحوال.
ربما تكون برامج وطرق التدريس والتقويم الجامعي احد أسباب هذه الحالة عند الطالب، على الرغم من كثرة المؤسسات التعليمية وما ينفق على التعليم والتسارع في انشأ الجامعات وبناء المدارس وتعدد الوزارات المعنية بشؤون التعليم ،فضلا حركة الاستثمار النشطة التي دخلت مجال التعليم في بلادنا كالمدارس الخاصة والجامعات الأهلية المنتشرة في حواري المدن وحتي في الأرياف والتي تفتقر إلى ابسط الشروط اللازمة لإنشائها  وعدم التزامها بالمناهج التعليمية وشروط التوظيف واختيار المعلمين فيها، مع كل مؤشرات اتساع مؤسسات التعليم وما ينفق عليها الا انها لم تحدث أي نقلة نوعية في مجال التعليم كما هو ملحوظ.
وعليه نرى ضرورة إعادة النظرة في برامج التعليم الجامعي وربطها مع متطلبات المجتمع المادية والمعنوية، وتوجيه الأبحاث التي يقدمها طلاب الدراسات العليا في الجامعة في اتجاه تطوير المجتمع ومعالجة مشكلاته المختلفة.  
وربط الطالب الجامعي بواقع مجتمعه، حيث نجد برامج التعليم تحشو الطالب  بمعارف اما ان تكون ذات طابع تاريخي وصفي تلقيني في علوم شتى، وإما جديدة لا يرى لها صلة بواقعه، ولهذا نجد كثيرا من الرسائل العلمية لطلبة الدراسات العليا في العلوم الاجتماعية تتناول مشكلات تاريخية، أو بحث مشكلات بعيدة عن الواقع الراهن ويمكن لمن يتأكد عليه زيارة مكتبة الدراسات العليا في جامعة عدن ليطلع على كشاف الرسائل والاطاريح العلمية لطلبة الدراسات العليا وأعضاء الهيئة التعليمية وسيلاحظ ان اغلب الأبحاث تتناول سيرة الشعراء والأدباء  والمورخين الذي عاشوا في قرون ماضية أو تلك التي تتناول بعض الأوضاع الاجتماعية والسياسية في زمن المماليك أو في مجتمعات أخرى، ومنها تلك الأبحاث المقدمة من بعض أعضاء الهيئة التعليمية اثنا دراستهم العليا في الخرج  مثلا التقويم النفسي لجنوح الأحداث في بلغاريا أو تسرب التلاميذ من التعليم في روسيا أو الحركة العمالية في نيكاراجوا أو الدمقرطة في المانيا وغيرها من هذا النمط، وهي غير مترجمة أيضا . في تقديري ان الطالب أو الباحث في الدراسات العليا قد لا يجد تحفيزا وتشجيعا على دراسة الظواهر في مجتمعه اما بسبب غياب التوجيه من قبل مدرسيه والهيئة التعليمية في الجامعة ، وأما بسبب التخلف الإداري والتقني في المجتمع بعامة.
نرى من الأهمية بمكان إعادة النظر في برامج الدراسات العليا التي تتخذ كوسيلة للحصول على الشهادة بالنسبة للطالب أو المكافئة المالية بالنسبة للمشرف العلمي. وهناك إشكالية أخرى تتحدد في التناقض بين طبيعة الأدوار الذين يقوم بها بعض من أعضاء الهيئة التعليمية وتخصصاتهم العلمية حيث نجد مثلا عميدا لكلية ما، بينما تخصصه بعيد كل البعد عن التخصصات المتواجدة في الكلية على سبيل المثال متخصص في الحقوق  ويشغل عميد لكلية التربية ، وهناك من يقوم في تدريس مواد تخصصية خارج تخصصاتهم العلمية ليس لمبرر الضرورة ولكن لغياب المعايير العلمية في التعيين وتوزيع المدرسين التي تأخذ اعتبارات أخرى لا علاقة لها بالمعايير الاكاديمية .
فهل يحق لنا ان نسأل عن وضع التعليم في الجامعة؟ وهل آن الأوان للمراجعة الجدية ببعديها العلمي والموضوعي؟؟  هنا سنصل إلى مسلمة تدعونا للتغير في هذه المؤسسة.

كتبه / أ.د. فضل الربيعي_ أستاذ علم الاجتماع / كلية الآداب / جامعة عدن

شارك الخبر

شاهد أيضاً

ضبط متهما بجريمة قتل في مأرب اليمنية

المكلا (حضارم اليوم) خاص ضبطت شرطة محافظة مأرب اليمنية متهما بجريمة قتل عمدي يدعى (ح،ي،أ) …