موجع ما يفعله ماضغي حضرموت من استهلاك لها في معتركات التاريخ السياسي. موجع بمفاعيل الفراغ الذي لا يصنع شيئاً ذا وزن وقيمة في سياق طواحين هواء تعبر علينا لتوجعنا ليس إلا.
في سياق ما تم توقيع مسودة اتفاق الرياض بين المجلس الانتقالي الجنوبي والحكومة اليمنية، وقعت المسودة وانتهى الأمر وبدأت مرحلة التهيئة لتوقيع الاتفاق، وما بين المسودة وبين حفل التوقيع أحد عشر يوماً كانت فيه حضرموت بين أفواه فارغه تمضغها.
اتساءل بعد كل هذا الانجرار خلف أوهام الأقلمة والمشاريع الصغيرة لماذا يفعلون ذلك بحضرموت؟، ولماذا الآن؟، ومتى يجب أن نتعلم كيف تكون السياسة وأبوابها؟، أسئلة موجعة لأنها ترسلنا إلى سنوات من مضغ لم تأتي بهضم.
شيخان الحبشي وعبدالله الجابري والعطاس والبيض وبن حسينون وباذيب وغيرهم الكثيرين أدركوا أن لا فائدة مع ماضغي حضرموت وأن خوض غمار عدن مسألة لا خيارات معها، فالكتلة البشرية الحضرمية لا تقبل في ذاتها التباينات الايدلوجية السياسية، ويصعب على سيكلوجية الإنسان الحضرمي أن تكون براغماتية في السياسة التي تتطلب تكتلات صلبة ومناورات عنيفة والأشد قبولاً بوقائع التاريخ والجغرافيا.
من الأباطيل أن يعتقد الحضارمة أن بلادهم تسبح فوق محيط من النفط، وأن جبالهم مصنوعة من الذهب، وأن غازهم يزاحم الأكسجين في الهواء، وأن موانئهم تتقاتل عليها البوارج الحربية للحصول عليها، هذه من الأباطيل والخزعبلات فحضرموت شأنها شأن السياق الجغرافي الشحيح بالثروات والفارق أن في حضرموت إنسان يحمل هوية تاريخية أعمق من كل ما عرفته جزيرة العرب كلها.
يخلق الحضرمي وهو يشعر أن الأمم والشعوب تريد أن تغزو بلاده وتنهب ما فيها، فطرة ينشأ عليها الحضارمة لا تمت لواقع الحياة، فالطبيعة وحدها تحدد الصراعات وتفرض الوجود وليس الإشعار الباطني بالمخاوف والحواجز الغير موجودة، وعلى ذلك يكون الحضارمة في سياقهم نافرين عن ممارسة السياسة وكذلك الإعلام لخشيتهم من سطوة غير موجودة إلا في ذواتهم.
بعد نصف قرن كسرت حضرموت أكذوبة من الأكاذيب بامتلاكها قوات النخبة، وحظيت برعاية إماراتية وبمباركة دولية في مكافحة الإرهاب، هذه حقيقة دفع ثمنها رجال صدقوا في حبهم لبلادهم الحضرمية بقرار سياسي جاء به أبنهم خالد بحاح أثناء ما كان في السلطة، وتحمل فرج البحسني المهمة العسكرية فكانت هذه هي الحقيقة التي تملكها حضرموت.
احتملت الحقيقة مسؤولية الاحتفاظ عليها وارتقت أحلام القابضين عليها على أن تبسط النخبة نفوذها على كامل الوادي الحضرمي، مازالت هذه هي هواجس العارفين أما الماضغين فيأتونك في حين غرة ليخرجوا لك من فراغهم وبعد أن أغلقوا دكاكينهم ليرددوا شعارهم الفارغ (حضرموت لا جنوبية أو شمالية) في استهلاك لأوقات الفراغ وليس لاستثمار في الحقيقة.
يحدثونكم عن الأقاليم أخبروهم أن دماء حضرمية سقت تراب المكلا لتحريرها من خفافيش الشر عطرت الأرض من أجل حضرموت وليس الأقاليم، يحدثونكم عن الأوهام وحدثوهم عن الحقيقة الدامغة وقولوا لهم هاتوا من قصر الرئاسة قراركم الجمهوري بقيامها فحتى الدستور داسته مجنزرات الحوثيين ولم تعرف معنى للحياة.
حضرموت ليست مرجعيات من عصور الجاهلية الأولى تقود أهلها كالقطيع، حضرموت قضية نضال لم تنتهي عند الفارغين فالمعركة أن تكون الدولة كلها من عدن إلى الغيضة بأسمها وتحت سمائها، هذه هي القضية التي نعرف عناوينها في عيون أمهات وأخوات وبنات الشهداء، قضية معمدة بدماء وعدت فصدقت.
يعرفون كيف يستدعون حضرموت ليمضغونها ولكن لا يعرفون أن مئات الآلاف من البيوت تعيش على كفاف يسترهم، لسنا شعب الله المختار بل نحن شعب من شعوب تعيش المأساة المضاعفة علمتنا السنوات الأخيرة أن الشهيد عزيز عند أرضه أكثر مما تعتقدون فكلما مضت أيام الشهداء كلما زادوا في أرضهم الأنتماء.
حضرموت ستظل توجعنا حتى يتوقف الوجع تحت ترابها، نحبها ونجلها ونكرمها عن كل ماضغوها ونخاسوها فهي الكريمة والعزيزة وهي الدولة التي ستكون على حدود الجزيرة من عدن للمهرة فهذا ما تستحق وأن كان وجعاً فيها فهي تستحق.