(حضارم اليوم) متابعات
بدأ المحتجون في التجمع في مدينة الصدر في بغداد مساء الاثنين 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2019، بعدما امتدت الاشتباكات مع قوات الأمن إلى الحي الفقير في العاصمة العراقية، للمرة الأولى في أحداث خلّفت 15 قتيلاً. ورفعت المواجهات التي دارت في ساعات الليل عدد قتلى الاضطرابات المستمرة منذ أسبوع إلى 110، معظمهم يطالبون بإقالة الحكومة وإصلاحات تشمل نخبتها السياسية.
توسع نطاق التظاهرات
ويشكل امتداد العنف إلى مدينة الصدر منذ مساء الأحد، تحدياً أمنياً جديداً للسلطات التي تتعامل مع أسوأ اضطرابات تشهدها البلاد منذ دحر تنظيم داعش قبل حوالى عامين.
وعلى مر التاريخ، كان من الصعب إخماد الاضطرابات في مدينة الصدر التي يقطنها حوالى ثلث سكان بغداد، البالغ عددهم ثمانية ملايين نسمة، يعيشون في أزقة ضيقة تفتقر إلى البنية التحتية ومشاريع إمداد الكهرباء والماء، ويعاني كثيرون منهم من البطالة.
وكانت الأمور أهدأ يوم الاثنين، وسحب الجيش العراقي قواته وسلم مهمة متابعة الوضع الأمني في المدينة إلى الشرطة الاتحادية، في دلالة على أن السلطات تريد تجنب الاشتباك مع مؤيدي رجل الدين المعارض القوي مقتدى الصدر، الذي طالب الحكومة بالاستقالة.
وأبلغ أحد سكان مدينة الصدر وكالة “رويترز” بأن “الشوارع كانت هادئة في ساعات نهار الاثنين، وتفقد مسلحون محليون الأضرار وانتشرت الشرطة في أحياء المنطقة”.
كسر الهدوء
الاضطرابات التي تفجّرت خلال الأسبوع الماضي أنهت فجأة هدوءاً نسبياً على مدى عامين، لم يشهده العراق منذ سقوط صدام حسين عام 2003. ويقول كثير من العراقيين وخصوصاً الشباب، إن “استشراء الفساد في أروقة الحكومة يحرمهم من الاستفادة من عودة الاستقرار بعد سنوات الاحتلال الأجنبي والاقتتال الطائفي”.
وانتقد كثيرون رد فعل الحكومة العنيف في مواجهة الاحتجاجات، ويقولون إن ذلك “أجّج الغضب الشعبي”.
الانترنت تعود لساعات
وشاهد صحافيو وكالة “رويترز” مقتل وإصابة محتجين برصاص قناصة من قوات الأمن كانوا يطلقون النار على الحشود من الأسطح، على الرغم من أن وزارة الداخلية تنفي أن تكون القوات الحكومية قد أطلقت النار مباشرة على المحتجين.
وانقطعت خدمات الانترنت على مدى أيام ما أسهم في تأجيج الاستياء والغضب الشعبي. وعادت تلك الخدمات لبضع ساعات مساء الاثنين ونشر البعض تغطية للاحتجاجات الأخيرة على وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تتوقف الخدمة من جديد.
وقال جاسم الحلفي نائب كتلة مقتدى الصدر الذي يقاطع جلسات البرلمان، إن “الحملة الأمنية وانقطاع الانترنت يؤججان الغضب العام ولن يسهما في تهدئة الوضع”.
وأضاف قائلاً إن “ذلك لن ينجح” وإن “السياسيين غير قادرين على تلبية طلباتهم”.
استنكار رئاسي
ودان الرئيس برهم صالح الهجمات على المحتجين ووسائل الإعلام ودعا إلى “فتح تحقيق في وقائع العنف”.
وقال في كلمة متلفزة “ما حدث من استهداف للمتظاهرين السلميين والقوات الأمنية بالرصاص الحي ومن استهداف للإعلام والإعلاميين غير مقبول في العراق الذي ارتضيناه وتعاهدنا على أن يكون ديمقراطياً تُراعى فيه الحقوق والحريات ويلتزم فيه الجميع بالدستور… السلطة قبل المواطن”.
وأضاف “أؤكد من موقعي كرئيس للجمهورية أن على أجهزتنا الأمنية بمختلف تشكيلاتها المدافعة والذائدة عن الشعب وحقوقه ومقدراته ودستوره، التصدي الحازم لمن خرق الدستور والقانون واعتدى على المواطنين والأجهزة الأمنية وروّع وسائل الإعلام”.
ودعا في كلمته أيضاً إلى “تغييرات وزارية وإصلاحات انتخابية تعالج شكاوى المحتجين”، لافتاً إلى تعويض من تضرروا من أحداث العنف.
ثقة أميركية
وفي اتصال هاتفي، أبلغ وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي، بأنه يثق بالقوات العراقية ويؤيد الحكومة العراقية في مساعيها إلى استعادة الأمن، بحسب بيان مكتب رئيس الوزراء.
ونقل البيان عن عبد المهدي قوله إن “الحياة عادت إلى طبيعتها”. وعرضت الحكومة إنفاق المزيد على “دعم الإسكان الشعبي ودفع إعانات للعاطلين من العمل وتمويل برامج تدريب ومبادرات إقراض للشباب”.
قلق ومخاوف
هذا وأثارت سلسلة هجمات وتهديدات طالت وسائل إعلام عدة في العراق، قلق الأمم المتحدة وصحافيين وناشطين، يطالبون الحكومة بمنع “إسكات” الإعلام الذي يقوم بتغطية الاحتجاجات.
وعزّزت عمليات الاقتحام التي حدثت نهاية الأسبوع، المخاوف حيال حرية التعبير التي طالها أولاً إقدام السلطات على حجب الإنترنت، بعد انطلاق حركة احتجاجية مناهضة للحكومة في بغداد ومدن جنوبية عدة.
ولم يُسجل أي استهداف لوسائل إعلام دولية يتخذ بعضها تدابير لضمان سلامة موظفيها.
تخريب وترهيب
وفي هذا الإطار، قالت الممثلة الأممية في العراق هينيس بلاسخارت إنها “صدمت من التخريب والترهيب الذي قام به مسلحون ملثمون”، وأضافت “المطلوب جهود حكومية لحماية الصحافيين، الإعلام الحر أفضل ضمانة للديمقراطية القوية”.
على مدار الأسبوع الماضي، أبلغ صحافيون وناشطون في مناطق الجنوب أيضاً عن تلقي رسائل نصية ومكالمات هاتفية تهدّدهم وأسرهم.
ويحتل العراق المرتبة 156 من بين 180 دولة على لائحة “مراسلون بلا حدود” لمؤشر حرية الصحافة في العالم لعام 2019.
تقييد غير مبرر
وانتقدت “مراسلون بلا حدود” القيود التي تفرضها قوات الأمن على الصحافيين، باعتبارها “تقييداً غير متناسب وغير مبرر للحق في الإعلام”.
وقالت رئيسة مكتب الشرق الأوسط للمنظمة صابرينا بنوي، “بدلاً من حظر الأنشطة الإعلامية كافة، يقع على عاتق القوات الأمنية والسلطات المحلية واجب ضمان سلامة الصحافيين حتى يتمكنوا من إنجاز تقاريرهم”.
واعتبر رئيس مرصد الحريات الصحافية زياد العجيلي أن هذه هي المرة الأولى التي “نشهد فيها محاولات مماثلة لترهيب” وسائل الإعلام.
وقال العجيلي لفرانس برس “هذه عمليات منظمة لإسكات الإعلام، وقائمة على تخطيط مسبق لقمع المتظاهرين. وبالطبع منع الإنترنت هو جزء من ذلك”، محذراً من اعتداءات أخرى.