الرئيسية / أراء وكتاب / اليسار واليمين / كتب: خالد القشطيني

اليسار واليمين / كتب: خالد القشطيني

النزاع بين الرجل والمرأة ليس أقدم نزاع في تاريخ المجتمع، ولا النزاع بين الزوج وحماته… كلا، ولا بين الحاكم والمحكوم، ولا بين الأديب المبدع والناقد الفاشل. أقدم نزاع في رأيي هو النزاع بين اليسار واليمين. ولا أقصد بذلك الاشتراكيين والرأسماليين، وإنما أعني اليسار واليمين بمعناهما الطبيعي والجسماني. اليد اليمنى فوق اليد اليسرى. ومن أوتي كتابه بيمينه ومن أوتي كتابه بشماله. وفلان بمثابة اليد اليمنى للرئيس أو القائد. وهو يجلسه إلى يمينه. وهذا مع الأسف هو ما وقع به أحد السفراء العرب في موسكو عندما قال في حفلة إن شيفرنادزة هو اليد اليسرى لغورباتشوف، اعتقاداً منه بأنهم في قلعة العالم اليساري يثنون على الشخص بهذه الطريقة.

الجانب الأيسر يشكل الطبقة المضطهدة من الجسم. حيثما وجدنا عملاً قذراً بعثنا إليه بيدنا اليسرى. وما وضعوا أمامنا الخروف المحشي والرز المطيب باللوز والزعفران حتى مددنا إليه باليد اليمنى. وفي كل المجتمعات البشرية اعتمد الناس على يدهم اليمنى في أعمالهم، في الكتابة، في الرسم، في العزف، في الطبخ وحتى في القتل والقتال. وأصبح من يستعمل اليد اليسرى أقلية ضئيلة في المجتمع. سائر أدوات الأكل معدة لليمناويين. يدخلون للمطبخ ليفتحوا علبة سردين فيجدون مفتاح العلب مصمماً لليد اليمنى. يحاولون الثورة والثأر لأنفسهم فيجدون السيوف والبنادق مصممة لليد اليمنى. كل شيء من الكومبيوتر والآلة الكاتبة إلى مقلمة أقلام الرصاص مصممة لليمناويين. وقد سمعت عن رجل يسراوي كان معي في المدرسة ضاقت به الحياة فتقدم للعمل كسجان لمهمات الشنق واعتذروا إليه من استخدامه قائلين إن المشنقة مصممة للاستعمال باليد اليمنى!

وقد فتحت إحدى الجمعيات الخيرية في لندن دكاناً لتجهيز المعدات اليسراوية لضحايا الاضطهاد اليمناوي. وفيه كل شيء يمكن استعماله باليد اليسرى. وهذا أنموذج من نماذج تنور الإنسان. ففي القرون الوسطى كانوا يتعوذون من شر الإنسان اليسراوي ويعتقدون أن الشيطان قد ركبه وصرفه من استعمال اليد الكريمة. ولو فتحوا مثل هذا الدكان في تلك السنين لبادر الأصوليون إلى حرقه فوراً وربما أصدروا حكماً بهدر دم صاحبه.

ولهذا السبب دأب الآباء والمعلمون على ردع الطفل وتحذيره من استعمال يده اليسرى في الكتابة. وكم عانى بعض الأطفال من ضرب وإهانات وعقاب بسبب تفضيلهم استعمال اليد اليسرى. وكانوا يصرخون بنا: تريد تصير يسراوي طايح حظ؟ ثم يهوون بالعصا الغليظة على اليد اليسرى المسكينة ليؤدبوها ويذكروها بمكانها من المجتمع.

والغريب أننا ما زلنا نفرض ذلك على أولادنا رغم علمنا بأن استعمال الجانب الأيمن والجانب الأيسر من الجسم لا علاقة له بالشيطان أو العفاريت أو سوء التربية وإنما يعود إلى التركيبة الفسيولوجية من الدماغ والتي تختلف من شخص لآخر، وتملي على الشخص استعمال الأعضاء المختلفة من جسمه. ومعنى ذلك أن الإصرار على الطفل اليسراوي بأن لا يستعمل يسراه فيه تحد لبنية الطفل كما ورثها.

شارك الخبر

شاهد أيضاً

الحوثي وإسرائيل.. وجهان لعملة واحدة.. مليشيا الحوثي استباحت الانسانية في رداع اليمنية.

المكلا (حضارم اليوم) كتبه| محمد ناصر الشعيبي مليشيا الحوثي الإرهابية تواصل ارتكابها الجرائم بحق المدنيين …