*اندرو كوريبكو – جلوبال رييسيرش ترجمة عبدالمنعم بارويس
أشار اندروكوريبكو المحلل السياسي في مركز الأبحاث العالمي الكندي (جلوبال ريسيرش): “الى ان رغبة المجلس الانتقالي الجنوبي في اعادة تحرير عاصمة اليمن الجنوبية السابقة عدن من الإسلاميين الإصلاحيين المدعومين من السعودية هو حنين يراودهم في إستعادة استقلال بلدهم السابق (اليمن الجنوبي) الذي كان بلدا مستقلا يوم ما فيما يعرف بحقبة الحرب الباردة”.
المجلس الانتقالي الجنوبي مقابل الإصلاح
وأضاف كوريبكو الى انه كان من المحتم على المجلس الانتقالي أن يحدث ذلك الامر، عاجلاً وليس آجلاً ، لتحرير عدن عاصمة اليمن الجنوبية السابقة من الإسلاميين الإصلاحيين المدعومين من السعودية وقوات هادي للمرة الثانية منذ يناير 2018 ،
بيد ان الانتقالي هذه المرة غير مستعدين للعودة إلى الوضع الراهن ، اذ انهم يساومون بشدة على اعتراف التحالف بالاستقلال الفعلي لبلدهم .
وقال صالح النود المتحدث باسم المجلس في المملكة المتحدة لرويترز : “إن التخلي عن السيطرة على عدن ليس على الطاولة في الوقت الحالي” وأنه سيكون “بداية جيدة للغاية إذا تمت إزاحة الإصلاح من الجنوب كله والسماح للجنوبيين بان يحكمون بلدهم”.
وكان الانتقالي قد وجه اللوم للإسلاميين الإصلاحيين المدعومين من السعودية لتورطهم في الضربة الصاروخية الأخيرة لجماعة أنصار الله في عدن مما أدى إلى مزيد من التمزق في التحالف المنقسّم فعليا واستفزاز الجنوبيين في هذه المدينة الساحلية من اجل الاخذ بثارهم.
العلمانية مقابل الإسلاموية
الجدير بالذكر إلى أن المجلس الانتقالي الجنوبي هي منظومة علمانية لها رؤية عالمية مختلفة تماما عن الإصلاح ، وهو ما يفسر التوتر الذي لا ينتهي بينهما منذ أن جمع التحالف الذي نظمه مجلس التعاون الخليجي بشكل غير طبيعي بين هذه الجماعات المتناقضة أيديولوجيًا لمصلحة مشتركة قصيرة الاجل من اجل وقف تقدم أنصار الله السريع جنوبًا ودفعهم إلى الخلف شمالًا قدر الإمكان ؛ منذ ذلك الحين وصلت الحرب إلى طريق مسدود وأصبحت أسوأ أزمة إنسانية في العالم لأن غالبية سكان البلاد يواجهون خطر المجاعة والمرض في الجزء الشمالي المحاصر في معظمه من الدولة التي تحت سيطرة أنصار الله ، وهو ما يفسر لماذا هؤلاء “الحلفاء المضطربين” “بدأوا يخططون ويحولون أسلحتهم في النهاية الى بعضهم البعض ، كما تسبب الانسحاب العسكري الكبير لدولة الإمارات العربية المتحدة في الشهر الماضي في مخاوف من فراغ السلطة الذي أدى بدوره إلى معضلة أمنية بين المجلس الانتقالي والإصلاح ، وبعدها تآمر الأخير مع أنصار الله على تنفيذ غارة صاروخية هذا الشهر في عدن ، وبالتالي فان الانتقالي قام بالرد على تلك الفعلة دفاعا عن النفس.
دسيسة إيرانية
وقد أشار النود في المقابلة المذكورة سابقا ان المجلس الانتقالي هذه المرة غير مستعد للتنازل للتحالف باستثناء تنازل محدود سواء كان من الحزام الأمني او شرطة عدن ولربما يتم تمرير هذه النقطة من اجل اجبار التحالف في نهاية المطاف على الاعتراف الفعلي باستقلال جنوب اليمن لو كان التحالف يرغب في مواصلة الحرب..
. لقد بدأت دولة الإمارات العربية المتحدة بالفعل انسحابها “حفظاً لماء الوجه” من النزاع ، لكن المملكة العربية السعودية باتت في وضع يتحول على نحو متزايد من سيء إلى أسوأ على ما يبدو دون أي استراتيجية خروج حقيقية في الاعتبار ، لذلك قد تنظر على الأقل بجدية في مشروع المجلس الانتقالي بإزالة الإصلاح من جنوب اليمن.
الجدير بالذكر ان الانتقالي لايعارض رؤية “الإصلاح” للعالم فحسب ، بل انه يشكك بشدة في صلته بالإخوان المسلمين ، والتي يعتقد بعض المراقبين أنها في الواقع فرع منه. علاوة على ذلك فأن إيران كانت تعارض بشكل مثير للاهتمام تصنيف الولايات المتحدة لجماعة الإخوان المسلمين كمنظمة إرهابية على الرغم من أن العديد من اجنحتها تقاتل قوات الجمهورية الإسلامية في سوريا على مدار العقد الماضي من الصراع بالوكالة.
حان وقت العمل
ربما شعر المجلس الانتقالي الجنوبي ، مع دعم أنصار الله سياسيًا من إيران ، ويشتبه ان لحزب الإصلاح صلات غير مباشرة به ، أن هناك مؤامرة كانت تختمر قد تنهي خطته الانفصالية بطريقة أو بأخرى في المستقبل ، وبالتالي فان الحاجة ملحة لإزالة هذا التهديد من أراضي دولتهم المستقلة سابقًا في أسرع وقت ممكن قبل خروج الوضع عن السيطرة.
من الواضح أن زعيم التحالف ، المملكة العربية السعودية ، لا يرى الأشياء بهذه الطريقة لأنه يرعى الإسلاميين الإصلاحيين ، لكن هذين الحزبين قد ينقسمان يومًا ما عن بعضهما إذا اعتقد أي منهما أن المنفعة الاستراتيجية لشراكتهما قد انتهت في نهاية المطاف ؛ وهو ما ستكون مفاجأة للغاية في حرب قذرة رأيناها بالفعل في الكثير من التحولات والمنعطفات الدرامية منذ بدايتها. حينها تحرك الانتقالي بعد أن شعر بأن الخيارات ضيقة وقد تغلق امامه قريبًا ، وان الإصلاح يريد طعنهم من الخلف ، على الرغم من أن الانتقالي يقاومون حتى الآن ضغط ما يسمى بـ “المتشددين” داخل صفوفهم للإعلان الفوري عن الاستقلال ومحاولة الحصول المبكر على أكبر قدر ممكن من الدعم الدولي .
الخطوات الست نحو الاستقلال
من الناحية العملية ، يعني هذا الاعتراف من قبل الأمم المتحدة بالمجلس الانتقالي الجنوبي كطرف شرعي في النزاع وبالتالي تامين دوره في المفاوضات الجارية لإنهاء هذا الصراع ، وبعد ذلك يمكنهم المضي قدمًا وفقًا للخطة المرحلية التي اقترحها المؤلف في ديسمبر / كانون الأول2017 : خطة سياسية حول كيفية “استعادة جنوب اليمن للاستقلال إذا اتبع الخطوات الست” ، بدءًا من استفتاء غير رسمي على الاستقلال وانتهاءً بمشروع طريق الحرير الجديد اذ انها ستشكل نقطة حاسمة في هذا الشأن ؛ ومع ذلك قد تكون هناك حاجة إلى فترة انتقالية “فيدرالية” بفترة غير محدد ة، حيث يقوم البلدان المستقلة سابقًا في الشمال والجنوب اليمن بتوحيد مؤسسات الدولة بمساعدة من المجتمع الدولي أثناء استعدادهم لاستعادة سيادتهم السابقة رسميًا. غير ان المشكلة الرئيسية تكمن في أن أنصار الله ، على الرغم من تفضيلهم في السابق للحل “الفيدرالي” ابان ديسمبر الماضي ، الا ان الامر الان قد لا يتماشى مع ذلك منذ أن نصحهم آية الله خاميني في وقت سابق من هذا الأسبوع بأن “يقاوموا بشدة” ما أسماه “المؤامرة” لتقسيم اليمن وينبغي أن يؤيد بدلاً من ذلك “اليمن الموحد المتماسك مع وحدة السيادة”.
أفكار ختامية
يبدوا ان كل من المملكة العربية السعودية وأنصار الله وإيران تشترك في هدف واحد مشترك وهو منع عودة دولة اليمن الجنوبي ؛ لكن أياً منهم ليس في وضع يسمح له بإيقاف ما يبدو حتمياً ويمكنه فقط إبطائه بشكل واقعي ، وإذا حدث أي شيء من هذا القبيل فانه في الأخير سيتبخر .
إذا كانت جميع الأطراف المسلحة ومؤيديها في الخارج (عسكريًا وسياسيًا) تريد حقًا إنهاء الحرب ؛ فإن الحل العملي الوحيد المتاح هو الاعتراف بالمجلس الانتقالي الجنوبي كطرف شرعي في النزاع والبدء في عملية “فدرالية” البلاد إلى الجزءان السابقان المكونان له قبل “إعادة التقسيم” رسميًا بعد الاستفتاءات في كل منطقة.
من الناحية الاسترايجية الديناميكية فأن الاستقلال الوشيك لجنوب اليمن يبدو أنه أمر لا مفر منه ، لا سيما إذا قامت الأمم المتحدة بإدماجهم في محادثات السلام الناشئة كعضو متساوٍ. ومع انه ، لم يحدث هذا حتى الآن ، وقد لا يحدث على الفور ، لذا ينبغي تخفيف التوقعات عند الحديث عن المدة التي تستغرقها هذه العملية برمتها. ومع ذلك ، يظل المجلس الانتقالي الجنوبي ملتزم باستخدام الفترة المؤقتة لتعزيز مؤسسات الدولة والاستعداد لليوم الذي يعلن فيه أخيرًا عن استقلاله التام.