كتب/ محمد علي رشيد النعماني
هل يشكل سقوط نظام بشار الأسد في سوريا نقطة تحول كبرى في ديناميكيات المنطقة، حيث يعتبر النظام السوري أحد أبرز حلفاء إيران الإستراتيجيين في الشرق الأوسط. ومع فقدان طهران هذا الحليف، يبرز تساؤل عن كيفية انعكاس هذا التغير على أذرع إيران الإقليمية، وعلى رأسها جماعة الحوثيين في اليمن، وكذلك على موازين القوى المحلية التي يمكن للمجلس الانتقالي الجنوبي استغلالها لتعزيز مشروعه السياسي في الجنوب .
بداية، لا يمكن تجاهل الدور الحيوي الذي لعبه النظام السوري في تمكين إيران من التوسع في المنطقة، إذ كان بمثابة شريان إمداد لوجستي وعسكري يربط طهران بأذرعها الإقليمية، بما في ذلك الحوثيين. ومع سقوط الأسد، من المتوقع أن تواجه إيران تحديات أكبر في الحفاظ على نفس مستوى الدعم الذي كانت تقدمه للحوثيين. هذا التراجع الإيراني المحتمل قد يخلق ثغرات واضحة في القدرات العملياتية للحوثيين، ما قد يضعف موقفهم عسكرياً وسياسياً في اليمن. في هذه الأثناء، قد يتعزز الضغط الدولي على الحوثيين، خاصة في ظل رغبة المجتمع الدولي في استثمار التحولات الإقليمية لتعزيز فرص تحقيق الاستقرار في اليمن .
أما بالنسبة للمجلس الانتقالي الجنوبي، فإن هذه التطورات تحمل فرصاً فريدة ينبغي استغلالها بذكاء وحذر فسقوط الأسد قد يمهد الطريق أمام المجلس لتوسيع نطاق الدعم الدولي لمشروعه السياسي في الجنوب، خاصة أن القوى الدولية قد ترى في المجلس شريكاً محتملاً يساهم في تحقيق الإستقرار الإقليمي ولتعزيز هذا الدعم، يحتاج المجلس إلى تكثيف تحركاته الدبلوماسية وعرض رؤيته بشكل أكثر وضوحاً كمشروع سياسي يسعى لتحقيق الاستقرار والتنمية في جنوب الجزيرة العربية ويجب أن يترافق هذا الجهد مع تقديم المجلس نفسه كبديل حقيقي وموثوق للأطراف التي أثبتت إرتباطها بالصراع وتعميقه .
داخلياً، ينبغي على المجلس الانتقالي الجنوبي تعزيز تماسكه الداخلي والتعاون مع القوى الجنوبية الأخرى لتوحيد الصفوف في هذه المرحلة الحرجة فتحقيق هذا التماسك سيعزز موقف المجلس محلياً ودولياً، ويدعم شرعيته كطرف يمثل طموحات الشعب الجنوبي. كما أن تحسين البيئة السياسية في الجنوب من خلال التركيز على المشاريع التنموية والخدمية سيُظهر جدية المجلس في تقديم نموذج حكم رشيد، ما يعزز ثقة المجتمع الجنوبي والدولي بمشروعه .
وعلى الصعيد الإقليمي، يمكن للمجلس أن يعمل على توسيع تحالفاته مع القوى التي قد تكون متضررة من النفوذ الإيراني أو الباحثة عن شريك جديد يساهم في تحقيق التوازن الإقليمي فالتحولات الجارية تتيح للمجلس الانتقالي الفرصة لطرح نفسه كطرف مستعد لتحمل مسؤوليات إقليمية تتجاوز الحدود المحلية .
في ظل هذه المتغيرات، من الضروري أن يضع المجلس الانتقالي الجنوبي خطة استراتيجية متكاملة تقوم على ثلاثة محاور أساسية: أولًا، التحرك الدولي والدبلوماسي لكسب الدعم السياسي والاقتصادي، مع تقديم المجلس كركيزة للإستقرار في المنطقة. ثانياً، تعزيز الوحدة الداخلية من خلال تقوية العلاقات مع الأطراف الجنوبية الأخرى وتحقيق إنجازات ملموسة على الأرض تخدم المجتمع. ثالثاً، استثمار الضعف المحتمل في موقف الحوثيين نتيجة تراجع الدعم الإيراني لتوسيع نطاق نفوذ المجلس سياسياً وعسكرياً في الجنوب، مع الاستعداد لأي تغيرات مفاجئة قد تطرأ على المشهد .
سقوط نظام الأسد في سوريا لا يعني فقط بداية مرحلة جديدة في الصراع الإقليمي، بل يشكل أيضاً فرصة نادرة للمجلس الانتقالي الجنوبي لتعزيز حضوره وإستثمار المتغيرات لصالحه والنجاح في هذه المهمة يتطلب رؤية واضحة، وقيادة حكيمة، وتحركاً ذكياً على مختلف المستويات لضمان تحقيق أهداف المجلس في بناء جنوب مستقر ومزدهر بعيداً عن الصراعات الإقليمية والدولية ووصولاً للهدف الأسمى المتمثل في استعادة الدولة الجنوبية بحدودها المعروفة ..