كتب/ محمد علي رشيد النعماني
على ضوء الحادثة الأخيرة التي شهدتها مدينة سيئون، حيث أقدم جندي يمني بإطلاق النار على جنود سعوديين، يتجدد الحديث عن العلاقات التاريخية بين اليمن بمناطقه المختلفة والدور الذي لعبه أبناء الجنوب مقارنة بالشمال حيث يراه البعض امتداداً لمرحلة متجددة من الصراع لكنه في الوقت ذاته يبرز تلك القيم التي وسمت الجنوبيين في الماضي بالحفاظ على ولائهم ووفائهم وشجاعتهم في مختلف المواقف بينما ظلَّ الشمال محاطاً باتهامات الغدر والخيانة عبر محطات تاريخية متعددة .
“الخلفية التاريخية: الشمال ومواقف متقلبة”
عبر تاريخ اليمن الحديث ظل الشمال يواجه صعوبات تتعلق بالتحالفات المتقلبة التي اتسمت بمواقف عدائية أو متعارضة أحياناً حتى تجاه داعميه كما شهدت الحرب الأهلية اليمنية في الستينيات حينها تدخلت القوات المصرية لدعم الثورة في شمال اليمن ضد النظام الإمامي وعلى الرغم من التضحيات الكبيرة للجيش المصري تعرضت تلك القوات لغدر وخيانة من بعض قيادات الشمال وهو ما أفقد التدخل المصري جزءاً من فعاليته ووجه ضربة كبيرة لمجريات الحرب .
هذه الخيانة ليست موقفاً عابراً بل يعبر عن واقع عاشه اليمن الشمالي الذي كانت تحالفاته تميل للانقلاب والانشقاق ما ساهم في زعزعة الأمن والاستقرار في مختلف المراحل التاريخية لقد أثَّرت هذه السلوكيات على سمعة الشمال الذي كان يُرى في نظر الكثيرين أنه لا يفي بالتزاماته تجاه من يساندونه الأمر الذي كان يشكل نقطة تحول في طبيعة العلاقة بين اليمن وبين حلفائه عبر العقود .
“الجنوب: نموذج الوفاء والعرفان”
على النقيض من ذلك عُرف أبناء الجنوب بتاريخهم المشرف في الوفاء لحلفائهم والوقوف بجانبهم مهما كانت التحديات ولعل أبرز مثال على ذلك هو دور أبناء الجنوب الذين ناصروا الثورة اليمنية ضد الحكم الامامي حيث قاتلوا إلى جانب الجيش المصري دون تردد وقدموا التضحيات رغم أن تلك المواجهات لم تكن لصالحهم المباشر بل كانت من أجل الشمال .
كما أن أبناء الجنوب العربي قاوموا الاستعمار البريطاني ببسالة نادرة حتى وإن لم يحصلوا على الدعم الكافي ونجحوا في إشعال ثورة تحررية مستقلة أدت إلى الإستقلال تاركين بذلك إرثاً من العرفان والولاء لوطنهم ولمن ساندهم ولم يقتصر ولاؤهم على هذه اللحظات التاريخية بل استمر عبر العقود محافظين على تقاليدهم وقيمهم الراسخة في الوفاء والاخلاص .
“الحادثة الأخيرة: تكرار تاريخ أم ظاهرة فردية”؟
تأتي الحادثة الأخيرة في سيئون لتعيد إلى الأذهان التساؤلات حول مدى استمرارية ثقافة الغدر في شمال اليمن تجاه الحلفاء هذه الحادثة تفتح باب التساؤل حول عمق الأزمة في الثقافة العسكرية والسياسية في الشمال وتأثير هذه الحوادث على التحالفات العربية فرغم وجود القوات السعودية والإماراتية بهدف مساعدة الحكومة الشرعية إلا أن تلك الحادثة تحمل إشارات مقلقة عن عدم الاستقرار في العلاقة بين قوات الشرعية والتحالف .
ولكن قد يجادل البعض بأن هذه الحادثة لا تعدو أن تكون حادثة فردية لا تمثل توجهاً عاماً ومع ذلك فإن تكرار مثل هذه الأحداث يفتح الباب للنقاش حول الاستراتيجيات المعتمدة والتحديات القائمة في المناطق الشمالية التي تتطلب وقفة تأمل وإعادة نظر لتحقيق الأمن وتجنب وقوع أحداث مشابهة تؤثر على العلاقات الاستراتيجية .
لقد قدم أبناء الجنوب العربي مثالاً ملهماً في كيفية الالتزام بمبادئ الوفاء والدعم الحقيقي لحلفائهم وهي قيم يجب أن تصبح جزءاً من النهج اليمني فاستمرار مثل هذه الحوادث قد يقوض الجهود المستمرة لإعادة الاستقرار لليمن ويؤدي إلى تباعد بين الشركاء المحليين والتحالفات العربية التي تهدف لدعم الشرعية وتحقيق السلام فالحادثة التي شهدتها سيئون ليست مجرد حدث عابر بل تأتي ضمن سياق تاريخي طويل من الغدر والخيانة التي تشربتها القيادات السياسية والعسكرية والقبلية في الشمال ومع أن هذه الحادثة قد تكون فردية إلا أنها تبرز التحدي الأكبر أمام اليمن وهو بناء ثقافة وطنية قائمة على العرفان والوفاء “الجنوب يقدم نموذجاً في هذا السياق” حيث يعتبر التاريخ شاهداً على مواقف الجنوبيين التي اتسمت بالوفاء والتضحية وهو إرث يجب أن يحتذى به لكل من يؤمن بقضيته الوطنية ..