الرئيسية / أراء وكتاب / بين بلطجة الحوثيين وفساد الشرعية: الريال في مهب الريح

بين بلطجة الحوثيين وفساد الشرعية: الريال في مهب الريح

كتب/ محمد علي رشيد النعماني

يبدو أن الريال اليمني قرر أن يتبنى استراتيجية الانهيار في المناطق المحررة وكأنه يحتفل بانتصاراته في السقوط الحر بينما في مناطق الحوثيين يتصرف وكأنه طالب مطيع يحافظ على هدوئه النسبي رغم الفوضى العارمة وبين هذا الانهيار وذاك الاستقرار تبرز أسئلة كثيرة والأجوبة للأسف أكثر إرباكاً مما نتخيل .
ففي المناطق المحررة من الواضح أن الحكومة الشرعية وجدت في “الفشل الإداري” أسلوب حياة المؤسسات الحكومية التي من المفترض أن تدير اقتصاداً وطنياً غارقة في مستنقع الفساد وعدم الكفاءة ويبدو أن المبدأ المتبع هو “كلٌ يغني على ليلاه” والنتيجة بالطبع انهيار الريال فالإدارة الإقتصادية للحكومة تشبه فريق كرة قدم يلعب دون حارس مرمى والخصم “السوق السوداء والتضخم” يسجل الأهداف واحداً تلو الآخر .

“طباعة العملة لأن الحل دوماً هو المزيد” !

عزيزي القارئ إذا كنت تعاني من مشكلة مالية فمن الواضح أن الحل الأمثل هو طباعة المزيد من المال “أليس كذلك”؟ هذا ما قررته الحكومة الشرعية وما قامت به الحكومة هو سكب الوقود على النار بطباعة كميات ضخمة من الريال دون غطاء نقدي لكن من يحتاج إلى غطاء نقدي عندما يمكنك طباعة النقود والجلوس لمشاهدة الريال ينهار وكأنك تشاهد فيلماً درامياً .
والنتيجة بالطبع هي أن قيمة الريال تتبخر أمام الدولار الشركات والتجار وأصحاب رؤوس الأموال المضاربين بالعملات يتسابقون لشراء الدولار وكأنهم في ماراثون بينما الريال يترنح في الحلبة وكأنه قد تلقى لكمات متتالية .

“الطلب على العملات الأجنبية: هوس التحوط”

المناطق المحررة تعاني من هوس التحوط بالدولار وبشكل لم يسبق له مثيل الجميع بدءاً من المواطن البسيط وحتى كبار التجار يبحثون عن الدولار وكأنه الكنز المفقود “لماذا”؟ لأن الثقة بالريال قد تبخرت تماماً والريال بفئاته الكبيرة بات أشبه بالورقة النقدية التي قد تصلح فقط لشراء شنجم “علكة” بينما الدولار أصبح عملة “المحظوظين” الذين يتمكنون من العثور عليه .

“الحوثيين : قصف الموانئ ثم “التنظير” في الاقتصاد”

من الواضح للجميع أن الحوثيين لم يكتفوا بإدارة مناطقهم بقبضة من حديد بل قرروا أيضاً أن يصبحوا “موجهي الاقتصاد اليمني” عبر ضرب أهم مصادر الدخل في المناطق المحررة “موانئ تصدير النفط والغاز” فهذه المليشيات لا تتردد في توجيه طائراتها المسيرة وصواريخها نحو البنية التحتية النفطية متسببين في شلل كامل لصادرات النفط ثم ينظرون باستخفاف إلى الاقتصاد المتعثر في المناطق المحررة .

المعادلة التي يلعبها الحوثيون بسيطة : قصف الموانئ النفطية مما يعني قطع شريان الحياة الرئيسي للحكومة الشرعية وبالتالي تركها تغرق في بحر من الفقر والتضخم وبطبيعة الحال ما الحاجة إلى تصدير النفط والغاز إذا كان بإمكانهم تحقيق أهدافهم الاستراتيجية عبر ضرب اقتصاد خصومهم .
ووسط كل هذا الدمار والفوضى يبدو أن الحوثيين قد نجحوا في خلق وهم الاستقرار الاقتصادي في مناطقهم فهم يتحدثون بثقة وكأنهم تعلموا الاقتصاد لكن في جامعة “البلطجة” حيث منعوا تداول العملة المطبوعة حديثاً وكأنها أداة شيطانية وهذا القرار إلى جانب “الجبايات” والسيطرة على الموارد المحلية جعلهم قادرين على تقديم استقرار نسبي لعملتهم وكأنهم يقولون للحكومة الشرعية “أنتم لديكم النفط ونحن لدينا الاستقرار النقدي”!
إن ما يتجاهله الحوثيين في خطبهم الإقتصادية هو أن إستقرار عملتهم ليست نتيجة عبقرية مالية بل لأنه ببساطة لا يوجد اقتصاد حقيقي يعمل في مناطقهم حيث أن الاقتصاد لديهم عبارة عن سوق مغلق ومحكوم بعوامل قهرية لا تتطلب كثيراً من التعقيد .
وفي الطرف الآخر من المعادلة نجد التحالف العربي الذي ضخ الأموال والمساعدات إلى الحكومة الشرعية على أمل أن يروا شيئاً إيجابياً يحدث لكن الحكومة كعادتها تتقن فن إضاعة الفرص فالفساد الحكومي ليس مجرد مشكلة بل هو منهج حياة لديهم والدعم المالي الذي كان من المفترض أن ينعش الاقتصاد ويعيد للريال بعضاً من كرامته اختفى في جيوب المسؤولين أو ضاع بين الصفقات المشبوهة والمشاريع الوهمية .
ومع الأسف الشديد الحكومة الشرعية تحولت إلى ما يشبه “البئر الذي لا قاع له” كلما ألقى التحالف بدعمه يختفي دون أثر والنتيجة المزيد من الفقر والمزيد من التضخم والمزيد من الانهيار وكأن الحكومة الشرعية قررت أن تقدم درساً مجانياً للعالم في كيفية الفشل في إدارة دولة .
الفساد الحكومي في اليمن هو قصة قديمة جديدة والتحالف العربي قدم للحكومة الشرعية الدعم المالي والسلاح والمساعدات الإنسانية ولكن بدلاً من استغلال هذا الدعم لتحسين الوضع الاقتصادي قررت الحكومة الشرعية أن تتبع سياسة “التبذير” لا أحد يعلم أين ذهب هذا الدعم لكن ما نعلمه جميعاً هو أن الريال اليمني استمر ولا زال حتى اللحظة مستمراً في الانهيار وكأن هذا الدعم لا وجود له .
في نهاية المطاف يعيش اليمن بين مطرقة الحوثيين وسندان الحكومة الشرعية الحوثيون يضربون الموانئ ويمنعون تصدير النفط بينما يستمتعون بمشاهد استقرار عملتهم الهش في المقابل الحكومة الشرعية تغرق في بحر الفساد وتتلقى دعماً سخياً من التحالف العربي دون أن تقدم أي نتائج ملموسة والريال اليمني في هذا المشهد التراجيدي هو الضحية الحقيقية حيث يواصل انهياره يوماً بعد يوم وكأن الاقتصاد اليمني قد تحول إلى ملعب للمصالح السياسية والأجندات الشخصية فيما يتضور المواطن جوعاً ..

بقلم / محمد علي رشيد النعماني ..

شارك الخبر

شاهد أيضاً

عبدالعزيز الشيخ: عرين الثورة وموطن الشهداء الأوائل

المكلا (حضارم اليوم) خاص أشاد عبدالعزيز الشيخ، رئيس قطاع الإذاعة والتلفزيون الجنوبي، بالحشود الغفيرة في …