الرئيسية / أراء وكتاب / نقب الهجر: عندما تتحدث الجدران عن حضارات جنوبية

نقب الهجر: عندما تتحدث الجدران عن حضارات جنوبية

كتب/ محمد علي رشيد النعماني

مستوطنة نقب الهجر أو ما تعرف باسم ميفعة القديمة تعد موقعاً أثرياً تاريخياً تقع في أعالي وادي ميفعة بمحافظة شبوة الجنوبية هذا الموقع كان يُعرف في الماضي السحيق باسم “مِفْعَت” وكان جزءاً من مملكة حضرموت ثم حمير مما يبرز دوره المهم في تاريخ المنطقة .
تقع مستوطنة نقب الهجر على بعد 127 كم جنوب شرق شبوة و95 كم شمال غرب بئر علي ويمتد الموقع على مساحة تُقدر بـ 6 هكتارات ويتوزع على تلتين يتقاطع بينهما وادٍ صغير ويبعد حوالي 40 كم عن المحيط الهندي تتميز المنطقة بإطلالتها على مساحة مروية واسعة كانت تستغل بكثافة في العصور القديمة مما يضيف إلى أهميتها الاستراتيجية والزراعية .
يعود تاريخ نقب الهجر إلى القرنين الخامس والرابع قبل الميلاد حيث تم ذكرها في النقوش القديمة مثل النقش “BL Nashq و MAFYS-Naqb al Hagar”. بفضل موقعها الاستراتيجي أصبحت هذه المستعمرة بسرعة معقلاً حصيناً في مواجهة مملكة قتبان ومن ثم حمير كما كانت مستوطنة مهمة على الطريق الذي يربط عاصمة حضرموت “شبوة” بشاطئ البحر وموقع “قنا” الميناء التاريخي الشهير منذ القرن الأول قبل الميلاد واستمرت أهميتها حتى القرن الرابع الميلادي حيث ورد آخر ذكر لها في النصوص القديمة في عام 360 م .
تُعد أسوار المدينة من أبرز المعالم الأثرية في نقب الهجر حيث تمتد الجدران المحيطة بالمستعمرة على طول 710 أمتار تتميز هذه الأسوار بتقنيات بناء متنوعة بعضها يتكون من جدران رقيقة مصنوعة من كتل حجرية مربعة الشكل تقريباً وبدون ملاط “لِبْنْ” بينما تتكون التقنية الأخرى من جدران مزدوجة سميكة للغاية مع استخدام الملاط “اللِبْنْ” .
في بعض الأجزاء تصل الجدران إلى ارتفاع 11 متراً مما يدل على التحصينات القوية التي كانت تحمي المستوطنة .
إلى جانب الأسوار تحتوي المستوطنة على معاقل وبوابات دفاعية وأبرزها البوابة الجنوبية التي يُعتقد أنها كانت المدخل الرئيسي للمستوطنة نظراً لبنائها الضخم كذلك يوجد بئر محاط بجدران حجرية وبرج دائري يبلغ قطره 5 أمتار بالقرب من البوابة الشمالية .
وفي داخل المستوطنة بالقرب من البوابة الشمالية أيضاً تم العثور على مبنى صغير مربع الشكل يُعتقد أنه كان يستخدم لأغراض دينية أو إدارية .
أما في جنوب شرق الموقع فقد تم اكتشاف مقبرة تتكون من مجموعة من الهياكل المستطيلة المصنوعة من الحجارة المنحوتة والتي يُعتقد أنها تعود إلى فترة ما قبل الإسلام بزمن وجيز هذا الاكتشاف يشير إلى أن الموقع كان مسكوناً ومستخدماً عبر فترات زمنية طويلة .
ومن بين الشواهد المهمة على تاريخ المستوطنة النقوش الصخرية المكتوبة باللغة الحضرمية القديمة والتي تقدم أدلة قيمة على تطور المستوطنة عبر العصور ورغم عدم وجود حفريات أثرية شاملة في نقب الهجر إلا أن النقوش المكتشفة تساعد في تحديد التطور التاريخي للموقع .
من خلال هذه الشواهد نجد أن نقب الهجر تعد موقعاً أثرياً ذا أهمية كبيرة حيث تروي جدرانها ونقوشها قصص حضارات قديمة ازدهرت في جنوب الجزيرة العربية منذ آلاف السنين مما يجعلها واحدة من المواقع الأثرية الهامة في المنطقة .

شارك الخبر

شاهد أيضاً

كاتب : قرار الإطاحة بالحوثي لم يعد يمنياً

المكلا (حضارم اليوم) خالد سلمان لا جدية في تدمير الآلة العسكرية الحوثية، يستوي في هذا …