المكلا (حضارم اليوم) متابعات
تفشٍّ متسارع لحالات الكوليرا في جميع أنحاء اليمن يتحدى جهود الحكومة المعترف بها وشركائها، بسبب عدم تعامل الحوثي معها كوباء.
وتسبب رفض مليشيات الحوثي لأي حملات ضد الوباء في مناطق سيطرتها، إلى استمرار انتقال المرض للمناطق المحررة، مما أعاد الكوليرا للانتشار في مختلف المحافظات مع تفاوت التدخلات بين المناطق الحكومية ومناطق الانقلاب.
في محافظة الحديدة (غرب)، سجلت مصادر طبية وفاة 23 حالة بينهم 14 طفلاً، خلال الأسبوع الماضي، في 3 مديريات فقط خاضعة لمليشيات الحوثي، فيما سجلت 16 حالة وفاة في مديرية باجل بذات المحافظة خلال الفترة نفسها.
في محافظة حجة المجاورة (شمال غرب)، قال طبيب يعمل في مستشفى ريفي في مديرية قفل شمر إن الكوليرا عادت للتفشي بشكل مخيف، حيث يستقبل المستشفى عشرات الحالات يومياً ويحيلها إلى المستشفيات في مركز المحافظة بعضها مدعومة من منظمات دولية.
وقالت مصادر محلية وطبية لـ”العين الإخبارية” إن مليشيات الحوثي تكرس جهودها للحشد والتعبئة والتجنيد والأعمال العسكرية ولم تبذل أي جهود لمواجهة الوباء الذي يحصد أرواح الناس في المدن الخاضعة لسيطرتها.
وأشارت المصادر إلى أن مليشيات الحوثي لم تتعامل مع الكوليرا كوباء ولم تشيد مراكز عزل خاصة بالمرضى ويتم استقبال الحالات في أقسام طوارئ المستشفيات الخاصة والحكومية وهو ما يزيد من انتشار وانتقال العدوى.
في صنعاء العاصمة الخاضعة للانقلابيين، قالت المصادر إن 5 مراكز عزل تديرها منظمات دولية هي من تواجه وباء الكوليرا ورغم ذلك لم تسلم من مضايقات المليشيات الحوثية التي تفرض سياساتها وتتدخل حتى في صرف المحاليل والمعقمات والمستلزمات الوقائية.
أرقام مفزعة
وذكر تقرير لمنظمة “أطباء بلا حدود” في اليمن، أن 20 محافظة يمنية من أصل 22 في البلاد تشهد ارتفاعاً كبيراً في حالات الإسهال المائي الحاد، مما أدى إلى تسجيل أكثر من 63,000 حالة مشتبه بها في مختلف مناطق البلاد حتى 31 مايو/أيار الماضي.
ورغم محدودية القدرة على الفحص في البلاد، فقد تبيّن أن أكثر من 2700 حالة من بين الحالات التي تم فحصها مخبريا هي إصابات مؤكدة بالكوليرا.
وقالت المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة في تقرير إن حالات الإسهال المائي الحاد والكوليرا في جميع أنحاء البلاد، تخطت المشتبه بها 30,000 حالة منذ بداية العام الجاري 2024.
بالإضافة الى ذلك، سجلت المنظمة منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023 إلى مايو/أيار 2024، 5319 حالة إسهال مائي حاد أو حالة كوليرا مشتبه بها بين المهاجرين الذين يدخلون لليمن بغرض الانتقال لدولة أخرى وغالبيتهم من القرن الأفريقي.
وأشارت إلى أن اليمن واجهت منذ عام 2016 إلى عام 2022 أكبر موجة تفش للكوليرا يشهدها التاريخ الحديث، حيث تجاوز عدد الحالات 2.5 مليون حالة مشتبه به ونتج عنها 4 آلاف حالة وفاة.
وأكدت أن الموجة الأخيرة تفاقمت إثر الأمطار الغزيرة والفيضانات التي تلتها، مما زاد من خطر تلوث المياه، وجعل من هذه الموجة مثيرة للقلق جراء انتشارها في العديد من المحافظات.
وتوقعت المنظمة الدولية أن يصل عدد حالات المشتبه بها إلى 255,000 حالة بحلول سبتمبر/أيلول 2024، إذا لم يتم تكثيف جهود الاستعداد والاستجابة إلى المستويات المثلى.
ويؤكد المسؤولون في المنظمات الدولية أن “هناك حاجة كبيرة لاتخاذ إجراءات إضافية لمواجهة الأعداد المتزايدة للمرضى”، مشيرين إلى أهمية التدابير الوقائية مثل توفير المياه الصالحة للشرب، وخدمات الصرف الصحي وممارسات النظافة، وجهود توعية صحية واسعة النطاق لمعالجة هذا الوضع بشكل فعال.
أبين الأكثر انتشارا
وخلال الأسابيع الأخيرة، لوحظ انتشار حالات الإصابة بالكوليرا في العديد من المحافظات اليمنية المحررة، غير أن محافظة أبين (جنوب البلاد)، كانت الأكثر تفشيا وتسجيلا للحالات، بحسب مسؤولين صحيين.
في مديرية خنفر، أكبر مديريات محافظة أبين، قال مدير مكتب الصحة والسكان بالمديرية، صلاح اليوسفي، إن المجمعات الصحية ومراكز العزل تبذل قصارى جهدها للحد من تفشي وباء الكوليرا الذي سجل “أرقاما مقلقة”.
وأضاف اليوسفي لـ”العين الإخبارية” أن مجموع الحالات المصابة في الفترة بين 15 مارس/آذار حتى 22 يونيو/حزيران عام 2024، بلغ 372 حالة فحص سريع، و17 حالة فحص زراعي في المختبر المركزي بعدن.
وأشار اليوسفي إلى أن أي حالة يثبتها الفحص الزراعي مصابة بالكوليرا تعد المنطقة التي ينتمي إليها المريض “منطقة موبوءة”.
وأوضح أن مراكز العزل سجلت بالفعل سبع حالات وفاة؛ نتيجة وصولها متأخرة إلى المستشفيات بعد فقدان حاد في السوائل.
جهود احتواء الوباء
مدير مكتب الصحة في مديرية خنفر بأبين، أوضح أن فريق الاستجابة أكتشف اختلاط مياه المجاري بمياه الشرب في مناطق الحصن والرواء بالمديرية، كأحد أسباب انتشار الوباء.
كما كشف اليوسفي عن أسباب أخرى، كاكتشاف أولى الحالات المرصودة خلال يناير/كانون الثاني 2024 في منطقة تمحن بشقرة عن طريق مهاجر أفريقي من الأورمو.
ولفت المسؤول الصحي إلى جهود احتواء الوباء، من خلال استنفار كل مقومات القطاع الصحي بالمديرية، وفتح المراكز والوحدات الصحية خلال إجازة العيد، ونقل الحالات المصابة إلى مراكز العزل في خنفر وزنجبار.
ودعا، المواطنين إلى سرعة فحص أية حالات إسهالات منذ وقت مبكر، واتباع طرق برتوكول النظافة والوقاية الموصي بها من منظمة الصحة العالمية، كغسل الأيدي بالماء والصابون جيدا.
مع التأكيد على أن المراكز الصحية مفتوحة باستمرار لاستقبال أي حالات تحتاج إلى الفحص والعلاج، بحسب اليوسفي.
وفي مديرية لودر، شمال شرق محافظة أبين، استقبل مستشفى المديرية العام أكثر من ألف حالة مصابة بالإسهالات المائية، منها 230 حالة كوليرا مؤكدة بالفحص والأعراض، و 22 حالة بالفحص المخبري في عدن، و60 حالة بالفحص السريع.
مدير مكتب الصحة بمديرية لودر، محمد مزاحم، قال إن عدد الحالات المصابة بالإسهالات المائية في تزايد مستمر خلال هذه الفترة.
وطالب مزاحم عبر “العين الإخبارية”، الجهات ذات العلاقة فتح مراكز الإرواء في الوحدات الصحية؛ من أجل تخفيف الضغط على مستشفى لودر الذي بلغ ذروته في الأيام الماضية.
كما ناشد المنظمات الداعمة برفد مستشفى لودر والمرافق الصحية الأخرى بالمديرية بالأدوية الخاصة بالإسهالات، والمساهمة في دعم حلقات تثقيفية ونشر فرق التوعية من منظمات المجتمع المدني والمبادرات الشبابية للحد من انتشار الوباء، بحسب مزاحم.
وكانت وزارة الصحة في الحكومة اليمنية سجلت أول حالة في الـ16 من أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي لتفتح من فورها نحو 24 مركزاً في عموم المحافظات المحررة لتقديم خدماتها العلاجية للمصابين والمشتبه فيهم.
ومنذ تسجيل أول حالة، ارتفعت الاعداد إلى نحو 11 ألفاً و400 حالة مصابة بالإسهال الحاد والكوليرا، منها ألف و11 حالة مؤكدة بالفحص الزراعي و10 آلاف و609 حالات شفاء، وهناك للأسف 29 حالة وفاة، وفقا للصحة اليمنية.
ويواجه القطاع الصحي التابع للحكومة اليمنية تحديات كثيرة منها وجود محافظات خارج سيطرتها وتخضع لمليشيات الحوثي مما أدى لجهل البيانات الدقيقة لتفادي انتشار حالات الإسهال الحاد، فضلا عن قلة الدعم المخصص للقطاع الصحي وتوقف التمويل الدولي لبعض الجهات.
وكانت الأمم المتحدة أطلقت مؤخرا عبر وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ مارتن غريفيث نداءً تحذيرياً من تفشي الكوليرا في أنحاء اليمن، مشددا على الحاجة الماسة إلى تمويل عاجل وموسع لإغاثة ملايين الأشخاص في البلد المعذب بحرب الحوثي.