المكلا (حضارم اليوم) متابعات
على مقربة من تايمز سكوير في ميدتاون مانهاتن، تعرض شاشة عملاقة سلسلة سريعة التغير مكونة من 14 رقماً.
وسرعان ما ستتجاوز القراءة 35 تريليون دولار، مع ارتفاع حجم ديون الحكومة الأمريكية إلى مستويات قياسية جديدة.
وتتسع ساعة الدين الأمريكية لبضعة أرقام إضافية، ما يسمح للشاشة بالوصول إلى كوادريليون (15 صفراً)، وهو ما يؤكد أن مسار عبء الديون الأمريكية لا يطاق.
وأثناء تناول العشاء في مقهى بولود بمنطقة أبر إيست سايد في نيويورك، استمتعت بحديث مع ملياردير الوساطة توماس بيترفاي، الذي ولد في المجر، وهو يحكي قصص نجاحاته التجارية، لكنه ظل يقرع جرس الإنذار حيال عبء الديون، وأكد قائلاً: «إنه أمر لا مفر منه،سواء كان ذلك في غضون 5 سنوات من الآن أو بعد 20 عاماً، فالولايات المتحدة ستتخلف حتماً عن سداد ديونها الوطنية».
بدا بيترفاي، الذي نشأ في المجر الشيوعية، متأكداً بشكل غريب حيال الفكرة، مشيراً في هذا السياق إلى عمليات إعادة هيكلة ديون الاقتصادات الرئيسة الأخرى، بما في ذلك تلك التي حدثت خلال أزمة منطقة اليورو في مطلع العقد الأول من القرن الحالي، لكن ليس هناك شك – كما يشير – في أن عجز أكبر اقتصاد في العالم، وموطن العملة المرجعية في العالم، عن السداد سيتسبب في أزمة عالمية ضخمة.
فقد ارتفعت إصدارات الديون بالفعل، وتوقف بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي عن جمع سندات الخزانة ضمن برنامج التيسير الكمي، الذي بدأ الآن في التراجع عنه.
كما تزايدت المخاوف حيال استخدام الصفقات الأساسية عالية الاستدانة، التي تنطوي على قيام صناديق التحوط بمراجعة سندات الخزانة والعقود الآجلة.
ويخشى المنظمون والممولون أن يؤدي التفكيك السريع للمراكز إلى اضطراب عنيف في السوق، على غرار أزمة السندات الحكومية في المملكة المتحدة التي أعقبت التخفيضات الضريبية غير الممولة في «الموازنة المصغرة» التي أقرتها ليز تراس في عام 2022.
على الجانب الآخر، الكثير من خبراء الاقتصاد لا يتفقون مع مثل هذه التوقعات المتشائمة، فقد افترض بول كروغمان، في مقال نُشر الأسبوع الماضي بصحيفة نيويورك تايمز، أن زيادة الإيرادات الضريبية أو خفض الإنفاق بنسبة 2.1% فقط من الناتج المحلي الإجمالي ستكون طريقة عملية وسهلة لإصلاح عجز الموازنة.
وثمّة سابقة تؤكد إمكانية إجراء إصلاح سريع أيضاً، فخلال رئاسة بيل كلينتون في التسعينيات، أدى مزيج من السياسات المواتية والحظ إلى نمو اقتصادي قوي، محولاً أعباء الديون المرهقة إلى فائض في الموازنة.
ومع ذلك، يبدو حدوث هذا السيناريو اليوم بعيد المنال، فقد ارتفعت النفقات؛ بسبب الزيادة الحادة في الإنفاق الدفاعي وسط تصاعد التوترات الجيوسياسية، والإنفاق الضخم لإعادة تنشيط الاقتصاد بعد جائحة كورونا، كما وجد جو بايدن نفسه مضطراً لتمديد تخفيضات الضرائب التي أجراها ترامب في عام 2017. ومع اقتراب موعد الانتخابات، لم يتعهد بايدن أو ترامب بفرض قيود مالية صارمة.
ويبدو أن إمكانية التعاون بين الحزبين لحل ارتفاع الديون، الحلم المهجور للجنة الوطنية للمسؤولية والإصلاح المالي التي شكلها أوباما، بات بعيد المنال أكثر من أي وقت مضى.
ومن وجهة نظر أحد كبار المصرفيين في وول ستريت، فإن هذا الوضع يترك المالية الوطنية الأمريكية تبدو على نحو مقلق وكأنها عملية استحواذ مدعومة بالاستدانة. ومع دفع أقساط فائدة بقيمة تريليون دولار سنوياً واستمرار ارتفاع أسعار الفائدة، تراهن الولايات المتحدة بقوة على النمو المستقبلي، ما يذكرنا بأكثر صفقات الأسهم الخاصة خطورة.
ومن المفارقات أن مخاطر إعادة تمويل الأسهم الخاصة تتصدر جدول أعمال الجهات التنظيمية في كل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة.
ويمكن إجراء مقارنة أكثر إثارة للقلق مع قطاع العقارات التجارية، الذي يعتمد على الاستدانة بقدر كبير ويواجه ضغوطات ناجمة عن ارتفاع أسعار الفائدة وانخفاض الطلب على المكاتب؛ لذلك يعتقد سماسرة العقارات أن ما لا يقل عن ثلث القروض العقارية التجارية الأمريكية البالغة تريليوني دولار التي تحتاج إلى إعادة تمويل بحلول عام 2026 ستفشل في جمع الأموال اللازمة.
وقد يؤدي ذلك إلى موجة أخرى من الأزمات المصرفية الإقليمية، على غرار ما شهده بنك سيغنتشر العام الماضي، حيث يمكن أن تكون مئات البنوك الإقليمية الصغيرة، التي تعد ركيزة الإقراض العقاري التجاري، معرضة للخطر.
ومن المرجح أن يكون لهذه النظرة صدى لدى مطور العقارات والرئيس السابق دونالد ترامب،لكن إذا أعيد انتخابه، فمن المتوقع أن يواصل مسار الإنفاق الحكومي المرتفع، مع خفض الضرائب، أو على الأقل تمديد التخفيضات التي بدأها قبل سبع سنوات.
وسيكون ذلك بعيداً كل البعد عن العقيدة المالية المحافظة التي تمليها النزعة الجمهورية التقليدية، أي أنه لن يفعل شيئاً يُذكر لمعالجة عجز الموازنة.
هذه المفارقات لا تغيب عن سيمور دورست، قطب العقارات الراحل الذي تبنى نهجاً مالياً حذراً أثناء بناء إمبراطورية دورست العقارية، التي تقدر قيمتها بأكثر من 8 مليارات دولار حسب آخر الإحصاءات.
وكان دورست هو الذي أنشأ ساعة الديون الأمريكية في عام 1989 عندما كان الاقتراض الوطني أقل من 3 تريليونات دولار. إنه بالتأكيد كان سيشعر بالرعب إزاء الأرقام الجامحة للديون حالياً.