حضارم اليوم /متابعات
اضطرت جماعة الحوثي إلى تعليق مشاورات تشكيل حكومة جديدة كان زعيم الجماعة عبدالملك الحوثي قد أعلن في سبتمبر الماضي عن نيته تشكيلها بعد إقالة حكومة عبدالعزيز بن حبتور وتكليفها بتصريف الأعمال، وذلك في إطار ما قال إنّه عملية “تغيير جذري في مؤسسات الدولة” و”تصحيح السياسات وأساليب العمل بما يخدم الشعب”.
وقالت مصادر مطلعة على الأوضاع في صنعاء إنّ قرار التعليق جاء بسبب الفشل في إيجاد شخصية من خارج الجماعة تحمل المواصفات المطلوبة من قبل قيادتها، بعد اعتذار عدّة شخصيات عن عدم قبول عرض الحوثيين بترؤس الحكومة الجديدة.
وكان قد برز خلال الفترة الأخيرة اسم القيادي في الحزب الاشتراكي اليمني سلطان السامعي كمرشّح رئيسي لتشكيل الحكومة، لكن المصادر أكّدت أنه اعتذر في ظل أنباء عن وجود خلافات بينه وبين القيادة الحوثية حول سقف الصلاحيات الممنوحة لحكومته.
لكن المصادر ذاتها أكّدت أن اعتذار السامعي وعدد من الشخصيات الأخرى، من بينها أعضاء بارزون في حزب المؤتمر الشعبي العام، جاءت على خلفية بروز مركز قرار جديد في سلطة الحوثي يتجاوز المجلس السياسي الأعلى بقيادة مهدي المشاط ويرتبط مباشرة بمكتب عبدالملك الحوثي الذي يديره سفر الصوفي.
الحوثيون يحرصون على أن يكون رئيس الحكومة من خارج جماعتهم لإضفاء نوع من الشراكة الشكلية على سلطتهم
وأوضحت أن الصوفي المحسوب على الشق الحوثي المتشدّد والأكثر ارتباطا بإيران حصل مؤخّرا على تفويض من عبدالملك الحوثي لممارسة صلاحيات واسعة من ضمنها الإشراف المباشر على تشكيل الحكومة الجديدة وتوجيه عملها المستقبلي.
ويحرص الحوثيون على أن يكون رئيس الحكومة من خارج جماعتهم ومن داخل التيارات والشخصيات الحزبية الموالية لهم وذلك لإضفاء نوع من الشراكة الشكلية على سلطتهم وأيضا لاستمالة جمهور تلك التيارات وحتى القبائل التي ينتمون إليها.
غير أنّ ما بدا عسيرا قبوله من الشخصيات التي عرض عليها تشكيل الحكومة الجديدة هو أنّ الأخيرة ستكون مكلّفة ضمن مهامها بتغيير طبيعة الدولة ومؤسساتها في ضوء توجّه عبدالملك الحوثي إلى أسلمتها وفقا لتعاليم المذهب الزيدي.
وقال الحوثي لدى إعلانه قرار تشكيل حكومة جديدة إنّ الهدف من وراء ذلك هو تحقيق “الشراكة الوطنية والمفهوم الإسلامي للشورى ووحدة الشعب اليمني والمفهوم العام للمسؤولية الذي تتكامل فيه الأدوار”.
وقال أحد المصادر إن قبول السامعي أو أي قيادي مؤتمري آخر بتشكيل حكومة تقود أسلمة السلطة على الطريقة الحوثية سيعني خروجه بالكامل عن الحدّ الأدنى من الأفكار والمبادئ التي يتبناها في نطاق انتمائه الحزبي والفكري.
ويوضّح مصدر ثان أنّ السلطات الممنوحة للصوفي جاءت في نطاق عملية مركزة للقرار في الدائرة الضيقة المحيطة بعبدالملك الحوثي قصد التفرّد بإدارة المرحلة التصعيدية شديدة الخطورة التي انطلقت مع استهداف حركة الملاحة في البحر الأحمر وباب المندب وبحر العرب.
ويضيف أنّ قرار التصعيد لا يحظى بالإجماع داخل أعضاء الجماعة حيث أظهر البعض منهم تخوفهم من ردّة فعل دولية عاصفة تقوّض كل ما استطاع الحوثيون تحقيقه من سيطرة على الأرض وشبه تسليم من قبل القوى المعادية لهم وعلى رأسها السعودية بتلك السيطرة والدخول في مفاوضات سلام معهم على أساسها. غير أن الشق الأقرب إلى زعيم الجماعة مازال يصر على التصعيد تنفيذا لأوامر إيرانية مباشرة.
وعن علاقة هذا المعطى بتعذّر تشكيل حكومة جديدة في صنعاء، قال المصدر إنّ اعتذار الكثير من الشخصيات التي عرض عليها ترؤس الحكومة جاء أيضا على خلفية تخوّفها من تحمّل المسؤولية في ظل عملية التصعيد الجارية التي لا أحد يستطيع أن يتوقّع مداها وما يمكن أن تفضي إليه.
وطرأ قبل يومين عامل تصعيدي جديد تمثل في توجيه اثنتي عشرة دولة إنذارا شديد اللهجة للحوثيين بوجوب وقف تعرضّهم للسفن التجارية. وقال الائتلاف المشكّل بقيادة الولايات المتحدة لحماية خطوط الملاحة في البحر الأحمر في بيان نشره البيت الأبيض إنّ “على الحوثيين أن يتحملوا مسؤولية العواقب إذا استمروا في تهديد الأرواح والاقتصاد العالمي وحرية انتقال البضائع في الممرات المائية الأساسية في المنطقة”. وأضاف “لتكن رسالتنا الآن واضحة: ندعو إلى وقف هذه الهجمات غير القانونية فورا والإفراج عن السفن وطواقمها المحتجزة بشكل غير قانوني”.
ووصف مسؤول كبير في إدارة بايدن الرسالة بأنها “واضحة جدا”. وقال للصحافيين “لا أتوقع تحذيرا آخر. أعتقد أن هذا البيان يتحدث عن نفسه”.
ومنذ أسابيع يشنّ الحوثيون هجمات بطائرات مُسيَّرة وصواريخ تستهدف السفن التي يعتبرونها مرتبطة بإسرائيل أو تلك التي يعتقدون أنها متّجهة إلى موانئ إسرائيلية، بالقرب من مضيق باب المندب الإستراتيجي عند الطرف الجنوبي للبحر الأحمر، تحت يافطة دعم قطاع غزة في الحرب بين إسرائيل وحركة حماس.
ويكرّر الحوثيون أنّهم سيواصلون استهداف السفن طالما لم تدخل كميات كافية من الغذاء والدواء إلى قطاع غزة الذي تحاصره إسرائيل بصورة مطبقة وتشن عليه حملة قصف متواصلة وعمليات برية منذ هجوم حماس على الدولة العبرية في السابع من أكتوبر الماضي.
وتصف عدة جهات يمنية ما يقوم به الحوثيون بأنّه لعب على حافة الهاوية وأنّه من إملاء الشق المتشدّد في الجماعة والحريص على تنفيذ أوامر إيران المرتبطة بحساباتها في المنطقة وبغض النظر عن النتائج التي قد تفضي إليها مواجهتهم المحتملة مع القوى الدولية.