كتب/ هاني مسهور
المهتمون العرب عادة ما يضبطون ساعاتهم على حضور معالي الدكتور أنور قرقاش، المستشار الدبلوماسي لصاحب السمو رئيس الدولة، كونه أحد أهم عرابي السياسة الإماراتية في العقود الأخيرة، كما أنه واحد من أبرز منظري السياسة العربية في القرن الحادي والعشرين. إطلالات مهمة كونها تمنح رؤية صافية للمشهد السياسي لبلاده والمنطقة الخليجية ذات التأثير العابر لحدودها مع تعميق وجودها الجيوسياسي وكذلك الجيواقتصادي، ولذلك فإن حضوره دائماً ما يقدم إضافة فارهة للفكر السياسي العربي، وهذا ما كان في منتدى الإعلام العربي بنسخته الثانية والعشرين.
قدم الدكتور أنور قرقاش رؤية عميقة حول مفهوم البحث عن صيغة مختلفة للتعاون العربي، وهنا استدعاء صريح لما يجب استدعاؤه بعد أن استهلك المفهوم السائد الذي نشأ من مطالع القرن العشرين، وما ارتبط به من أطروحات القومية العربية التي أفضت إلى تكوين الفكر السياسي العربي وحققت أقصى مستهدفاتها بقيام الدول الوطنية العربية.
استثمرت الصيغة السياسية لمفهوم القومية مستدركاتها بثورة الضباط الأحرار المصرية في يوليو 1952 ومن بعدها دفعت بقوى التحرر الوطنية العربية لتشكيل خريطة الدول العربية، وعلى امتداد عقود ظلت الصيغة حبيسة في دائرة مغلقة لم تعرف تجديداً يواكب المتغيرات الدولية وحتى تلك العربية بكل سياقاتها السياسية والاجتماعية.
الأمن القومي العربي أحد أهم العناوين التي تتطلب إعادة تعريف. فلم يعد تعريف «الأمن القومي» الناشئ بعد العدوان الثلاثي على مصر في العام 1956 يستقيم مع المتغيرات والتحولات. الأمن القومي بمفهومه المعاصر دخلت عليه أولويات أساسية فلقد استجد الإرهاب كمهدد للدولة الوطنية، وأسهم في إسقاط وإفشال العديد منها، كما أن التدخلات في الشؤون العربية لم تعد مقصورة على دولة أو كيان محدد بالصورة السابقة، وهو ما يستوجب إعادة ضبط تعريف الأمن القومي العربي، فهو من الضرورات الواجب استحضارها والعمل على تصويب التعريف فهو أحد أهم مداخل التصحيح الأمني على الصعيد القومي.
صيغة التعاون العربي المشترك تبدو مفهوماً غاية في العمق، والحوادث الجسيمة من زلزال سوريا والمغرب وفيضان ليبيا تفرض استقراء في ما يجب النظر إليه باهتمام. فلا يمكن إسناد الدول المتضررة من الكوارث الطبيعية وحتى السياسية دون صيغة تقوم على وضوح في رؤية التعاون المشترك.
محفزات ما دفع به الدكتور أنور قرقاش جديرة بأن تتولى النخب الفكرية والسياسية في الوطن العربي العمل عليها بالبحث الجاد عن صيغة محدثة للتعاون العربي القائم على المصالح الاقتصادية المشتركة . وإشراك المجتمعات في هذه الصيغة ضرورة فليس ثمة وقت يبدده العرب مع التسارع التكنولوجي والطفرة الكبيرة في اقتصاديات العالم. تحديث الفكرة الجامعة للعرب مدخل للتغيير، وإذا كانت الإمارات تقدم نفسها كدولة تعمل من خلال شركائها وهي القادرة على العمل السياسي الديناميكي وصاحبة المبادرات السياسية الشجاعة بمد الجسور مع الشرق والغرب، فهذا نموذج ناجح يمكن الاعتماد عليه واستنساخه، فالنجاح للكل، وكمفكر وسياسي حكيم وضع قرقاش إصبعه على جرح العرب، فهل تتدارك النخب مسؤولياتها وتمضي لإنتاج صيغة للتعاون المشترك؟