كتب/ هاني مسهور
مع المتغيرات في النظام الدولي، يبدو أن الشرق الأوسط سيكون محوراً مهماً في التشكيل السياسي للعالم. فهذا الجزء الحيوي كان منذ البداية نقطة أساسية مع الرؤية الأميركية التي أظهرت عزمها على التخفف من التكلفة السياسية والعسكرية على حساب اهتمامها بما تراه أنه تهديد لها في الشرق الآسيوي.
كشفت السياسات الأميركية استراتيجيتها بوضوح مع الانسحاب من أفغانستان، والرد الباهت على الهجمات الإرهابية التي طالت المنطقة كان تأكيداً على أن واشنطن لديها ما يشغلها في مكان آخر.
الصينيون قدموا مفاجأة سياسية برعايتهم لاتفاق سلام سعودي إيراني فتح سؤالاً عريضاً حول ما إن كانت بكين قادرة على أن تتحمل تكلفة الملفات الثقيلة في الشرق الأوسط؟ يبدو أن الفكرة الصينية تعتمد على معادلة (رابح- رابح). فهي ترى أن منطقة الخليج المصدر الأساسي للنفط، يجب أن يكون في أدنى درجات التوتر لضمان الحصول على التدفقات النفطية، علماً بأن هذا يستوجب تكلفة مالية من أجل تأمين إمدادات الطاقة، إنها معادلة واضحة تستطيع الصين تحقيقها.
المنطقة الشرق أوسطية اعتادت على سياسة الحبال المشدودة، وتعايشت معها الولايات المتحدة من بعد الحرب العالمية الثانية على قاعدة أمن إسرائيل وضمان التهدئة الكفيلة بمرور ناقلات النفط عبر المضائق من هرمز في الخليج إلى باب المندب في عدن وحتى عبورها قناة السويس المصرية.
تنفق واشنطن 70 مليار دولار من ميزانيتها على القطاع العسكري في الشرق الأوسط من أجل هذا، وهي تدرك أن الثمن الباهظ لابد وأن يدفع لتظل المحرك السياسي القوي، القادر على فرض هيمنة العملة الأميركية على أسواق العالم.
فكرة الصين ترتكز على ترسيخ نفسها في الهيكل الاقتصادي المستقبلي للاعبين الإقليميين الرئيسيين، «مشروع الطريق والحزام» يفرض هذه المنهجية المعقدة، وعلى ذلك لم تجد بكين سبيلاً غير أن تسير على حبال الشرق الأوسط المشدودة. الأميركيون يراقبون بالتأكيد الخطوة الصينية الأولى، وعلى ما يبدو فإنهم ينتظرون التعثر بكثير من الاهتمام، فهذه منطقة ملغومة.
وإذا كانت الصين تعتقد أن القفز بالمنطقة من حالة التوتر المستدامة إلى أفق اقتصادي سيساهم بإعادة تعريف الشرق الأوسط، فهذه مسألة حالمة من الصعب تحقيقها. إلى أيّ مدى يمكن أن تلعب بكين دور الضامن لأمن الشرق الأوسط؟!
العلاقة مع القوى الإقليمية اقتصادياً سيحقق جزءاً مما تريده الصين، غير أن هناك أجزاء أخرى يجب أن توضع في الاعتبار، بداية من الصراعات الأيديولوجية ومروراً بالخلافات المذهبية ووصولاً إلى النزاعات الحدودية، هذا الجزء من العالم يبقى الأكثر التهاباً.
قد يكون مفهوم (رابح رابح) غير كافٍ لشرح سياسة الصين في الشرق الأوسط. والصينيون عليهم إظهار مزيد من التفهم للطبيعة الجيوسياسية للمنطقة، حتى يتم تقليل خطر الانزلاق في مواجهة مباشرة ليس بين القوى الإقليمية فحسب، بل مع الولايات المتحدة.
يروق لكثير من أنظمة الشرق الأوسط التوجهات الصينية التي لا تنخرط في السياسات الداخلية للدول، وسيكون من المأمول توفير القوة الضامنة لمنع التوترات، بما فيها من جهود مكافحة الإرهاب التي تعد من بين أصعب الملفات الملتهبة، في النهاية يتعين على بكين أن يكون لديها من القوة والصبر للسير فوق الحبال الشرق أوسطية المشدودة.