الرئيسية / أراء وكتاب / على ماذا يقتتل السودانيون؟؟ مقال: د. عيدروس النقيب

على ماذا يقتتل السودانيون؟؟ مقال: د. عيدروس النقيب

المكلا(حضارم اليوم)كتبه: د. عيدروس النقيب

ليس للشعب السوداني بقواه السياسية وتنويعاته الإثنية والجغرافية، علاقة بالحرب الحمقاء التي اشعلها الجنرالات، سوى أن أبنائه هم الضحايا المباشرين وغير المباشرين لحرب الجنرالات المتهورين المتعطشين لكرسي السلطة اللعين.

كانت ثورة ديسمبر ٢٠١٩م الشابية السلمية الرائعة صورة نوعية ومميزة لثورات الربيع العربي التي يصر البعض على تصويرها كمؤامرة إمبريالية غربية صهيونية، واستمرت الثورة بصمود السودانيين وسخائهم بتقديم الأرواح والدماء قربانا لانتصارها، حتى أجبرت جماعة البشير على التخلي عنه والإطاحة به.

لكن سقوط الجنرال البشير لم يكن هو النهاية، بل كان مرحلة جديدة لصراع العسكر الذين احتلوا موقع البشير لكنهم صعدوا إلى المقاعد العليا ليستمر الصراع وينتج عنه ثنائية المكونين “العسكري والمدني”.

بيد إن الجنرالين عبد الفتاح البرهان ومحمد حمدان حميدتي، لم يكونا من تلاميذ مدرسة الجنرال المرحوم عبد الرحمن سوار الذهب، بل كانا تلميذين مميزين لمدرسة الجنرال عمر البشير.

مما أتذكره، إنه وبعد ألإطاحة بالجنرال الإخواني عمر البشير وبعد حوارات ووساطات مطولة وبعد تشكيل مجلس السيادة جرى الاتفاق على تناوب رئاسة مجلس السيادة بين المكونين العسكري والمدني وكان الاتفاق على فترة انتقالية يتم في نهايتها تشكيل نظام حكم مدني عن طريق الانتخابات الحرة والمباشرة.

لكن كل هذا واتفاقات كثيرة أخرى جرت الإطاحة بها بعد الانقلاب على حكومة عبد الله حمدوك، واعتقال الأخير وهو ما كان يعبر عن ضيق العسكر بأي شراكة مدنية مهنية واحترافية كحالة الدكتور عبد الله حمدوك.

كان غالبية المتابعين للشأن السوداني يعتقدون أن الصراع في السودان هو بين الطرفين المدني والعسكري، لكن الأحداث الكثيرة كشفت للجميع كم هو صعب وقاسي ومؤلم الرهان على قدرة العسكر على تولي الحكم، وقبولهم بالانتقال إلى النظام المدني.

من المؤسف أن القوى المدنية السودانية التي أشعلت ثورة ديسمبر ٢٠١٩م الرائعة، شهدت تفككا وانقسامات عديدة، لكن مأساة السودان لا تكمن هنا، بل تكمن في كذب الجنرالات وترتيب حساباتهم على الانقلاب على الثورة والاستحواذ على الحكم.

الحرب في السودان لا تكشف فقط الأزمة العميقة التي تواجه عملية التغيير الديمقراطي وطموح الشعب السوداني لإقامة نظام حكم مدني يقوم على الحوكمة والانتخابات الحرة التنافسية، وتكريس مبدأ المسألة والمحاسبة، ولكنها تبين حجم السطوة والنفوذ والهيمنة التي يتمسك بها الجنرالات والذين ظلوا دوما هم العائق أمام كل تغيير في معظم بلداننا العربية.

وفي الحقيقة لا بد من الاعتراف أن الجنرال عبد الفتاح البرهان هو الرئيس الانتقالي التوافقي (غير المنتخب) وربما يتمتع بميزان قوى أكثر من غريمه الجنرال حميدتي، وقد يظفر بهزيمة غريمه بعد سيل من الدماء، لكن يبقى السؤال: هل حقاً سيقبل البرهان بنقل السلطة إلى المدنيين؟ وهل سيفي بوعده بإعادة العسكر إلى ثكناتهم ككل جيوش الدنيا؟ أم إنه سيخلع البدلة العسكرية وينصب نفسه حاكماً (مدنياً) إلى الابد؟ أم سيطرح مطالب المكافأة لهزيمته زميله السابق غريمه الراهن، وهذه المكافأة هي إلغاء الاتفاق الإطاري وكل الاتفاقات السابقة والعودة إلى نسخة مطورة من نظام حكم البشير؟

وهذا السؤال ينطبق على الجنرال حميدتي، مفجر الحرب ومدبر الانقلاب، فهو يتمتع بقوة لا يمكن الاستهانة بها، فضلا عن تفوقه على غريمه في بناء العلاقات العامة ومخاطبة الخارج ولباقته في تسويق نفسه كمنقذ للديمقراطية؟

اسأل الله للسودان الشقيق السلامة والسلام، وتجاوز هذه المحنة التي صنعها الجنرالان، والعودة إلى الحكم المدني الذي كان قد خطا باتجاه الجنرال الوطني النبيل المرحوم عبد الرحمن سوار الذهب عليه رحمة الله.

شارك الخبر

شاهد أيضاً

القضية الجنوبية و”الخنق عن طريق العناق” مقال د: عيدروس النقيب

المكلا (حضارم اليوم) كتبه د: عيدروس نصر ناصر النقيب منذ اندلاعتها الأولى بعيد الحرب الظالمة …