حضارم اليوم / الشرق الأوسط
بعد مرور 73 عاماً على حكم هو أشبه بقرار صدر في عهد الإمام أحمد حميد الدين، حاكم شمال اليمن آنذاك، قضى بمصادرة أراضي مدينة الحديدة (غرب) باعتبارها أملاك الدولة، أعادت الميليشيات الحوثية إحياء هذا الحكم، وأمرت بتشكيل لجنة من عناصرها لتنفيذه، بحسب ما أفادت به مصادر مطلعة تحدثت لـ«الشرق الأوسط».
وباشرت عناصر الميليشيات –بحسب المصادر- عملية البحث عن العلامات الحدودية الواردة في الحكم، وتجاوزوه إلى مصادرة ملايين الأمتار خارج إطار ما ورد في ذلك الحكم، معتبرين أن جميع أراضي الحديدة ملك للدولة، ولا يوجد لأي فرد أو قبيلة ملكية فيها؛ حيث تسعى الجماعة لإيجاد مصادر جديدة للأموال، لتغطية نفقات حملات التجنيد الجديدة.
وذكرت المصادر في مدينة الحديدة أن عناصر الميليشيات في مكتب أراضي وعقارات الدولة، بدأوا تنفيذ توجيهات زعيمهم عبد الملك الحوثي، لتطبيق حكم صدر في نهاية الخمسينات، يقضي بأن أراضي الحديدة كلها تقريباً ملك للدولة؛ حيث بدأوا النزول الميداني للبحث عن كبار السن لمعرفة مواقع العلامات المحددة للأراضي التي وردت في الحكم، وهو ما يعني أن هذه اللجنة هي صاحبة الحكم، وهي أيضاً من ستتولى تنفيذه وتحديد علامات الأراضي بعد أكثر من سبعين عاماً على صدوره.
وخلافاً لهذه الرواية، يؤكد سكان الحديدة أن أراضي مدينة الحديدة عوملت في عهد الإمامة فقط كملكية للدولة، وأن كل المنطقة بما فيها بيت الفقيه؛ حيث مدينة المقاومة «الزرنوقية» لم يتم التعامل معها بموجب هذا الحكم، وأوضحوا أنه في خمسينات القرن الماضي ادعى الإمام ملكية أراضي جنوبي الحديدة، وصدر الحكم لصالح قبيلة الجرابح، باعتبارهم ملاك الأرض، في حين بقيت ملكية أراضي الحديدة للدولة.
من جهته، يقول المحامي رضوان سعيد العبسي، الذي يعمل على ملف الأراضي في محافظة الحديدة، إن هناك حكماً لاحقاً صدر عام 1960 بين الدولة حينها وقبائل مدينة الحديدة، حدد هذا الحكم مع قراره التنفيذي مرافق الدولة بميلين ونصف ميل (حوالي 4 كيلومترات) من 3 جهات، باعتبار الجهة الرابعة هي البحر، وما بعد الميلين والنصف هي أملاك لقبائل الحديدة؛ حيث صادق الإمام أحمد على هذا الحكم، والقرار التنفيذي له عام 1961، وحدد 3 مواقع داخل مدينة الحديدة، يبدأ منها احتساب الميلين ونصف الميل.
وبحسب العبسي، فإن ما يحدث الآن هو تنفيذ لذلك الحكم «بمزاجية وبشكل غير قانوني، لغرض نهب أراضي المواطنين وبمساحات تقدر بملايين الأمتار». ويضيف بالقول: «الكارثة لا تقف هنا؛ بل تمتد إلى القانون رقم 21 لسنة 1995، بشأن أراضي وعقارات الدولة، إذ إنهم يريدون تطبيقه في الحديدة بأثر رجعي».
ويرى المحامي في تفسير الحوثيين للقانون، أنه «بمثابة تأميم مبطن لأراضي المواطنين بالحديدة». ويقول: «إذا كان القانون ينص على أن الجبال والتلال والهضاب والصحاري أملاك للدولة، فإن الحوثيين يريدون من خلال هذا النص اعتبار الحديدة كلها صحراء، وبالتالي فإنها أملاك دولة، رغم أن النص القانوني له تكملة تقول: (ما لم يتعلق بملك ثابت للغير)؛ لكنهم لا يريدون تطبيق هذه التكملة».
في السياق نفسه، يبين الناشط المهتم بملف أراضي الحديدة، محمد سعد، أن أراضي وعقارات مدينة الحديدة القديمة قبل عام 1960، أي ما قبل صدور الحكم الخاص بمرافق مدينة الحديدة، تشمل حارات الحديدة القديمة، مثل: حارة السور، وحارة الشام، وحارة الحوك، وحارة الترك، وسوق الهنود، والمشرع، وحارة اليمن، والصبالية، والشحارية، والدهمية، والصديقية، وبقية حارات مدينة الحديدة القديمة، وهي أراضٍ مملوكة ملكية حرة خاصة لسكان تلك الحارات القديمة.
ويضيف: «أما الجزء الآخر فهي الأراضي والعقارات الواقعة ضمن ما سُمي مرافق البلدة (مرافق الدولة) المشمولة بالحكم الصادر زمن الإمام أحمد حميد الدين، ما بين الدولة حينها وقبائل الربصة والحوك والمشاقنة وقبيلة القحرى، ولدى هذه القبائل تحفظات عليه؛ لأنه يعتبر سابقة تمت في مدينة الحديدة مغايرة لبقية مدن البلاد؛ حيث تم أخذ أملاك القبائل، ونسبت ملكيتها للدولة بهذا القدر الكبير من المساحة».
ويرى الأمين الشرعي (كاتب العقود) محمد العلماني، أن معالجة مشكلات الأراضي والعقارات في محافظة الحديدة تتطلب إسقاط الأراضي المملوكة للدولة ملكية صحيحة، والتي تعود ملكيتها للدولة إلى ما قبل عام 1960، بحيث تكون أملاك وعقارات الدولة واضحة جلية، وليست خاضعة لاجتهاد أي موظف مهما كانت درجته أو المؤسسة التي يتبعها، ويتم إقرار الملكية الخاصة لقبائل الحديدة والمشترين من هذه القبائل بشكل عام، ابتداء من مركز مدينة الحديدة، وانتهاء لحدود محافظة الحديدة مع المحافظات الأخرى، أسوة ببقية قبائل الجمهورية في كافة المحافظات، مثل صنعاء وريفها ومحافظة عمران ومحافظة صعدة ومحافظة حجة، إذ يجب احترام ملكية قبائل الحديدة مثل احترام بقية القبائل في كافة محافظات البلاد.