المكلا (حضارم اليوم ) العرب
يسعى الحوثيون لانتهاز فرصة تمديد الهدنة لمدة شهرين إضافيين للضغط باتجاه نقل البنك المركزي اليمني إلى صنعاء، مراهنين في ذلك على ما أبدته الأمم المتحدة وبعض أطراف المجتمع الدولي من رغبة في تحقيق اختراق على مستوى توحيد المؤسسة النقدية في البلاد.
وشهد البنك المركزي اليمني انقساما منذ أن قرر الرئيس السابق عبدربه منصور هادي في عام 2016 نقل البنك إلى مدينة عدن، الواقعة جنوب اليمن، والتي أعلنها عاصمة للبلاد، على خلفية سيطرة الحوثيين الموالين لإيران على صنعاء.
وأدى هذا الانقسام في البنك إلى مشاكل كبيرة، لاسيما في علاقة بالتفاوت المسجل في أسعار صرف الريال اليمني مقابل العملات الأجنبية الأخرى بين العاصمتين، والارتباك الذي أحدثه على مستوى عمل البنوك التجارية، فضلا عن الارتفاع الكبير في رسوم التحويلات المالية.
ويدفع الحوثيون الذين يسيطرون منذ العام 2014 على صنعاء ومعظم شمال البلاد، باتجاه فرض هذا الملف كأولوية في المفاوضات التي جرى استئنافها في العاصمة الأردنية عمان، وهو ما تتحفظ عليه السلطة الشرعية التي تتمسك بضرورة حل معضلة حصار تعز جنوب غرب البلاد، قبل مناقشة أي قضايا خلافية أخرى.
وأكد وزير الخارجية اليمني أحمد عوض بن مبارك الأحد أن القضية الرئيسية في الجولة الثانية من المحادثات بين الحكومة والحوثيين في عمّان، هي رفع الحصار عن مدينة تعز، فيما بدا ردا غير مباشر على محاولة الحوثيين إجراء تعديلات على أجندة المباحثات الجارية.
وكان المجلس السياسي الأعلى التابع للحوثيين صرّح في وقت سابق بأن توحيد المؤسسة النقدية يجب أن يكون على رأس جدول القضايا المطروحة. وشدد المجلس على أن استمرار الهدنة رهين مواصلة الرحلات الجوية في مطار صنعاء، والسماح بدخول المشتقات النفطية، بالإضافة إلى صرف المرتبات وتوحيد السياسة النقدية في البلاد.
ويرى مراقبون أن إصرار الحوثيين على حل قضية الانقسام الجاري في البنك المركزي، ونقله إلى صنعاء، نابع من رغبتهم في وضع يدهم بالكامل على البنك وإداراته وعملياته، وبالتالي السيطرة على القطاع المصرفي في مناطقه والمناطق التي تسيطر عليها السلطة المعترف بها دوليا.
ويشير المراقبون إلى أن الحوثيين يريدون أيضا من خلال هذه الخطوة، إضفاء مسحة جديدة من الشرعية على انقلابهم، على غرار تمسكهم بإصدار جوازات سفر للراغبين في السفر عبر مطار صنعاء (وقد نجحوا في ذلك خلال فترة الهدنة الأولى).
ويعتبر المراقبون أن توحيد المؤسسة النقدية، والحديث عن نقلها إلى صنعاء، يفترض أن يناقش ضمن إطار التسوية السياسية، لأن تحقيق اختراق حاليا في هذا الملف سيصب بالضرورة في صالح الحوثيين، الذين يعانون من أزمة مالية شديدة في مناطق سيطرتهم، رغم الانفراجة النسبية التي حققها رفع القيود عن موانئ الحديدة. كما أن مثل هذه الخطوة الآن ستمنح الجماعة ورقة ثمينة في مواجهة السلطة الشرعية.
وأعلن المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي يعد أحد أبرز مكونات مجلس القيادة الرئاسي، عن رفضه القاطع لمساعي توحيد العملية المصرفية للبنك المركزي اليمني.
وحذّرت هيئة رئاسة المجلس الانتقالي في اجتماع لها السبت من “التحركات المريبة” لمسؤولي إدارة البنك المركزي في الخارج، الهادفة إلى توحيد العملية المصرفية بين صنعاء وعدن.
وأضاف المجلس في بيان رسمي تناقلته وسائل إعلام محلية أن هذه التحركات “تتماهى مع بعض الأصوات النشاز المطالبة بتوحيد العملية المصرفية”.
وحذرت هيئة رئاسة المجلس الانتقالي، خلال الاجتماع الذي ترأسه أحمد بن مبارك، تلك الأطراف التي اتهمتها بتنفيذ “أجندات مشبوهة” من مغبة تصرفاتها.
ودعت الحكومة التي يقودها معين عبدالملك، ويشارك فيها المجلس بخمس حقائب وزارية، إلى تحمل مسؤولياتها في توريد إيرادات النفط إلى البنك المركزي بعدن. وطالبت بإيجاد حلول سريعة لمعالجة مشكلة الكهرباء وسرعة تشغيل مصافي عدن، ووقف صرف الأراضي في العاصمة عدن، ومحافظات لحج وأبين والمهرة، وتفعيل لجنة حصر الأراضي للقيام بمهامها في تلك المحافظات.
وحثت الهيئة على سرعة إجراء هيكلة شاملة لإدارة البنك المركزي، وهيئة مكافحة الفساد، والجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، واللجنة الاقتصادية العليا، وفق مبدأ المناصفة بين الشمال والجنوب، بحسب ما تضمنته مخرجات اتفاق الرياض.
ويقول المراقبون إن موقف المجلس الانتقالي من طرح مسألة توحيد العملية المصرفية في اليمن يعود إلى عدة اعتبارات، من بينها أن خطوة إعادة البنك المركزي إلى صنعاء تتناقض وجهود المجلس في تعزيز دور عدن، كما أن للموقف ارتباطات بالقضية الجنوبية.
ويلفت المراقبون إلى أن صمت بعض القوى الشمالية المنضوية ضمن السلطة الشرعية، وعدم إبداء موقف حتى الآن حيال مسألة توحيد المؤسسة النقدية، يعود إلى حسابات سياسية خاصة بها، فهي من جهة لا تريد أن تمكن الحوثيين من ورقة بهذا الحجم لاستغلالها، ومن جهة ثانية تبدو متوجسة حيال المجلس الانتقالي.