المكلا( حضارم اليوم) خاص/كتب / أ.د. خالد مثنى حبيب:
يمثل إعلان فك الارتباط، الذي أصدره الرئيس علي سالم البيض في ٢١ مايو ١٩٩٤، قرارًا صائبًا تم اتخاذه في الوقت المناسب، وبهذا القرار أُسقطت مشروعية الوحدة مرتين: الأولى بإعلان الحرب وإصدار فتوى تكفيرية بقتل الجنوبيين من قبل الطرف الشمالي، والثانية بإعلان فك الارتباط من قبل الطرف الجنوبي الذي وقع على الوحدة، وبهذا ماتت الوحدة، وما حدث بعد ذلك منذ ٢١ مايو ١٩٩٤ وحتى اليوم على أرض الجنوب وشعبه وما حدث في الشمال أيضا من سيطرة أنصار الله على الشمال أشبعها موتا. وما يهمنا هنا هو البحث في مآلات إعلان فك الارتباط، والمزمع الاحتفال بذكراه غدا (أمس) في لحج وفي العديد من محافظات الجنوب.
يمكننا القول: إن هذا الإعلان رغم فشله إلا أنه أحدث صدىً وأثرًا إيجابيًا لمستقبل قضية الجنوب، فقد أعطى مشروعية لقضية الجنوب وفتح الباب لنضال الأجيال الجنوبية القادمة لطرد الاحتلال واستعادة دولتهم. وهو ما حصل بالفعل عندما خاض شعب الجنوب نضالًا سلميًا وعسكريًا حتى حرر عاصمته عدن وبعض المحافظات والمديريات الجنوبية الأخرى.
وعلى المستوى الإقليمي والدولي كان لإعلان فك الارتباط صدى قوي حينها، فقد تم عقد سلسلة من الاجتماعات الإقليمية والدولية بعد صدور ذلك الإعلان، منها: اجتماعان لمجلس الأمن الدولي الذي تمخض عنهما قراران: الأول قرار رقم ٩٢١ الصادر بتاريخ ٢٦ مايو ١٩٩٤، والثاني القرار رقم 931 بتاريخ ٢٩ يونيو ١٩٩٤، بالإضافة إلى اجتماع وزراء خارجية مجلس التعاون الخليجي في أبها بالسعودية من 4 إلى 5 يونيو 1994 وكذا اجتماع دول إعلان دمشق من 5 إلى 6 يوليو 1994 في الكويت، وجميع بياناتها تصب في الغالب لصالح الجنوبيين، الأمر الذي دفع المجتمع الدولي بسبب هذا الإعلان إلى الضغط على الرئيس صالح بإجراء عفو عام وتنفيذ وثيقة العهد والاتفاق والالتزام بالديمقراطية، ولكن صالح لم يلبث أن ينكث بأغلب تلك الالتزامات التي كانت السبب الرئيس ليس في إقالته وقتله فحسب بل وبكل ما وصل إليه اليمن من مآسٍ.
حتى هذه اللحظة وإذا ما افترضنا جدلا بأن ذلك الإعلان لم يحدث أصلا فكيف كانت ستسير الأمور؟ كان المتوقع أن الحرب تستمر طويلا وربما سترافقها انتقامات وتصفيات جسدية في ظل غياب اهتمام المجتمع الدولي بها باعتبارها شأنًا داخليًا، وسيكون الباب مسدودًا أمام نضال الجنوبيين في المستقبل وسيكون وضعهم أصعب مما هو عليه الآن.
الرئيس البيض لم يحِد عن مضامين إعلان فك الارتباط، فظلّ متمسكًا به كالقابض على الجمر، عكس من كانوا مشاركين معه فيه وتخلوا عنه وهم كثر، فقد تعهد البيض بتسليم الراية للشباب لاستكمال إنجاز أهداف ذلك الإعلان، وصدق فيما قال وسلم الراية للمجلس الانتقالي الجنوبي برئاسة القائد المناضل الشاب عيدروس الزبيدي، رئيس المجلس، الذي حاز على تفويض شعبي في ٤ مايو ٢٠١٧، والذي استعاد دور الجنوب في المعادلة السياسية اليمنية كنائب رئيس عن الجنوب ليكمل ما عجز عنه رئيسه السابق البيض في تنفيذ مضامين إعلان فك الارتباط على واقع الأرض وفي الأروقة الدبلوماسية الإقليمية والدولية.
وعليه نقول: إن إعلان ٢١ مايو 94 هو حدث جنوبي مهم إلى جانب إعلان عدن التاريخي في ٤ مايو، لا سيما في ظل استمرار الاحتلال الشمالي للجنوب، وينبغي الاحتفال به سنويا وبقوة لأن ذلك الإعلان يمثل الفيصل في فرز الجنوبيين وتحديد مواقفهم تجاه مشروع احتلال وطنهم الجنوب، فمن أيد هذا الإعلان من الجنوبيين فهو رافض لاحتلال وطنه وشعبه، ومن وقف ضد هذا الإعلان فقد رحب بمشروع الاحتلال لأهله وناسه في الجنوب وأصبح مشاركًا في صنع معاناتهم وسلب حريتهم وكرامتهم. فالواقع يقول إن شعب الجنوب مع إعلان فك الارتباط بدليل المظاهرات الشعبية الجنوبية التي خرجت في عدن وعموم محافظات الجنوب رجالًا ونساءً بعد سماع هذا الإعلان في عام 94 ناهيك عن المليونيات المتكررة التي نفذها الحراك السلمي الجنوبي احتفالا وتأييدا لذلك الإعلان، بل وقدم على إثرها فاتورة طويلة من الشهداء والجرحى. واليوم المجلس الانتقالي الجنوبي برئاسة القائد عيدروس الزبيدي يواصل المشوار ويهيب بجماهير الشعب إلى إحياء هذه الذكرى العظيمة في فعاليات جماهيرية واحتفالات ثقافية وفنية و رياضيه في جميع محافظات الجنوب لتقديم رسائل داخلية وخارجية مفادها “تمسك شعب الجنوب ومجلسه الانتقالي بمضامين ذلك الإعلان في فك الارتباط وتحقيق أهدافه المشروعة عاجلا أم آجلا”.
تحية لشهداء إعلان فك الارتباط الذين سقطوا في حرب 94 وما بعدها.. تحية للسيد الرئيس علي سالم البيض على قراره الشجاع والتاريخي بإعلان فك الارتباط من دولة الوحدة الفاشلة.