كان من الطبيعي أن يعقب إعلام التجمع اليمني للإصلاح على المواقف والتصريحات والتقارير التي تتردد في وسائل الإعلام وعلى الساحة السياسية الجنوبية وغير الجنوبيةعموماً، وكذا تصريحات بعض القادة الجنوبيين التي تتحدث عن الشراكة بين التجمع اليمني للإصلاح والتنظيمات الإرهابية التي تتلفع برداء الإسلام السياسي وأبرزها تنظيمي القاعدة وداعش.
وكان يمكن لــ”المحرر السياسي” لصيحفة الصحوة (الناطقة باسم التجمع اليمني للإصلاح) أن ينفي الاتهامات التي وردت على لسان الأخ اللواء عيدروس الزبيدي في لقائه مع قناة الحدث السعودية حول تورط بعض الأسماء في رعاية الإرهاب وصناعة تنظيمات القاعدة وأنصار الشريعة وداعش وقبلها جيش عدن أبين وتصديرها إلى الجنوب للهروب من انكشاف تلك العلاقة الهادفة تشويه صورة الجنوب النابذ للإرهاب والإرهابيين، وهذا كان سيكفي لرفع العتب والتغطية على مأزق رعاة الإرهاب الذين يجمعون بين اختطاف الشرعية والتخادم مع الحوثيين واحتضان التنظيمات الإرهابية، لكن ‘المحرر” وفي محاولة الهروب من تلك الحقائق العارية بالغ في الشطط فأوقع نفسه وحزبه في مواقف محرجة لم يكن بحاجة إلى التورط فيها.
سأتجنب الحديث عن الهيام الذي أبداه “المحرر السياسي” للإصلاح بأسئلة المذيعة التي بدت وكأنها من صياغة مخبر في الأمن السياسي يعيش في ظروف ما قبل ٢٠١٥م، وكما قلت في تعليق سابق على هذه الأسئلة بأنها تعبر عن المصادر التي ظلت تضخ المعلومات المغشوشة والمضللة عن الانتصارات التي حققها “الجيش الوطني” طوال السنوات السبع الماضية والتي انتهت بهروب كل هذا الجيش وترك مواقعه واسلحته ومعسكراته ومواطني المحافظات لسطوة الحوثيين، لكنني بعد قراءتي لبيان “المحرر السياسي” أدركت أين طبخت أسئلة مذيعة الحدث ومن الذي ورط المذيعة المسكينة حينما كانت ردود الأخ عيدروس عليها تكشف لها أنها لا تمتلك أية معلومة عن الحقائق وإن ما لديها هي معلومات مشوشة بلا أدلة ولا براهين.
يكرر “المحرر” نفس الخطأ الذي وقعت فيه مذيعة قناة الحدث بتحميل المجلس الانتقالي فشل تقديم نموذج ملهم لبقية المحافظات من خلال حفظ الأمن وبناء مشاريع التنمية في عدن، ويبدو أن أخانا “المحرر” لا يعلم بأن موارد المنطقة بما فيها موانئ ومطار عدن وما شابهها من الضرائب والرسوم والجمارك تذهب إلى حساب السلطة الشرعية في البنك الأهلي بالرياض، ولا يعلم أن نفقات الموازنة العامة للدولة بما فيها موازنة النفقات الرأسمالية التي تشمل مشاريع التنمية، تقع تحت سلطة الحكومة ووزارة ماليتها وأن المجلس الانتقالي ليس مؤسسة اقتصادية أو مالية ولا يوجد لديه أي موظف لا في وزارة المالية ولا في البنك المركزي اليمني ولا في المؤسسات الإيرادية الجنوبية، مثلما إنه ليس مؤسسة أمنية وأن مهمة الأمن تقع تحت مسؤولية وزارة الداخلية، ولئن كان الوضع الأمني في عدن هو اليوم أفضل مما كان عليه قبل 2011م حينما كان القتل اليومي للمواطنين الجنوبيين العُزَّل من السلاح والمحتجين سلمياً على أيدي القوات الحكومية الرسمية ، بل وأفضل مما قبل ٢٠١٩م، مع كل هذا يعلم “المحرر” من هم الذين يرفضون القيام بواجبهم في حماية الأمن والاستقرار في عدن، بل إن معظم العمليات الإرهابية غالباً ما يتم تنفيذها على أيدي عناصر قادمة من مناطق نفوذ “الجيش الوطني” في شبوة ووادي وصحراء حضرموت، وكذا من مناطق البيضا ومأرب حيث الهيمنة الحوثية.
يتبين من حديث “المحرر السياسي” أنه لم يشاهد المقابلة ولم يستمع لما ورد على لسان الأخ رئيس المجلس الانتقالي، عند الحديث عن توحيد الجبهات ضد الجماعة الحوثية، فلم يسمع من الحديث إلا مفردة “الإخوان المسلمين” لكنه لم يسمع حديث الأخ عيدروس عن اقتلاع الجماعة الحوثية واستئصال المشروع الفارسي من اليمن ومن كل المنطقة، بل يبدو أنه لا يعلم أن الجبهة التي كان يقودها عيدروس الزبيدي كانت أول جبهة يُهزَم فيها الحوثيون حينما كان القادة في صنعاء يبحثون عن منافذ للوصول إلى الرياض واسطنبول.
وبطبيعة الحال لا يستطيع “المحرر” المسكين إنكار ما قاله الأخ عيدروس بأن القوات الجنوبية هي الوحيدة التي هزمت الحوثيين في كل الجبهات بما في ذلك آخر هزيمة لهم في بيحان وحريب، وأن القوات الجنوبية هي الوحيدة التي تنتشر على طول خطوط المواجهة مع الحوثيين من الساحل الغربي حتى حريب التي سلمها “الجيش الوطني” للحوثيين منذ نحو شهرين، وإنها لم تفرط بشبر واحد من الأرض التي تقاتل فيها أو تلك التي حررتها، بل راح المحرر السياسي يتحدث عن الضاحية الجنوبية وحزب الله وإيران في هذيان لا يجمعه جامع مع ما قاله اللواء الزبيدي من حقائق يعجز كل الإعلام الإصلاحي أن يدحضها.
ولماذا نذهب بعيدا؟ لنفتح قناة واحدة من قنوات إسطنبول أو موقع واحد من مواقع الإخوان المسلمين لنرى من يتغاضى عن مواجهة المشروع الحوثي ويتفرغ لمهاجمة الثورة الجنوبية والمجلس الانتقالي وكل الحراك الشعبي والسياسي في الجنوب!
يتهجم “المحرر السياسي” على المجلس الانتقالي والمقاومة الجنوبية ويتهمهما بخدمة المشروع الحوثي، وكأن عيدروس الزبيدي هو من أمر بتسليم فرضة نهم ومديريات شرق صنعاء ومديريات مأرب الغربية والوسطى والجنوبية مع كامل محافظتي الجوف والبيضاء ومديريات بيحان الثلاث للجماعة الحوثية، أو كأنه هو من سحب قوات الجيش من مناطق التماس مع الحوثيين إلى شبوة وشقرة ولودر وقرن الكلاسي ومرتفعات العرقوب في أبين.
لن أتناول تلك الترهات الممجوجة التي يرددها إعلام إسطنبول وشقيقاته عن منع الحكومة ورئيس الجمهورية من العودة إلى عدن فهذه سيرد عليها رئيس وأعضاء الحكومة الموجودون في العاصمة عدن وعلى طول وعرض محافظات الجنوب وأدعو مكتب رئيس الجمهورية إلى توضيح الحقيقة فيما يخص بقاء رئيس الجمهورية في العاصمة السعودية الرياض ومن الذي منعه من العودة إلى عدن، لكنني أختتم حديثي هنا بعدة لقطات أهمها.
• يقول الإخوان في التجمع اليمني للإصلاح أنهم لم يعودوا على صلة بحركة الإخوان المسلمين، فلماذا يستشيطون غضبا كلما ذُكِرَت عبارة “الإخوان المسلمين” في اي وثيقة أو مقالة أو تصريح صحفي أو مقابلة تلفيزيونية؟
• كل تصريحات ووسائل إعلام الإخوان الإصلاحيين تنكر صلة علي محسن بالتجمع اليمني للإصلاح، بل هناك من قال أنه قياديٌ في المؤتمر الشعبي العام، فلماذا يتصدى الإصلاحيون ومحرروهم السياسيون ووسائلهم الإعلامية للدفاع عن علي محسن ومهاجمة الرئيس هادي وتحميله كل الخيبات والهزائم والمنكرات التي صنعها نائبه وأعوانه؟
• قرأت كثيراً من التغريدات والتصريحات التي تهدد بفتح تحقيق بشأن الاتهامات الموجهة لعلي محسن برعاية الإرهاب والتنظيمات الإرهابية، وكان آخرها رسالة شخصية بعثها لي زميل إصلاحي تتضمن نفس التهديد لكنني قلت له لا أنصحكم بالانجرار إلى هذا الميدان فالقاصي والداني في الداخل اليمني والخارج العربي والدولي وكل مراكز المخابرات الدولية والعربية تعرف الحقيقة التي تحاولون الهروب من الإقرار بها، إلا إذا كنتم تنوون التخلص من الرجل فهذا أمرٌ آخر.
• كل منشور “المحرر السياسي” للإصلاح لم يتضح منه عمن يدافع فمرةً ينصب نفسه محاميا عن الحكومة الشرعية ومرة عن رئيس الجمهورية ومرة عن نائبه ومرة عن الإخوان المسلمين فأوقع المتابع غير العارف ببوطن الأمور في تشويش لا تكشفه إلا الحقائق التي يقول بها معظم الناشطين السياسيين في الشمال قبل الجنوب بأن حزب الإصلاح هو من خطف الشرعية وهو من أوقعها في الهزائم والإخفاقات التي يعرفها الجميع وهو من جعل جماعة سلالية قادمة من دهاليز القرون الوسطى تهيمن على كل مساحة الجمهورية العربية اليمنية (السابقة) بملايينها الثلاثين من السكان.
• يقول المحرر السياسي أن اللواء عيدروس الزبيدي ومجلسه الانتقالي مسكون بهاجس الانفصال، وكأنه (أي المحرر) يذيع سراً لا يعلمه إلّا هو، بينما يعلم الجميع أن مشروع استعادة الدولة الجنوبية ليس عملاً سرياً وهو شعار مرفوع منذ العام 1994م ، وقد طرح للمناقشة مع كل الأشقاء والأصدقاء، والشعب الجنوبي لم يدفع فاتورة الدماء والأرواح ضد احتلالي 1994م و2015م إلا لأنه متمسكٌ باستعادة دولته إذ إن ما يسميه “المحرر” بهاجس الانفصال هو مشروع وطني جنوبي يتبناه ملايين الجنوبيين وستكون الكارثة لو لم تتهموا اللواء عيدروس الزبيدي والمجلس الانتقالي بهذا الاتهام المشرِّف.
أما “هاجس الانفصال” فقد دشنتموه صيف 1994م يوم أن أصدرتم الفتوى التي تبيح قتل كل رجل أو امرأة أو طفل جنوبي باعتبار ذلك “مفسدة صغرى” أمام “المفسدلة الكبرى” المتمثلة بانتصار “الكفار الجنوبيين” وما نتج عن كل ذلك من عمليات سلب ونهب واستحواذ على كل ثروات وخيرات الجنوب وقتل وتنكيل وتهميش لأبنائه.
وأخيرا:
من يعبث “بوحدة الصف الوطني” إذن؟؟
أهو الذي يواجه الحوثيين ويلحق بهم أمرَّ الهزائم ويقدم الشهداء للحفاظ على كل متر من الأرض التي استعادها منهم؟ أم من ترك الجبهات في مأرب والبيضاء والجوف ومديرية نهم وجبال العود وسلمها بمعسكراتها وأسلحتها ومستودعاتها للحوثيين بلا مواجهة؟
أهو الذي حارب التنظيمات الإرهابية ودحرها من مناطق حضوره لتلجأ إلى المعسكرات “الشرعية” أم الذي يرعاها ويدعمها ويسهل لها تنفذ العمليات والجرائم حيثما عنَّ لها ؟
أهو الذي يواجه الحوثيين في جميع الجبهات أم الذي ترك الحوثيين ووجه قواته المسلحة لإعادة غزو الجنوب بعد تحرير أرضه من سطوة الحوثيين؟
أترك الرد على السؤال لذكاء القارئ الكريم.