عدن(حضارم اليوم)متابعات
تقف طواحين عتيقة في المنطقة الشرقية لمدينة عدن اليمنية، لتحكي قصة أقدم صناعة عرفتها اليمن تعتمد على مياه البحر المحيطة بالمدينة.
هذه الطواحين الواقفة بشموخ منذ قرابة 135 عامًا شاهدة على أحد أجود أنواع الملح البحري في العالم، المنتج هنا، وفي هذه المدينة، والذي حاز المرتبة الأولى دوليًا بداية تسعينيات القرن الماضي، ومطلع القرن الجاري.
الملح البحري المستخرج من بحار عدن، والذي تطحنه طواحين الملح هذه، لم يكن يضاهيه نوع آخر؛ نتيجة لطرق استخراجه المعتمدة على الطواحين.
وفي الوقت الذي تبدو فيه هذه الطرق تقليدية، إلا أن نقاوة مياه البحار بالمدينة تمنح ملح عدن ميزة خاصة جعلته يتصدر أسواق الملح العالمية في فترة من فترات الزمن.
لا تنقص العراقة تاريخ هذه الصناعة في مدينة عدن اليمنية، فبداياتها الأولى تعود إلى عام 1886 عند تأسيس أول شركة لإنتاج الملح بعدن، خلال الاحتلال البريطاني للمدينة، وما زالت ملّاحات وطواحين الشركة موجودة حتى اليوم، تشهد على هذا التاريخ.
لكن واقع صناعة الملح في عدن يواجه مخاطر حقيقية قد تؤدي إلى انقراضها، في ظل استمرار حالة التدهور في وضعها الإنتاجي وغياب أي دور رسمي في إنعاش هذه الصناعة العريقة.
فقطاع إنتاج الملح بعدن يشهد تراجعا متصاعدًا منذ نهاية القرن الماضي، بعد أن كان من أعرق القطاعات الإنتاجية في العالم جودةً، وقد حاز عام 1989 على الجائزة البرونزية، وعلى الجائزة الذهبية للجودة من أوروبا عام 2001.
وتقوم صناعة الملح على مياه البحر، حيث يتم استخراج الملح بطريقة تقليدية بضخ الماء إلى أحواض واسعة، ويُترك تحت أشعة الشمس لترسب الملح بفعل التبخر، الذي يخضع بعد ذلك للطحن.
وعملية الطحن تقوم بها طواحين الهواء التي ما زالت رابضة في مواقعها منذ أكثر من 130 عامًا، حيث تطحن كتل الملح الصلبة التي تبدو كالصخور الهشة.
وعبر آلات ميكانيكية يتم نقل الملح المطحون من داخل الطواحين إلى أماكن مخصصة لتجميعها في أكوام كبيرة، كآخر مراحل إنتاج الملح البحري.
وبحسب إحصائيات رسمية صادرة عن قطاع الملح في الغرفة التجارية والصناعية بعدن، فإن عمليات الإنتاج قد تراجعت خلال العقدين الماضيين.
وتشير آخر الأرقام الخاصة بكميات إنتاج الملح البحري في عام 2012 إلى تراجع كمية الإنتاج إلى 23 ألف طن سنوياً، مقارنة نحو 125 ألف طن سنوياً في عام 1990.
ولم تتوفر أية إحصائيات حديثة منذ عام 2015، وحتى الآن، بسبب تراجع الاهتمام المؤسسي، وعمليات الرصد والتوثيق.
وتعزي تقارير الغرفة التجارية أسباب ذلك التراجع إلى سيطرة متنفذين على أراضي وأحواض مؤسسة الملح الوطنية بعدن، خاصة وأن موقع الملاحات يتوسط منطقة واسعة وخالية.
بالإضافة إلى غياب ثقافة التنافس التجاري، وفتح المجال أمام استيراد كميات من الملح الخارجي، الأمر الذي جعل إيرادات المؤسسة تكفي لتغطية رواتب الموظفين والعاملين فقط، دون التفكير في تحقيق أرباح إضافية.