الرئيسية / أراء وكتاب / أمين صالح .. ثنائية الأرض والإنسان .. بقلم: أحمد عبد اللاه

أمين صالح .. ثنائية الأرض والإنسان .. بقلم: أحمد عبد اللاه

حين يستذكر المرء ذلك الزمن الخصب يرى “الحميراء”، البلدة الصغيرة، تختبئ في زاوية هادئة أسفل الصخور الجبلية وعلى مقربة من مصبات السيول التي تنحدر مساراتها باتجاه واد يتسع إلى الشرق وجنوب الشرق ويتفرع نحو جهات مختلفة، وكانت في بعض الأصياف الماطرة تغمر مساحات كبيرة من الأراضي حول مدينة الضالع والبلدات المجاورة حتى تتشبع الأرض بماء السماء وتزدهر حقول القمح. تلك البلدة المضيئة تساكن ،بتسامح عجيب، التضاريس المضطربة.. الجبال العالية، الجروف المائلة وانفتاح الواد المثقل بما ترك الدهر عليه.. وتشكل، لمن يحمل خيالاً خصباً، مضيق بين أرضين.. يُراكم السيول النازفة من الأعالي إلى محيطه المنخفض ثم يدفع بها لتروي أراضي شاسعة في موجات عطاء أزلي لا ينضب إلا حين تغفل السماء حاجة الارض العطشى كما فعلت في العقود الاخيرة.

لا ادري لماذا يأخذني هذا التقديم الطويل قبل الحديث عن صديقي الأمين الذي غادرنا بصمت.. ربما لأن ذلك يمهد لفهم البيئة التي غذت الكثير من جوانب ومزايا شخصيته الفذة.. فثنائيته مع الأرض، ليست مجرد تيمة تكتب في سياق حكائي وانما واقع يدركه كل من عرف أمين الإنسان الذي ملأ قلوبنا محبة واحترام، وتميز بحضور لافت في نشاطه السياسي منذ فترة مبكرة سبقت اندلاع الحراك الجنوبي.. اتسم بالصلابة والهدوء والحكمة ومثّل نموذج غير تقليدي في الحياة العامة والسياسية في الضالع خلال فترة حرجة من حياة الناس ليتحمل دوراً حيوياً في التعبير عن إرادتهم وتطلعاتهم ويصبح في نظرهم قائداً مثقفاً مستنيراً ومنفتح على كافة الأطياف منطلقا من فهمه العميق بأن المرحلة بحاجة إلى كل الألوان.. وكان يعي بأن الجنوب يعيش حالة حراك جماهيري وثورة شعبية سلمية يتعين على الجميع صيانتها وتنظيمها في مرحلة شديدة التعقيد، فهي مختلفة تماماً ولا يجب أن تحكمها التأويلات أو التصنيفات السياسية الجاثمة في اللاوعي عند الكثيرين فالجميع هم أبناء المرحلة وعليهم أن يجتمعوا من أجل استعادة وطنهم. ووفقا لهذا المبدأ كان يتعامل بشفافية وعقلية ناضجة مع الجميع على حد سواء منذ البدايات حتى رحيله المؤلم.

صديقنا أمين صالح وهو يرحل مبكراً يحيلنا الى تلك الأرض الطيبة التي ترعرع فيها وشرب من غيمها واتكأ إلى جبالها وأخذ دورها في سلوكه فكان سخي في تضحياته خصب في صمته يمتلك جاذبية حوارية في ظل التعقيدات المحيطة به، يشعر الجميع بأنه ملتقى عقلاني بقدرات ملفتة على تجاوز الخلافات خدمة للأهداف الوطنية فلا تشغله التفاصيل ولا تغرقه المصلحة و التبعية الأنانية للمنافع الذاتية أو الشهرة. جميل في سلوكه وصداقاته غني في معارفه المهنية، متواضع حد السمو لاعتزازه بذاته إذ لا ينقصه شيء سوى اكتمال اهداف البلد الذي صرف كل وقته من أجلها.

تميز كثيرا بمهاراته على التأثير والإقناع واتخذ الإبتعاد عن الأضواء سلوكاً يتسق مع طباعه ومع طبيعة الأرض التي تختزل كل محاسنها في كونها رافد حيوي لكل البقاع المحيطة.

ايها الصديق الأمين الراحل ماتزال نبرات صوتك حاضرة منذ آخر لقاء جمعنا عام ٢٠١٢ وانت تسرد تجربتك في محاورة أطراف متعددة حول وحدة الهدف وضرورة تجاوز حالات التشظي و الاصطفافات والمسميات المتعددة والشوائب المترسبة من تداعيات الماضي وما تركته الأزمنة من اختلالات وتبدلات في ثقافة الناس والتحديات القاسية و المتنامية في حياتهم وكنت تدرك بأنه ليس بمقدور أحد ان يعالج كل شيء بروشيته سياسية أو حلقات توعية سريعة في خيمة فضائية وانما بالعمل والمثابرة وفترة اختمار كافية في البحث عن صيغة توافقية تحفظ التنوع في سياق التوحّد على الأهداف، والتسامح في إطار احترام الاختلاف… وكنت تؤمن بأن اصحاب الحق لن يختلفوا فيما بينهم إن قادهم حكماؤهم.
كانت المعاناة حينها بادية على ملامحك القوية لكنها لم تكن قادرة أن تحجب ما اكتسبته من روح تلك الأرض.. الصبر والصلابة والهدوء والعطاء.

دمت حياً في قلوبنا

شارك الخبر

شاهد أيضاً

شعارها الانتصار .. ورايتها حماية الديار  مقال: نجيب العلي

المكلا (حضارم اليوم) كتبه: نجيب العلي ليس هناك اسمها هزيمة في قاموس القوات المسلحة الجنوبية، …