السعودية ( حضارم اليوم ) متابعات
أربكت المبادرة السعودية التي نصّت على إقرار وقف شامل لإطلاق النار في اليمن حسابات المتمرّدين الحوثيين وداعمهتم إيران على حدّ سواء، حيث جاءت في توقيت غير مناسب لكليهما.
ويعني وقف إطلاق النار في الوقت الحالي بالنسبة إلى الحوثيين وقف هجومهم في محافظة مأرب قبل أن يستكملوا استيلاءهم عليها بكل ما لها من أهمية إستراتيجية اقتصادية وسياسية، بينما يعني لإيران تبريد الصراع العسكري في اليمن وإغلاق جبهة لطالما حرصت على إشعالها لتثقل من خلالها كاهل السعودية غريمتها الكبرى في المنطقة.
ولا تريد إيران أن تفقد أيّا من أوراقها، بما في ذلك الورقة اليمنية، على الأقل قبل أن تستكمل إعادة ترتيب علاقاتها مع الإدارة الأميركية الجديدة والتوصّل إلى رفع العقوبات الشديدة التي فرضت عليها في عهد الإدارة السابقة.
وعلى هذه الخلفية جاء موقف إيران من المبادرة السعودية متطابقا مع موقف الحوثيين في طرحه اشتراطات تحيل على رفض مبطّن للمبادرة.
وقالت وزارة الخارجية الإيرانية الثلاثاء في بيان إن “وقف إطلاق النار (في اليمن) وفي نفس الوقت رفع الحصار سيمهدان الطريق لوقف هذه الكارثة الإنسانية”.
ويعتبر الحوثيون وإيران أنّ ما يفرضه تحالف دعم الشرعية اليمنية بقيادة السعودية من رقابة صارمة على منافذ اليمن البرية والبحرية والجوية لمنع تهريب الأسلحة الإيرانية إلى الدّاخل اليمني “حصارا”، ويقولون إنّه السبب الرئيسي في الوضع الإنساني السيء بالبلد.
وأكّدت الوزارة في بيانها دعم إيران لـ“أي خطة سلام تقوم على إنهاء العدوان (تسمية الحوثيين للتدخل العسكري السعودي ضدّهم) ووقف إطلاق النار وإنهاء الاحتلال ورفع الحصار الاقتصادي وبدء المحادثات السياسية، وأخيرا تسليم السلطة لليمنيين دون تدخل خارجي لرسم مستقبلهم السياسي”.
وكان وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان قال خلال إعلانه الإثنين عن المبادرة إنّ “تدخلات إيران هي السبب الرئيسي في إطالة الأزمة باليمن”.
ونصّت المبادرة السعودية التي قالت الرياض إنّها لن تدخل حيز التنفيذ قبل موافقة الحوثيين عليها، على إقرار وقف شامل لإطلاق النار تحت مراقبة الأمم المتحدة، وإيداع الضرائب والإيرادات الجمركية للسفن والمشتقات النفطية من ميناء الحديدة الواقع على البحر الأحمر غربي اليمن في الحساب المشترك بالبنك المركزي اليمني وفقا لاتفاق ستوكهولم بشأن الحديدة، وفتح مطار صنعاء الدولي لعدد من الرحلات المباشرة الإقليمية والدولية.
وجسّد الحوثيون، ومن ورائهم إيران، الحاجة للتصعيد بدل التهدئة من خلال شنّهم هجوما على مطار سعودي بطائرة مسيّرة، وذلك غداة طرح المبادرة السعودية.
وقال يحيى سريع المتحدث العسكري باسم الحوثيين الثلاثاء إنّ “سلاح الجوّ المسير استهدف مطار أبها الدولي بطائرة مسيرة من نوع قاصف ‘تو.كي’ محققا إصابة دقيقة”، معتبرا أن ذلك يأتي في “إطار الرد المشروع والطبيعي على تصعيد العدوان والحصار الشامل”، ومتوعدا باستمرار مثل تلك العمليات “طالما استمر العدوان والحصار”.
وبغض النظر عن إمكانية تطبيق محتوى المبادرة على الأرض، فقد حقّقت السعودية من خلالها مكسبا سياسيا ودبلوماسيا هامّا تمثّل في إحراج الحوثيين وإيران أمام المجتمع الدولي وتحميلهم مسؤولية إطالة أمد الحرب في اليمن وبالتالي المزيد من تعقيد الوضع الإنساني هناك.
ولم يستبعد متابعون لشؤون اليمن والمنطقة أن يهيئ الدعم الإقليمي والدولي الواسعين للمبادرة السعودية الأرضية لإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن التي بدا أنّها تورّطت في مواقف طوباوية من الملف اليمني تضمّنت الرهان على إمكانية تليين مواقف الحوثيين وجلبهم إلى مائدة التفاوض وضمّهم إلى مسار سياسي ينهي الصراع الدامي في اليمن سلميا.
وانضمّ الاتّحاد الأوروبي والمملكة المتّحدة وسلطنة عُمان وموريتانيا الثلاثاء إلى قائمة المرحّبين بالمبادرة السعودية. وقالت وزارة الخارجية العمانية إنّ السلطنة ترحّب بالمبادرة التي أعلنتها المملكة للتوصل إلى حل سياسي للأزمة في الجمهورية اليمنية. وأكدت في بيان استمرار عُمان في “العمل مع السعودية والأمم المتحدة والأطراف اليمنية المعنية بهدف تحقيق التسوية السياسية المنشودة التي تعيد لليمن أمنه واستقراره وبما يحفظ أمن ومصالح دول المنطقة”.
وأوروبيا قال وزير الخارجية البريطاني دومينيك راب عبر حسابه على موقع تويتر “أرحب بإعلان السعودية بشأن اليمن”، مضيفا “وقف إطلاق النار واتخاذ إجراءات لتخفيف القيود المفروضة على وصول المساعدات الإنسانية أمران ضروريان”.
كما دعا راب الحوثيين لاتخاذ خطوة ممثالة نحو السلام “وإنهاء معاناة الشعب اليمني الآن”.
وجاء ذلك فيما وصفت نبيلة مصرالي المتحدثة باسم مفوضية العلاقات الخارجية في الاتحاد الأوروبي المبادرة السعودية بالخطوة الإيجابية في مسيرة السلام.
وقالت عبر حسابها على تويتر “الاتحاد الأوروبي يرحب بإعلان السعودية بشأن سبل إنهاء الأزمة اليمنية والتوصل إلى حل سياسي شامل”.
وأضافت “يشجع الاتحاد الأوروبي جميع الأطراف على المشاركة دون تأخير مع المبعوث الخاص للأمم المتحدة حتى يتم إعلان وقف إطلاق النار على الفور وبدء عملية سياسية شاملة تحت رعاية الأمم المتحدة”. وتابعت “يقر الاتحاد بجهود عُمان والولايات المتحدة في هذا الصدد، ويكرر التأكيد على أن الاتفاق السياسي الشامل يظل الحل الوحيد لإنهاء الحرب في اليمن”.