المكلا ( حضارم اليوم ) متابعات :
مظاهر الطموح التركي لتركيز موطئ قدم على الأرض العراقية تتنوّع بين التوسّع في العمليات العسكرية الهادفة إلى ملاحقة عناصر حزب العمال في مناطق شمال العراق، وتهديد الرئيس رجب طيب أردوغان بغزو قضاء سنجار على حين غرّة، وأخيرا عرض خدمات مجانية على الجيش العراقي يغنيه عنها تعاونه مع القوات الأميركية والتحالف الدولي ضدّ داعش.
بغداد – جدّدت تركيا عرضها مساعدة العراق عسكريا، مؤكّدة بذلك اهتمامها المتزايد بإيجاد منفذ إلى الساحة العراقية قصد الانضمام إلى المتنافسيْن الرئيسيين على النفوذ داخلها، إيران والولايات المتّحدة.
وأكّد وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، الخميس، استعداد بلاده لدعم الجيش العراقي عبر مشاركته المعلومات والخبرات، وذلك في عرض مجاني سبق لبغداد أن تلقّت مثله من أنقرة دون أن تبدي أي تفاعل معه.
وجاء كلام أكار في وقت تواصل فيه قوّات بلاده عملياتها العسكرية ضدّ عناصر حزب العمّال الكردستاني في مناطق شمال العراق دون تنسيق مع السلطات العراقية.
كما جاء أيضا بعد فترة وجيزة من تهديد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بغزو مفاجئ لمناطق في عمق الأراضي العراقية قال إنّها تضمّ معاقل للحزب الذي تصنّفه تركيا تنظيما إرهابيا وتخوض حربا ضدّ عناصره المسلّحة منذ حوالي أربعة عقود.
ويرى مراقبون في التحرّش التركي المتصاعد بالأراضي العراقية امتدادا لسياسة التدخّل خارج الحدود التي أصبحت تركيا تنفّذها بشكل واضح خلال السنوات الأخيرة والتي تدخّلت بموجبها في ليبيا وسوريا وفي إقليم ناغورنو قرة باغ الذي كان مدار نزاع بين أرمينيا وأذربيجان.
ويحقق التدخّل العسكري في العراق لتركيا هدفين مباشرين أوّلهما خوض الحرب ضدّ الأكراد على أرض الجيران كما هو جار بالفعل على الأرض السورية، وجزئيا على أجزاء من الشمال العراقي، وثانيهما تثبيت موطئ قدم في البلاد إلى جانب إيران التي تثبّت نفوذها في العراق عبر وكلائها من السياسيين، وأيضا من قادة الميليشيات الذين يقودون ما يشبه “جيشا رديفا”، وأيضا إلى جانب الولايات المتّحدة التي تسجّل حضورا عسكريا محدودا على أرض العراق من خلال بضعة آلاف من الأفراد، وأيضا من خلال قيادتها تحالفا دوليا ضدّ تنظيم داعش، كما أنّ لواشنطن تأثيرا في السياسة العراقية من خلال علاقتها الوثيقة بحكومة بغداد.
وكثيرا ما أظهرت تركيا اهتماما بالمنافسة على دور أكبر في العراق نظرا إلى ما له من موقع استراتيجي وما تحويه أراضيه من ثروات وما يمكن أن تمثّل إعادة إعماره من فرص استثمارية واعدة.
تركيا تسعى بتدخلها العسكري في العراق إلى تركيز موطئ قدم على أرضه إلى جانب كل من الولايات المتحدة وإيران
ويقول مهتمّون بالشأن التركي إنّ لأنقرة أطماعا تاريخية في بعض المناطق العراقية، خصوصا تلك التي تضمّ أقلية تركمانية مثل كركوك المحافظة النفطية الواقعة بشمال العراق.
وقال وزير الدفاع التركي في كلمة خلال “مناورات شتاء 2021” التي تجريها القوات المسلحة التركية ونظيرتها الأذربيجانية في ولاية قارص شرقي تركيا، إنّ بلاده مستعدّة “لدعم الجيش العراقي عبر مشاركة المعلومات والخبرات التي تمتلكها على صعيد حلف شمال الأطلسي”، مضيفا قوله “يجب أن نكون مستعدين لجميع أنواع التهديدات والمخاطر”.
كما أشار أكار إلى عملية “مخلب النسر2” التي أطلقتها القوات التركية لملاحقة عناصر حزب العمّال الكردستاني في شمال العراق، قائلا “بإذن الله سنخلّص بلدنا وشعب العراق الشقيق من ويلات الإرهاب.. كفاحنا مستمر بعزم وإصرار”.
ومع تصاعد العمليات العسكرية التركية في شمال العراق وتوسّع رقعتها، احتجّت السلطات العراقية عدّة مرّات على انتهاك تركيا لسيادة البلد دون أن تلقى تلك الاحتجاجات أي أصداء لدى الجانب التركي.
وقال أكار إنّ بلاده “تحترم الوحدة السياسية والسيادة العراقية”، مؤكّدا “أنه ليست لتركيا أي مطامع في أراضي الدول المجاورة، وأن ما تقوم به من أعمال هو لحماية حدودها وأمن شعبها ومصالحها”.
ورغم التطمينات التركية يرى عراقيون أنّ تركيا تتجاوز الهدف المعلن من تدخّلها في بلادهم وتسعى إلى تركيز وجود عسكري دائم على أراضيها بدليل رفضها تفكيك قواعد صغيرة أقامتها هناك بقرار أحادي.
وترصد مصادر استخبارية عراقية خلال الفترة الحالية نشاطا متزايدا لطيران الاستطلاع التركي فوق عدد من مناطق الشمال العراقي، تحضيرا لما قد يكون عملية برية في قضاء سنجار أحد أهم معاقل حزب العمال الكردستاني.
وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الشهر الماضي “بخصوص إخراج الإرهابيين من سنجار: لديّ وعد دائم.. يمكننا أن نأتي فجأة ذات ليلة”.
وأطلق أردوغان تلك التصريحات التي وصفت بالاستفزازية، بعد أيام من إرسال وزير دفاعه أكار إلى كل من بغداد وأربيل لنقل رسائل لم تكن ودية بالكامل، على ما أفادت مصادر سياسية مطّلعة.
وغيّرت أنقرة خلال السنوات الأخيرة من أسلوبها في معالجة تواجد عناصر حزب العمال الكردستاني داخل الأراضي العراقية، وأصبحت تميل إلى توسيع عملياتها في العمق العراقي دون التنسيق مع بغداد جنبا إلى جنب التأسيس لوجود عسكري مستدام هناك من خلال تركيز قواعد عسكرية، وذلك بعد أن ظلّت طيلة عقود من عمر صراعها الدامي مع مسلحي حزب العمال، تكتفي بالقيام بعمليات عسكرية خاطفة وحملات محدودة لملاحقة هؤلاء المسلّحين.